* ترويض ملكات النفس
اعلم أن الوهم والغضب والشهوة من الممكن أن تكون من الجنود الرحمانية، وتؤدي إلى سعادة الإنسان وتوفيقه إذا سلّمتها للعقل السليم وللأنبياء العظام، ومن الممكن أن تكون من الجنود الشيطانية إذا تركتها وشأنها، وأطلقت العنان للوهم ليتحكم في القوتين الأخريين الغضب والشهوة. وأيضاً لم يكن خافياً أن أيّاً من الأنبياء العظام عليهم السلام لم يكبتوا الشهوة والغضب والوهم بصورة مطلقة، ولم يقل أي داع إلى اللَّه حتى الآن، بأن الشهوة يمكن أن تُقتل بصورة عامة، وأن يُخمد أوار الغضب بصورة كاملة، وأن يترك تدمير الوهم، بل قالوا: (يجب السيطرة عليها حتى تؤدي واجبها في ظل ميزان العقل والدستور الإلهي) لأن هذه القوى كل واحدة منها تريد أن تنجز عملها وتنال غايتها ولو استلزم ذلك الفساد والفوضى. فمثلاً النفس البهيمية المنغمسة في الشهوة الجامحة التي مزّقت عنانها هذه النفس تريد أن تحقق هدفها ومقصودها ولو كان ذلك يتم بواسطة الزنا بالمحصنات وفي الكعبة (والعياذ باللَّه). والنفس الغضوب تريد أن تنجز ما تريده حتى ولو استلزم ذلك قتل الأنبياء والأولياء. والنفس ذات الوهم الشيطاني تريد أن تؤدي عملها حتى ولو استلزم ذلك الفساد في الأرض وقلب العالم بعضه على بعض. لقد جاء الأنبياء عليهم السلام وأتوا بقوانين، وأُنزلت عليهم الكتب السماوية من أجل الحيلولة دون الإطلاق والإفراط في الطبائع، ومن أجل إخضاع النفس الإنسانية لقانون العقل والشرع وترويضها وتأديبها حتى لا يخرج تعاملها عن حدود العقل والشرع.
إذاً فكلُّ نفس كيّفت ملكاتها وفق القوانين الإلهية والمعايير العقلية فهي سعيدة ومن أهل النجاة، وإلا فليستعذ الإنسان باللَّه من ذلك الشقاء وسوء التوفيق وتلك الظلمات والشدائد المقبلة، ومنها تلك الصور المرعبة والمذهلة التي تصاحبه في البرزخ والقبر والقيامة وجهنم، والتي نتجت عن الملكات والأخلاق الفاسدة التي لازمته.
* تهذيب طائر الخيال:
اعلم أن أول شرط للمجاهد في هذا المقام والمقامات الأخرى، والذي يمكن أن يكون أساس الغلبة على الشيطان وجنوده، هو حفظ طائر الخيال، لأن هذا الخيال طائر محلق يحط في كل آن على غصن، يجلب الكثير من الشقاء، وأنه من إحدى وسائل الشيطان التي جعل الإنسان بواسطتها مسكيناً عاجزاً ودفعت به نحو الشقاء.
وعلى الإنسان المجاهد الذي نهض لإصلاح نفسه، وأراد أن يصفّي باطنه، ويفرغه من جنود إبليس، عليه أن يمسك بزمام خياله وأن لا يسمح له بأن يطير حيثما شاء، وعليه أن يمنع من اعتراضه للخيالات الفاسدة والباطلة، كخيالات المعاصي والشيطنة، وأن يوجه خياله دائماً نحو الأمور الشريفة، وهذا الأمر ولو أنه قد يبدو في البداية صعباً بعض الشيء، ويصوره الشيطان وجنوده لنا وكأنه أمر عظيم، ولكنه يصبح يسيراً، بعد شيء من المراقبة والحذر. إن من الممكن لك من باب التجربة أن تسيطر على جزء من خيالك، وتنتبه له جيداً، فمتى ما أراد أن يتوجّه إلى أمر وضيع، فاصرفه نحو أمور أخرى كالمباحات أو الأمور الراجحة الشريفة. فإذا رأيت أنك حصلت على نتيجة فاشكر اللَّه تعالى على هذا التوفيق، وتابع سعيك، لعل ربك يفتح لك برحمته الطريق أمامك للملكوت وتهتدي إلى صراط الإنسانية المستقيم، ويسهل عليك مهمة السلوك إليه سبحانه وتعالى. وانتبه إلى أن الخيالات الفاسدة القبيحة والتصورات الباطلة هي من إلقاءات الشيطان، الذي يريد أن يوطن جنوده في مملكة باطنك. فعليك أيها المجاهد ضد الشيطان وجنوده، وأنت تريد أن تجعل من صفحة نفسك مملكة إلهية رحمانية، عليك أن تحذر كيد هذا اللعين، وأن تبعد عنك هذه الأوهام المخالفة لرضا اللَّه تعالى، حتى تنتزع إن شاء اللَّه هذا الخندق المهم جداً من يد الشيطان وجنوده في هذه المعركة الداخلية، فهذا الخندق بمنزل الحد الفاصل، فإذا تغلّبت هنا فتأمّل خيراً. أيها العزيز: استعن باللَّه تبارك وتعالى في كل آن ولحظة، واستغث بحضرة معبودك، واطلب منه بعجز وإلحاح.