د. حيدر خير الدين
من منا لا يزعجه "الزمّور" الذي يغلب على سائقي السيارات استعماله في أوقات مختلفة ليلاً نهاراً، حتى بات لغة يتقنها الكثيرون منهم، لمناداة الراكب، أو لالقاء السلام، أو للتعبير عن مرارة الانتظار، أو عن الانزعاج حال الازدحام، أو ابتهاجاً بالأعراس أو في مواكب الفوز بالمباريات الرياضية. والذي يسافر إلى معظم بلدان العالم، يرى أن هذه الظاهرة تكاد تنعدم فيها فلا يستعمل الزمور إلا للضرورة.
وفي إحدى المرات استقليت سيارة تاكسي للذهاب إلى العمل وأثناء ذلك هالني استخدام السائق "للزمور" بشكل متواصل حتى انساب إليّ التوتر، فالتفتُّ إلى السائق أحدثه بكل لباقة ولطف: أتعلم يا صديقي أن الدراسات العلمية أثبتت أن كل نقرة زمور تقتل خلية دماغية، وأن مزارع الدجاج تشاد في أماكن نائية لا ضجيج فيها لما تسببه "الزمامير" من نقص في منتوجاتها، وأن الجهاز العصبي يستنفر عند كل بوق مزعج؟ وصادف أن سيدة جليلة كانت في التاكسي أخذت تصادق على قولي بأن أباها قد مات بذبحة صدرية عندما توقفت سيارته في وسط طريق بسبب الزمامير التي أطلقها السائقون خلفه، فما كان رد السائق إلا "فصبرٌ جميل واللَّه المستعان على ما يصفون" وأن هذه عادة اعتدنا عليها و"يلّي بغيِّر عادتو بتقلّ سعادتو"، فنزلت من السيارة غير مرتاح لجوابه. وصودف أن أخي اتصل بي في ذات اليوم وهو يعمل سائق أجرة وطلب مني أن أجلب سيارته من عند الميكانيكي لتعذره عن الحضور، فلبيت طلبه ولما صعدت خلف المقود وقد أضأءت شارة التاكسي الصفراء فوق رأسي تراءى أمامي "راكبان" ينتظران سيارة للأجرة وإذ بي أندفع نحوهما مسرعاً وأطلق العنان لزموري بشكل عفوي ومتواصل فصعدا في السيارة وأنا أضحك طوال الطريق وأردد فعلاً "الطبع غلب التطبع".