"إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه" أمير المؤمنين عليه السلام
من المسائل التي تعتبر عاملاً مصيرياً في حفظ الثورة والخط الجهادي مسألة القيادة التي تصنع القرارات وتضع الخطط وتوجه القوى المختلفة للأمة نحو الأهداف الصحيحة، فبمجرد أن تنحرف القيادة أو ينحرف الناس عنها تبدأ حلقة السقوط والتراجع مؤذنة بمصير أسود. وقد جاء في الروايات: أن أول ما يضيع في الإسلام الحكم وآخره الصلاة. ذلك أن ضياع الحكومة الصالحة بداية لسلسلة الانحرافات المختلفة ونشوء البدع وتغلب الأهواء وسيطرة الأشرار وهتك الأبرار. لذلك فإن مسؤوليتنا تجاه الثورة والجهاد تتطلب منا وعياً تاماً لدورنا تجاه القيادة أو القائد الذي يلعب دوراً مصيرياً في حياة الأمة.
* القيادة الدينية
لقد حدد أمير المؤمنين علي السلام في كلمته المذكورة أن الذي يحق له استلام زمام الأمور والتصدي للحكم هو الأقوى والأقدر عليه والأعلام بحكم الله وشريعته فيه. فهو يجمع مع القيادة الدينية الواعية شرط الكفاءة من الشجاعة والتقوى والحزم والإرادة والوعي والاطلاع.
فالقيادة الدينية تنبع من معرفة الأحكام الإلهية من مصادرها الأصلية والقائد الإلهي هو الذي التصق في وجوده وحركته بالتعاليم الإسلامية وأدرك منابعها الصافية فاستطاع بذلك أن يجد لكل واقعة حكماً ينطلق من عمق الإسلام وشريعته، ولذلك فإن الحاكم هنا يكون الفقه والشرع، ويصبح القائد ممثلاً للفقه الأصيل والشرع الحنيف. فهو عندما يعلن الحرب أو يتابع الثورة أو يجهز الجيوش وبعد العذات ويشكّل الفرق إنما يعمل بأمر الله. وكذلك عندما يقبل صلحاً أو يقيم علاقة لا يحكم بمقتضى هواه بل بمقتضى الشرع الأنور.
ومن هنا كانت القيادة الدينية شرطاً أساسياً في تحقق ما يمكن أن نطلق عليه قضية "براءة الذمة" في العمل السياسي والجهادي.
وبتعبير آخر لا يكفي في الجهاد أن يكون المرء مجاهداً حتى يسقط عن التكليف، أو عاملاً في مجالات العمل الإسلامي المختلفة حتى يكتب في الصالحين، بل إن شرعية المواجهة والتحرك تنبع من كونها مرتبطة بالقيادة الشرعية التي عرفت حلال الله وحرامه في كل شيء ومزجت العلم بالعمل.
والقيادة الدينية لا تنطلق من موقع الخبرة فقط، لأن الأساس في كل شيء هو تبعيته للحق عز اسمه. لأن في روح هذا الاتباع وجوهره تكمن السعادة الحقيقية وأسباب النصر الإلهي وشروط التكامل الإنساني.