مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام القائد: التخطيط للمستقبل


إن الله إذا أنعم على شعب بنعمةٍ لا يعني ذلك أن هذه النعمة ستدوم له، فإننا نقرأ في سورة الحمد قوله تعالى ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين﴿7﴾(الفاتحة) أي أن المغضوب عليهم والضالين مندرجون تحت نعمة الله، فإن الله ينعم على عبده سواء كان مُهتدياً أم ضالاًّ. إلا أن الذين ينعم عليهم الله صنفان: صنف يعمل على زوال هذه النعمة بسوء فعله وتقاعسه وانحرافه وانسياقه وراء الأهواء الزائلة, وصنف يحتفظ بهذه النعمة من خلال سعيه وشكره. فالذين بدّلوا نعمة الله هم المغضوب عليهم والضالون، والذين لم يبدّلوها هم ﴿...غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴿7﴾(الفاتحة). لقد أنعم الله على الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين، قال تعالى: ﴿...فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ...﴿69﴾( النساء), كما أنعم على بني إسرائيل﴿...اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ...﴿40-47-122﴾( البقرة).

وقد تكرر هذا المعنى ثلاث مرات في سورة البقرة. إلا أنهم كفروا بنعمة الله، قال تعالى في سورة سبأ ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴿17﴾(سبأ). إذاً علينا الاحتفاظ بالنعمة وعدم الكفر بها، وإتمامها ورفع نواقصها الناشئة كذلك من سوء أعمالنا، وهذا من الأعمال الجليلة الملقاة على عواتقكم أيها الشباب وخصوصاً الجامعيين إذ نرى فيكم آفاق المستقبل، إذ أنكم مدراء المستقبل والمخططون له وأصحاب القرار فيه. أذكر هنا بعض الأُمور العامة، وطبعاً إن هذه الأُمور بأجمعها من الأُمور الراهنة، ولكن بالإمكان من خلال تحليلها العثور على الخيط الذي نصل من خلاله إلى المستقبل، والتعرّف على ما ينبغي فعله أو تركه. الأمر الأول صياغة إيديولوجية سياسية تعمل على توجيه أنشطة الشباب، إذ لولا ذلك لاضطربت الحياة ولم تنضبط جهود الناشطين. فلا بد أن تكون هناك إيديولوجية واضحة توجه نشاط الفرد. ولتوضيح ذلك نقول أن الشاب لا تنحصر آماله بالحصول على عمل وزوجة ودار, فإن هذه الأمور وإن كانت من جملة مطامحه، إلا أن طموحه يرقى إلى ما هو أكبر وأوسع من ذلك. وحينما يبصر الفساد في شطر من أجهزة النظام يتحرك ضميره إلى محاربة هذا الفساد ويتجذّر في نفسه هدف اجتثاثه، ويدعوه الهدف إلى التحرك على هذا الأساس, ولهذه الأسباب تحصل لدى الشاب حالة من الطموح إلى بلوغ الكمال والأهداف.

إن شبابنا لا يريد أن يكون هناك فقر أو تخلّف أو مأساة في بلدٍ يراه بيته، ويتوق إلى أن يسود الأمن والعزة والفخر والمحبّة والإخاء، وأن يكون مجال العمل والتقدم مفتوحاً أمامه، وأن لا يشعر بالفراغ، وأن يغدو بإمكانه إشباع الطموح الروحي والمعنوي الكامن في دخيلة كل إنسان، مما يُكَوّن في مجموعه الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالى: ﴿...فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً...﴿97﴾(النحل)، والتي تعني الحياة التي تلبي الطموح المادي والمعنوي على الصعيد العلمي والعملي والروحي,وسنعود إلى هذه الآية إن شاء الله. عندما نلقي نظرة على الواقع ونلتقي بالشباب -برغم كونهم مفعمين بالطموح وهم الذين يشكلون نسبة كبيرة- نرى أن طموحاتهم ليست على وتيرة واحدة؛ فهناك منهم الغافل الذي شغلته شؤون حياته اليومية, ولا يخطر بباله وجود طموح في الحياة، وفئة أخرى من الشباب لديه حالة من الصراع الفكري تراهم يائسين وحزينين وكئيبين، نظرتهم متشائمة للحياة, لم يغتنموا خير الحياة الطيبة، وهؤلاء مع كونهم يعيشون حالة الصراع إلا أنهم ليسوا غافلين, ولكن هذا الصراع سيودي بهم إلى الغفلة، إلا أن هذا النوع من الشعور لا يَعْدو أن يكون سطحياً وهشّاً لدى البعض منهم، وعميقاً ومتجذّراً لدى البعض الآخر مما يصعب التغلّب عليه، وفئة أخرى من ينشُد التنمية والتقدّم العلمي والتنافس في العلم والتحرر الفكري إلا أنهم يرون ذلك في التقليد الأعمى للمُثل الغربية، ويرى أن الطريق الصحيح هو الذي طرقته الأقلية المتمثلة في البلدان الغربية التي تشمل أوروبا والولايات المتحدة وبعض البلدان المتقدّمة الأخرى، وسأعود إلى هذه المسألة وأتناولها بتفصيل أكثر، وهناك من يبحث في ذاته من خلال دراسة خصوصياته الذاتية، ويصدق عليه بيت الشعر الذي يقول:

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ويرى هذا البعض أن ما بحوزة الشعب الإيراني وشبابه الواعي كافٍ للوصول إلى الغاية القصوى التي يطمح إليها, وما هؤلاء بالقلائل. وأنا سأتجاوز الصنفين الأولين، وأما الصنف الثالث -الذي يرى الحلول في تقليد الغرب بقول مطلق- فإن فكره يستحق الدراسة، فعليكم أيها الشباب أن تفكروا وتعملوا في هذا الخصوص، وأقول لكم باختصار: إن التجربة الغربية تجربة فاشلة، وذلك لأن التجربة الغربية في النظم الاجتماعية إما فاشيّة كما هو الحال في الحكومة النازية, أو شيوعية، كما هو شأن المعسكر الشرقي السابق، أو ليبرالية -الهيمنة المطلقة العنان حالياً- والمتمثلة في أمريكا وربيبتها المدلّلة إسرائيل. إن الجرائم التي حصلت في القرن ونصف القرن الأخير كانت بأجمعها تقريباً -منذ الانفتاح الفكري عملياً في الغرب- حصيلة التجربة الغربية، ومن نماذج هذه التجربة الحربان العالميتان اللتان راح ضحيتهما ملايين القتلى من مختلف الشعوب. ورغم الجهود التي بذلتها الجهات السياسية في أوربا للحيلولة دون الحرب العالمية الأولى, ورغم المقالات الملتهبة والخطب الحماسية والاجتماعات المتنوعة، لم تكن هناك جدوى تمنع وقوع الحرب.

والنموذج الآخَر حصل بعد حوالي تسعة عقود من الحرب العالمية الأولى، عندما شنّت الولايات المتحدة حربها ضد العراق -فبرغم المسيرات العالمية والتظاهرات المليونية والتي خرجت في أوربا والعالم- للحيلولة دون هجوم الولايات المتحدة وإنكلترا ضد العراق، إلا أنها لم تُجْدِ شيئاً أيضاً, وذلك لأن هذه الجهود رغم خلوصها لم تكن صحيحة، لأنها قامت على أُسسٍ خاطئة. والنموذج الآخر على إخفاق التجارب الغربية في إدارة حياة الإنسان وضمان سعادته هي قضية الاستعمار وما جرّته على العالم من الويلات، ويمكن لمن يتفقّد القارة الأفريقية أن يرى ظاهرة الاستعمار بوضوح، لقد كانت القارة الأفريقية غنية بالطاقات البشرية والمصادر الطبيعية، حتى دخلها الأوربيون وأحدثوا نهباً وقتلاً ذريعاً واغتنموا فرصة جهل الناس، وأقاموا نُصباً لأنفسهم بوصفهم محررين لتلك البلدان. وها أنتم تشاهدون الليبرالية المعاصرة في سجن أبي غريب وغوانتنامو وغيرهما من السجون. وقد قرأت في تقرير موثق أن الولايات المتحدة لديها عشرات السجون السرّية على شاكلة أبي غريب وغوانتنامو في أنحاء العالم كافة، ولا ينكرون ذلك. إن الاستعمار المعاصر الذي هَيمْن على البلدان لعقود من الزمن، والاستعمار الذي نعيشه حالياً والمخططات الطامعة والظالمة والمجحفة بحق الشعوب الأخرى من نماذج هذه الجرائم. ومن ثمار التجربة الغربية صنع القنابل النوويّة والكيمياوية. ولذلك فإن التجربة الغربية لم تكن ناجحة للبشرية ولا للغربيين أنفسهم.

