كمال زهر
إذا أراد الإنسان أن يذكر بعض السجايا والصفات الحميدة تتبادر إلى ذهنه وبشكل تلقائي وعفوي صورٌ وأشخاص قد تميزوا بهذه السجية أو تلك، فتصبح بعض الأسماء مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، بل تصبح عنواناً لتلك الصفة أو السجية. فمثلاً حينما نتكلم عن الشهادة والاستشهاد تتبادر إلى الذهن قضية الإمام الحسين عليه السلام وكربلاء، وحينما نتكلم عن الإيثار والتفاني نتذكر أبا الفضل العباس عليه السلام وأصحاب الإمام الحسين عليه السلام، وحين الكلام عن عظمة المرأة ووقوفها في وجه المحن والرزايا نتذكر زينب عليه السلام ووقوفها في كربلاء وبوجه الطاغية يزيد (لعنه اللَّه).
وعند العرب يضربون المثل في الكرم والسخاء بحاتم الطائي، وإذا أرادوا أن يتكلموا عن الشجاعة يقولون مثل "عنترة" لكن إذا أردنا أن نجمع كل تلك الصفات والمزايا الجليلة وننسبها إلى شخص واحدٍ نجد أجلى المصاديق وأبرز العناوين وأوضحها لكل تلك الصفات بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مجتمعة في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. ولن نقف كثيراً عند الحديث عن شجاعة علي عليه السلام وبطولاته وبلائه في ضرب جبهة المشركين وكسر شوكتهم فإن ذلك كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار ولن يمر في وهمنا ولو للحظة واحدة أن نتخيل ما يُزعم من أن علياً حينما سُئل عن سبب خوف الأبطال منه في ساحات القتال أجاب عليه السلام: إن لدي أسلوباً في الحرب، أرى الجبان فأندفع نحوه فأضربه ضربة ينخلع لها قلب القوي. وما يُضعف هذه الدعوى ما ذُكر من حالات أمير المؤمنين عليه السلام ومنها:
1- إن علياً عليه السلام كان يقول "واللَّه لو تظاهرت العرب على قتالي ما وليت عنها مدبراً". ويقول أيضاً: "إن ابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه". بل إن ألد أعداء علي وهو معاوية كان يقول في علي عليه السلام أنه: "الشجاع المطرق".
2- في دعاء الندبة (قد وتر فيه صناديد العرب وقتل أبطالهم وناوش ذؤبانهم).
3- إن هذه الكلمة أعني قوله "إنني أضرب الجبان ضربة..." تُنسب إلى عنترة بن شداد العبسي الذي اشتهر بالشجاعة، مع أن غاية ما يحدثنا التاريخ عنه هو أنه رجل من بني عبس يلقى الفارس أو الفارسين ليس إلا.
4- إننا لم نجد اسماً لأحد من هؤلاء الضعفاء الذين اندفع إليهم عليٌ وضربهم ضربة انخلع لها قلب القوي.
* ففي أُحد قتل حملة اللواء التسعة وهزم الجيش كله ولا يمكن أن يعطى اللواء للإنسان الجبان.
* وفي بدر قتل نصف قتلى المشركين وشارك في قتل النصف الآخر وهم جبابرة قريش وفراعنتها وقد ذكر المؤلفون أسماء بعض القتلى الذين قتلهم علي عليه السلام ولم نجد فيهم ضعيفاً فيقول الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد ص39 عمن قتلهم علي: "الوليد بن عتبة وكان شجاعاً جرياً وقاحاً فتاكاً، تهابه الرجال، والعاص بن سعيد وكان هولاً عظيماً تهابه الأبطال. وطعيمة بن عدي بن نوفل وكان من رؤوس أهل الضلال.." الخ.
* وفي خيبر قتل مرحباً ولم نعهد مرحباً إنساناً ضعيفاً.
* وفي الخندق قتل عمرو بن ود العامري أيضاً لم يكن ضعيفاً بل كان يُعد بألف فارس وقد جبن عنه جميع المسلمين.
* وفي ليلة الهرير قتل بيده كما ذكر المؤرخون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب.
ويقول أحد المؤلفين في يوم أحد: أباد أصحاب اللواء جميعهم ولما فرَّ القوم عن النبي لم يثبت معه إلا علي. وأينما ذهبنا وفي أي معركة فإننا حينما نستعرض وجوه القتلى نجد أنهم كانوا وجوه قومهم وأهل العزة والقوة فيهم فقد نازل علي عليه السلام أقوى قرومهم وجندل أبسل أبطالهم وعفرهم بالتراب. وأخيراً فإننا نقرأ أن الذين كانوا يقفون في الصف الأول أي في الصف الذي يقابل علي بن أبي طالب عليه السلام كانوا يوصون الناس بذويهم لأنهم يغلب عليهم الظن أو فقل يتيقنون بالموت وكانوا يفتخرون بوقفتهم في الصف الأول مقابل علي عليه السلام وكان ذووهم يفتخرون أو يواسون أنفسهم بأن علياً هو الذي قتلهم وليس شخصاً آخر أقل منهم قوة. هذا هو إمامنا ومقتدانا وسيدنا وقد أثر هذا النهج في شيعته ومحبيه فكانوا فرسان الهيجاء وأبطال الحروب حيث داسوا أنف المحتل بأخامص أقدامهم وعفَّروا عنفوانه بالتراب فكانوا الأبطال الحقيقيين والمؤمنين الأصفياء المخلصين الذين واجهوا أولياء الشيطان "بني صهيون" وأعداء الإنسانية. فجزاهم اللَّه عن الإسلام خير جزاء العاملين المجاهدين ودفع عنهم كيد المبطلين.