منهال الأمين
أخذ السجال حول سلاح المقاومة حيزاً مهماً من النقاش الداخلي اللبناني وإن كانت حدة هذا السجال قد هدأت في الفترة الأخيرة. ذلك أن المقاومة وأهلها تمسكوا بحقهم في أن يحافظوا على قوة الردع في وجه العدو الذي يتربص بهم على الدوام. فالعاقل لا يلقي سلاحه كما يؤكد سماحة الأمين العام لحزب اللَّه السيد حسن نصر اللَّه لأنه يعلم كيف ومتى وأين يستعمل هذا السلاح الذي أضحى مفخرة لبنان، وهو الذي يحمي استقلاله وحريته وسيادته، ويصون الإنجازات والمشاريع، ويحرس حركته نحو المستقبل. فهل من المبرر عندما تكون لديك نقطة قوة معينة، أن تستغني عنها لأسباب واهية افتراضية، مصدرها الشك والوهم والخوف من هذا السلاح أن يستخدم في الداخل؟ والتجربة أثبتت لمن يريد أن يتحقق ومن ثم يطمئن، أن سلاح المقاومة بيد عاقلة تعض على الجرح وتوجه بوصلتها في اتجاه العدو. ولكن ما هو رأي أهل المنطقة المحررة خصوصاً وأهل الجنوب عموماً، وهم المعنيون مباشرة بهذا الأمر؟ ذلك أنهم عانوا وقدموا وضحوا وصبروا طويلاً حتى حررتهم بندقية المقاومة في مقابل عجز القرارات الدولية. هذا ما حاولنا أن نستكشفه بالاستقصاء المباشر من أهالي المنطقة الذين أكدوا أنهم يطلبون الأمن والسلام وليسوا هواة حرب وسلاح، ولكن هذا لن يتحقق لهم بعزة وكرامة إلا إذا كانوا أقوياء في وجه عدو يتربص بهم.
* تاج رؤوسنا
محمد (35 عاماً الخيام) يشعر بالعرفان الكبير للمقاومة وشبابها الذين حرروا أرضه، فسلاح المقاومة كما يقول "تاج يضعه كل لبناني على رأسه مدى العمر" مضيفاً: "إنه شرف كبير لنا أن شباب المقاومة وهم من إخوتنا وأبنائنا هم الذين حرروا الأرض، في مقابل عجز القرار 425 الصادر عن الأمم المتحدة منذ 27 عاماً، لقد جاءت المقاومة ونفذته بقوة السلاح". وفي أحد محلات الخيام صادف وجود مجموعة من النساء. سألناهن عن سلاح المقاومة فأدلت كل واحدة بدلوها، ودار نقاش بين الحاضرات حول أهمية هذا السلاح فأم هادي (45 عاماً( اعتبرت: "أن المقاومة إلى جانب الجيش مارست دوراً مهماً، وهي اليوم تحمي حدودنا دون أن نضطر ليكون جيشنا حارس حدود للإسرائيليين. سلاح المقاومة مع سلاح الجيش هو لحماية لبنان، وهذه أفضل صيغة للدفاع عن الوطن". ورأت أم داني (40 عاماً): "أن سلاح المقاومة كان بمنأى عن الأحداث الداخلية في لبنان، وهو ليس سلاحاً طائفياً. والمقاومة انسجمت مع أهل هذه المنطقة مسلمين ومسيحيين، حتى في زمن الاحتلال الكثيرون ساعدوا المقاومة. ونحن اليوم نعيش بأمان وسلام فيما بيننا، والمقاومة حريصة على هذا التعايش وهي لا تفرق بين مسلم ومسيحي. فهي تضع في أولوياتها حماية الجنوب بل ولبنان كله". أم سامر (42 عاماً) شرحت كيف كان الوضع قبل التحرير، حيث الحالة سيئة جداً والأمان مفقود تماماً: "سلاح المقاومة هو الذي حررنا وأعطانا الأمان، ونحن هنا في المنطقة أكثر الناس أماناً في لبنان. وهذا السلاح هو الذي لا زال يحمينا اليوم، فإسرائيل لا يمكن أن تتركنا وشأننا بعد أن هزمناها شر هزيمة، وسلاح المقاومة هو الذي يضمن عدم تفكيرها بأي مغامرة جديدة في لبنان". وأجمعت السيدات الثلاث على أنهن سيفعلن أي شيء كي لا يتجرأ أحد على مجرد المطالبة بنزع سلاح المقاومة.
* سلاح المقاومة قوة لبنان
لا ينسى أبو علي (45 عاماً ميس الجبل) معاناته وأهل بلدته مع الاحتلال طوال ما يزيد عن ال22 عاماً: "لم نكن نحلم بالتحرير والتخلص من نير الاحتلال لولا وجود المقاومة، وبعد أن تحقق التحرير، سلاح المقاومة هو الوحيد الذي يحمينا ويحرس حدودنا، وعلينا أن نحفظ هذا السلاح بعيوننا وأن نحرص على شباب المقاومة حرصنا على وطننا لأن حقهم في رقابنا".
* أما الحاج جواد (عيترون) فيقول: "في وجه إسرائيل وأطماعها في لبنان، سلاح المقاومة هو الرادع" مذكراً بجر المياه من الوزاني وكيف أنه تم في حماية المقاومة التي هددت إسرائيل بالرد القاسي إن هي فكرت في قصف محطة الضخ أو التعرض لاحتفال الافتتاح آنذاك. ويرفض الحاج جواد كما كل أهل المنطقة بالتأكيد نزع سلاح المقاومة. مشيراً إلى أن إسرائيل حتى هذه الساعة تخترق الجو بطائراتها يومياً، فكيف يُطلب منا البقاء بلا سلاح لمواجهة أية تطورات؟ يروي أبو عادل (60 عاماً – كفركلا) معاناته أيام الاحتلال وكيف أنه كان يضطر لتحمل ذل الحصول على تصريح للخروج من المنطقة، حيث كان التضييق والمراقبة الدائمة "فكنا نعيش على أعصابنا، نأوي إلى بيوتنا مع الغروب ونتوقع المداهمة في أية لحظة"، ولكن اليوم اختلف الوضع تماماً مع أبي عادل فسلاح المقاومة يجعل العدو يحسب ألف حساب قبل أن يفكر في مجرد تحليق طيرانه فوق الجنوب. وفي نظره أن هذا السلاح لا زال ضرورة وقوة للبنان، فهذه المقاومة لا تعرض عضلات، بل هي تمارس دورها على حقيقته "ونحن نفتخر ونعتز بها". ويؤكد الحاج مهدي (بنت جبيل) رؤيته بأن سلاح المقاومة ليس سلاحاً بيد طائفة ضد أخرى، لأن المقاومة دافعت عن كل لبنان، والدليل أنها لم تميز في موضوع العملاء بين عميل وآخر. ويبدي أبو عصام (الطيبة) إعجابه الشديد بشباب المقاومة، الذين تسنى له بعد التحرير التعرف إلى بعضهم عن كثب. فهو يرى أنهم مقاومون حقيقيون، وهذا ما تأكد للناس هنا في المنطقة من خلال العشرة الطيبة مع هؤلاء الشباب، المميزين بأدبهم وأخلاقهم ومعاملتهم الحسنة مع الأهالي، وهذا سر انتصارهم "أشداء على الكفار رحماء بينهم". "وكل هذه الفترة لم نشهد أي مظهر مسلح في المناطق المدنية، فهم شباب منظمون جداً".