فلا يذهبن التصور إلى أن أوروبا وأمريكا أساءتا لسائر الشعوب دون شعوبهما, فصحيح أنهم يصنّفون البشر إلى إنسان من الدرجة الأولى، وإنسانٍ من الدرجة الثانية، إذ يرون العنصر الأبيض –الأوربي- إنساناً من الدرجة الأولى، وما سواه من الدرجة الثانية، ويقوم المنطق الغربي على إباحة كل جفاءٍ وحيف على الإنسانية من الدرجة الثانية إذا كان لصالح الدرجة الأولى! إلا أن الواقع هو أنهم أضرّوا حتى بشعوبهم، فهناك حالياً في الولايات المتحدة والبلدان الغربية يتوفّر العلم والثروة والقوّة العسكرية وكل شيءٍ إلا السعادة! فالأسر منهارة وإحصاءات الجرائم والقتل وأنواع المفاسد مذهلة، والأمن معدوم، ولذلك كانت أغلب التيارات الفلسفية المتشائمة تظهر في أوربا، وقد ظهرت في أيام شبابنا جماعة الهيب، واليوم تشاهدون نماذج أخرى من هذه الجماعات. إن التجربة الغربية تفتقر إلى العدالة الاجتماعية، بل وتخلو حتى من الديمقراطية الواقعية. فيختلفون مثلاً حول الهجوم على العراق فيرى حزب العمال الإنجليزي أن الهجوم أفضل، بينما لا يرى المحافظون ذلك، وفي فرنسا يرى شخص أن العلاقة مع إسرائيل ينبغي أن تقوم على أساسٍ لا يوافقه الآخر عليه، وهكذا في النمسا وغيرها. دون أن يأخذوا بالاعتبار ما سيلحق تلك البلدان من الأضرار في ثوابتها وأسسها. أو أن ذلك الظالم والمعتدي يجوز له خوض الانتخابات وغمار الدعايات أو لا. لا بد من العمل هناك ليل نهار، الأمر الذي يَحرم الأسر من اللقاءات العائلية الحميمة، وقد ذكرت الصحف الأمريكية أن أغلب الأسر الأمريكية لا تستطيع أن ترى أفرادها في منازلها، ولذلك تتفق على موعد محدد خارج المنزل لتناول كوبٍ من الشاي تتخلله نظرات قلقة إلى الساعة خشية أن يفوت وقت العمل اللاحق! حينما عَمَد الغرب في العصور الوسطى إلى فصل الدين عن العلم والسياسة وأُسلوب الحياة, أراد من وراء ذلك أن يسبق الأديان وَعْدها للإنسانية بنعيم الآخرة والجنة، بخلق هذه الجنة في عالم الدنيا، ولكن سرعان ما تحولت هذه الجنّة المزعومة إلى جحيم، وقد اعترفوا بهذه الحقيقة أنفسهم.

طبعاً إن الدين الذي عارضه المستنيرون في أوربا لم يكن لائقاً بالحياة الإنسانية، فهو دين مشحون بالخرافات، يؤدّي إلى الحكم بالقتل على غاليلو تارة، والى قتل آخر تحت التعذيب تارةً أخرى، لمجرد توصله إلى اكتشاف علمي! حيث أن المسيحية الحقيقية قد طالها التحريف، ولا اعتراض على فصل السياسة عن الدين المحرّف، إنما الإشكال على فصل الأخلاق والمعنويات عن العلم والسياسة ونظام الحياة والروابط الفردية والاجتماعية، فالذي حصل هو إعطاء الحرية المطلقة للعقل وتعطيل الدين عن ممارسة دوره، وقد مضى القرنان الأخيران على هذا المنوال. بل وأخذوا في العقود الخمسة الأخيرة يشككون حتى في العقل، وينكرون ثوابته، وأخذوا يميلون إلى النسبية والتشكيك في جميع الأُسس الأخلاقية والعقلانية وحتى العلمية. وعليه فإن هذه التجربة ليست جديرة بالتقليد، فمن الخطأ أن نقتفي أثر الغرب في طريقه التي لم تؤدّ به إلى غايته. نحن نأخذ العلم من أيًّ كان، فقد قال لنا رسولنا صلى الله عليه وآله: (اطلبوا العلم ولو في الصّين)؛ إذ كانت الصين آنذاك ذات حضارة عريقة ومتقدّمة، وبرغم ابتعادها عن الإسلام وبُعدها، قال النبي صلى الله عليه وآله اطلبوا العلم والتجربة -أو ما يصطلح عليه حالياً بالتقنية- أينما وجدتموها.

لا نجد أيّ عارٍ في أخذ العلم من الغربيين والأوربيين، وإنما العار أن نستمر على بقائنا تلاميذ لهم. أو نبقى كحوض ماءٍ خاضعٍ في ملئه وتفريغه لرغبة الآخرين، بل نريد أن نكون بمثابة الينبوع الذي يتفجّر ماؤه تلقائياً. نريد أن نستثمر طاقاتنا الذاتية، وإني أرى إمكان استثمار هذه الطاقات في كل موضع تقع عليه عيني. ولا ينحصر ذلك في التقدم الحاصل في الطاقة النووية، بل هناك أمثله أخرى كالخلايا الجينية التي أذهلت المراقبين الأجانب، وغيرها من الأمثلة الأُخرى. فهل هناك ذلّة أكبر من أن تجلس اُمّة بكامل طاقاتها لتأتي شرذمة من الأجانب وتزيح هذه الأُمة جانباً لتباشر عملية الاستثمار بنفسها دون أن تجيز لأبناء الوطن حتى الاستفادة من تجاربها، وتكتفي بإعطاء الشعب نزراً يسيراً وتحتفظ لنفسها بالسهم الأوفر، وهذا ما كان يحصل بالنسبة إلى النفط والنحاس والحديد ومختلف المصادر الأخرى من إقامة السدود والمطاحن، والقطاعات الجامعية والعلمية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع