السيد جعفر مكي
قال اللَّه تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة/71-72).
هذه الآيات قد تكون من أهم الآيات الصَّريحة والواضحة التي تحدّد دور المرأة المؤمنة في الحياة الاجتماعية، كما تعتبر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المسؤوليات الجسام وفريضة عظيمة في الإسلام. والآيات الكريمات تبين بوضوح وبدون أي ضبابية أن هناك دوراً مساوياً ومطلوباً من المرأة كما الرجل لا يميزهما شيء بل جعلت بينهما تعاضداً وتعاوناً مميزاً في رسم الأدوار المهمَّة والحسَّاسة في الخطاب الاجتماعي للأمة، وهو ردم السلبيات التي سمّاها اللَّه تعالى في كتابه "بالمنكر" وبناء الايجابيات وهو "المعروف". لقد أكد اللَّه تعالى في هذه الآيات المباركات المسؤولية الإنسانية للمرأة المسلمة والتي تطال الحياة العامة ودعاها إلى المشاركة في التغيير والإصلاح وبناء المجتمع السليم للأمة الإسلامية. وكما قال الإمام الخميني قدس سره: "... ليست المسألة مسألة حكومة أو جهة ما، إنها مسألة الإسلام... وهذا يعني أن الدفاع عن الإسلام واجب على نساء ورجال هذا البلد، كل على قدر استطاعته. يجب أن نواصل الدفاع حتى يتحقق نصر اللَّه تبارك وتعالى". ولو لاحظنا الأدوار التاريخية للمرأة المسلمة لوجدنا أنها ساهمت في عملية التغيير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأشكال وصور متعددة بل كانت هناك مشاركات واضحة لنساء عظيمات في مواقع لم يكن فيها الرجال أو كانوا بعيدين عن ذلك منها:
* دور السيدة الزهراء عليها السلام في الخطاب السياسي:
ونجد أن أول خطاب سياسي نسائي ذكره التاريخ بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان من السيدة الزهراء عليها السلام وفي أهم مكان كان في الدولة الإسلامية وهو المسجد الذي يعتبر مقر الحكومة في ذلك الحين. كان خطاب السيدة الزهراء عليها السلام في المسجد النبوي الشريف وهو الخطاب الأول للمرأة المسلمة وفيه الجرأة الكاملة في نشر الإعلام السياسي وإعلان الرأي الواضح وإيضاح الحق وتبيان معالمه أمام الفئة الحاكمة وفي قلب مركز حكمه وقوته. وكما تقول الروايات أن السيدة الزهراء عليها السلام كانت إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام في الحركة والمواقف السياسية.
* السيدة زينب في عاشوراء:
كما كان للسيدة زينبي مع باقي النساء السبايا، الحضور الفاعل في ثورة كربلاء، والذي ترك الأثر الكبير في تأجيج وإثارة الجو السياسي العام، الأمر الذي أخاف الحاكم يزيد نفسه وجعله يلتمس الأعذار وسبل النجاة من عاره الإثم الذي لحق به. فنرى السيدة زينبي وأم كلثوم تلقيان الخطب المجلجلة التي جعلت الناس تبكي وتتألم على تخلفها عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام وكما يقول المؤرخون أن السيدة زينب استعملت ذلك الخطاب الذي عاتبت فيه الناس والذي يحاصرهم ويدل على تقصيرهم. ولذلك نرى الكوفة اهتزت بعد خطبتها عليها السلام وكذلك في الشام مما دفع يزيد للإسراع في إخراجهم من الشام. وأيضاً نراها عليها السلام حتى لما عادت والسبايا إلى المدينة أخذن يهيجن الرأي العام ضد يزيد بن معاوية وذلك بعقد مجالس الندبة والعزاء وتعداد الجرائم الموبقة التي صدرت من الفئة الحاكمة اتجاه آل الرسول صلى الله عليه وآله حتى ضاق حاكم المدينة بذلك، فكتب إلى يزيد الذي أمر بإبعاد العقيلة زينبي إلى سوريا الشام، أو إلى مصر على بعض الروايات. لقد كانت لتلك الخطب التي ألقتها العقيلة زينبي آثار هزَّت أعماق الوجدان الإنساني للمجتمع، وسرعان ما انطلقت الثورات تعلن ثأرها للإمام الحسين عليه السلام ولم تبقَ السيدة زينب ي في بيتها أيضاً بل هاجرت إلى مواقع الحاجة الرسالية.
* تعدد أدوار في الجهاد والثورة:
ومن المهم الإشارة إلى تلك الأدوار التي لعبتها المرأة الرسالية والجهادية في ثورة الإمام الحسين عليه السلام والثورات المتلاحقة عبر التاريخ المشرق لها. فنرى تلك المرأة المجاهدة المتمثلة في "دلهم بنت عمرو" زوجة زهير بن القين، هذه الزوجة التي شجَّعت زوجها على نصرة الدين رغم أن ذلك يعني الفراق لها، لقد دفعته إلى شراء آخرته بدقائق معدودات ينصر فيها ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله والعقيدة والدين وليكون في سجل الخالدين. إلى امرأة فتحت أبواب بيتها بكل شجاعة عجز الرجال عنها لسفير الإمام الحسين عليه السلام والتي أُوصدت في وجهه ن كل أبواب الكوفة ولم يبقَ إلا باب "طوعة" تلك المرأة التي وقفت مع الحق وإمام الحق أمام وضع تخاذل فيه أشد الرجال. إلى تلك المرأة المسلمة الواعية التي شاركت في ثورة الإمام الخميني قدس سره والتي كان لها الحضور الواضح والفاعل سواء في التظاهرات المليونية التي لعبت دوراً مهماً في بيان الهوية الإسلامية للثورة وفي طرح الصورة الصحيحة للمرأة المسلمة الواعية والثائرة. أو في تشجيعها أخاها الرجل على التواجد في ساحات الجهاد والسياسة. إلى المرأة المسلمة والمجاهدة التي شاركت في صنع النصر والتحرير في لبنان من الاحتلال الصهيوني الغاشم والتي ضحَّت وصمدت بكل ما تملك في أداء تلك الرسالة الزينبية لتقلب بحجابها الأحداث لما فيه صالح العقيدة وتحرير الأرض والإنسان. نعم لقد استطاع الإيمان في مضمونه أن يركِّز المجتمع المؤمن من النساء والرجال الذين حملوا مسؤولية العقيدة على أكتافهم وتحملوا كل نتائجها على صعيد الواقع بكل اطمئنان. هذا ما يريد اللَّه تعالى أن يثيره في أجواء المؤمنين والمؤمنات على مدى الزمن حول علاقة الولاية والمسؤولية في مواجهة الانحراف الاجتماعي والسياسي والعقائدي لكلا الطرفين، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.