* نزع سلاح المقاومة مرفوض
في منطقة حاصبيا والجوار كانت لنا لقاءات مع بعض المواطنين في تلك المنطقة التي تتميز بالتنوع الطائفي وهي رمز للتعايش المشترك الحقيقي. أبو وائل (45 عاماً) أكد تمسك أبناء المنطقة بسلاح المقاومة لأنه "رمز الشرف والعزة وبفضله تحررنا ورفعنا رأسنا بين الأمم" وأضاف: "إن أي حديث عن نزع سلاح المقاومة يجب أن يتم باتفاق بين اللبنانيين أنفسهم دون تدخل من أحد". ويعقب أبو وائل: "سلاح المقاومة يشكل مناعة لنا في وجه الاعتداءات الإسرائيلية بعد أن رفع عنا الضيم والظلم والذل الذي كان مفروضاً علينا من الاحتلال وعملائه. ولا زال حتى الساعة يشكل لنا ضمانة، طالما أن عدونا جاثم على حدودنا ويحتل أرض فلسطين". أما عامر (47 عاماً) فرأى أن سلاح المقاومة موضع إجماع من أهل المنطقة لناحية أهميته كسلاح دفاعي. وأشار إلى أن الناس زمن الاحتلال كانت مع المقاومة، بل وهناك مجموعات ساعدت المقاومين بشكل سري. معتبراً أن اللبنانيين بكل أطيافهم وألوانهم، يؤمنون بتلاحم الجيش والمقاومة وهذا ما يضمن استقلال وسيادة لبنان، وشدد "عامر" على أن أهل هذه المنطقة لم يعيشوا في أمن واستقرار منذ العام 1948 مثلما يعيشون اليوم في حماية المقاومة.
ويؤكد جاره سمير على هذا الأمر فيقول إنه يترك دكانه (محل خضار) بدون أن يقفله ويذهب إلى أي مكان، ولا يشعر بأي قلق. ويفاخر بأن هذا الأمان والاستقرار لم تشهده المنطقة من قبل. ومرد هذه الحصانة برأي سمير إلى توازن الرعب الذي تحقق بفضل المقاومة. فخروقات إسرائيل لا تمر هكذا كما في السابق حيث كانت تستبيح القرى والبلدات الجنوبية ساعة تشاء، فيما المقاومة اليوم لها بالمرصاد. ويرى داوود (30 عاماً) أن المقاومة بإنجازها العظيم أعادت المنطقة إلى حضن الوطن، وصرنا نقصد العاصمة وأية منطقة نريد ساعة نشاء وبحرية مطلقة فإنجاز التحرير عجزت عنه دول، وحققته المقاومة بالتضحية والشهادة، فهل نستغني عن هذا السلاح الذي ردع الكيان الإسرائيلي ولا يزال؟ فالمطلوب أن يتحول كل لبناني إلى مقاوم حقيقي في وجه إسرائيل، لا أن تُطالب المقاومة بنزع سلاحها، "فهذه أكبر حماقة نرتكبها بحق أنفسنا كلبنانيين"، ويعتبر أن تخوف البعض من سلاح المقاومة هو وهم وشك في غير محله "ولا يجوز أن نبني على أوهام وظن سيئ ونخدم عدونا بنزع السلاح من أيدينا". عماد (30 عاماً) اقترح بدوره أن تندمج المقاومة في الجيش لكي لا تبقى مسألة خلافية بين اللبنانيين، وهي التي وحدت اللبنانيين حولها. ولكن زبوناً حاضراً عنده رفض هذه الفكرة، معللاً ذلك بأن المقاومة لها خصوصية تميزها عن طبيعة وتركيبة الجيش النظامي، وهذا الوضع سمح لها بأن تتحرك بحرية ضد العدو الإسرائيلي، لتحقق كل هذه الانتصارات عليه.
وشدد سامي على أن المقاومة لم تكن يوماً طائفية وطوال تاريخها شارك فيها معظم الأحزاب اللبنانية، وفي الفترة الأخيرة اقتصرت بشكل كبير على حزب اللَّه، هذا صحيح، ولكن هذا الحزب أسس السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال، إلا أن مشاركة الآخرين كانت ضعيفة، فالمشكلة في الأحزاب وليست في المقاومة. الحاج أبو كمال (70 عاماً) رفض بشدة نزع سلاح المقاومة التي "تبعث فينا الشعور بأننا أقوياء في وجه التجبر الإسرائيلي والأمريكي". لافتاً إلى أن مزارع شبعا لن تتحرر إلا بسلاح وقوة المقاومة لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.