السيّد ربيع أبو الحسن
لا شكّ في أنّ أسباباً عدّة تقف وراء الطلاق. ونحن لسنا في وارد الحديث عنها وتعدادها، لكن قبل أن تقع الفِرقة بين الزوجين، لا بدّ لكلّ طرفٍ من أنْ يصارحَ الآخر -دون أن يجرحَه- بالأسباب التي دعته إلى اتّخاذ قرارٍ كهذا، وبالمساوئ التي يراها فيه -بغضِّ النظر عن كونه مصيباً فيما يرى أم لا- وأن لا يحتفظ بها لنفسه، وأن يكون هدفُه الإصلاح إنْ وَجد إليه سبيلاً، وإلّا فمراعاة الأصلح حتّى لو كان هذا الأصلح هو الطلاق.
وبعد أن يقع الطلاق، لا يحقُّ لأيٍّ من الطليقَين أن يذكر عيوب الآخر ومساوئه أمام الآخرين، أو أن يفضح ما قد ستره الله، أو -والعياذ بالله- أن يتعرّضَ لِما له صلة بالشؤون الخاصّة بين الزوج وزوجه...
هذا، وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم إلى منهج التعامل بين الأزواج، قبل إيقاع الطلاق وبعده. ومن هذه الإرشادات:
1- ولا تنسَوا الفضل بينكم: في الحديث عن أحكام الطلاق، يخاطبُ الله سبحانه وتعالى الزوجَين وأولياء الزوجة بقوله: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ (البقرة: 237)؛ وقوله تعالى، وإن كان موجَّهاً إلى الزوج بأن يتنازل عن استرداد نصف المهر فيما لو كان قد دفع المهر كاملاً إلى زوجه قبل الإفضاء وقبل الطلاق، وموجّهاً إلى الزوجة أو وليِّها -إنْ كانت صغيرة- بأن يعفُوَا عن حقِّهما في نصف المهر، إلّا أنّه بعمومه يحضُّ الزوجَين وسائر المسلمين، على عدم نسيان المُثُل الإنسانيّة في العفو والصفح والإيثار، والتخلّي عن الشحناء والبغضاء والإساءة؛ فإنّها من عمل الشيطان.
فالزوجان، مهما تعاظمت المشاكل بينهما، لا يسوغ لهما نسيان ما كان بينهما من فضل؛ إذ الطلاق والانفصال ينبغي أن لا يعمي نظر الزوجين عن كلّ فضل بدر من أحدهما تجاه صاحبه.
2- التسريح بإحسان: إنّ قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ...﴾ (البقرة: 231)، يفيد أنّ الزوجة المطلّقة ما دامت في عدّتها، فإنّ للزوج أن يصالحها، ويعيدها إلى رباط الزوجيّة في حياة سليمة، وبعِشرةٍ حسنة، وأن لا يكون إرجاعه لها بقصد الإضرار والإساءة إليها، بل يكون على قاعدة المعروف والمعاملة الحسنة، سواء أكان إمساكاً بعصم الزوجيّة، أم تسريحاً بالطلاق والفراق.
أمّا لو أظهر الطليقان كلَّ خير يعرفه أحدُهما عن الآخر، ولم يشِب كلامه عنه بسوء، فإنّ هذا أدعى إلى إعادة الوئام واتصال عُرى المودّة والرحمة بينهما؛ إذ لربّما -والحال هذه- إذا بلغ الزوجَ ما تقول عنه زوجته أو الزوجة ما يقول عنها زوجها، عادت أمواج المحبّة إلى شاطئ الحياة الزوجيّة من جديد.
وهنا، لا بدّ من التنبيه إلى أمرين غاية في الأهمّيّة:
- الأوّل: عدم الانجرار إلى مستنقع الإساءات والإهانات المتبادلة، فيما لو بدأ أحدُ الطليقين ذلك، وبلغ الآخرَ ما قيل في حقِّه؛ ففي هذه الحال يجب عدم الإصغاء إلى وسوسات الشيطان وتسويلات النفس الأمّارة بالسوء، والتعامل على أساس قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (البقرة: 237)، وقوله سبحانه: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ (الشورى: 40).
- الثاني: إنّ الإساءة وكشف العيوب ذنبٌ يُعاقِب اللهُ عليه، فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "مَن روى على مؤمن روايةً، يريد بها شَينه وهدم مروءته، ليسقطَ من أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان"(1).
والحمد للّه ربّ العالمين.
1.الكافي، الكلينيّ، ج2، ص325.