زينب الطحان
"رامسفيلد يخشى أن تكون المدارس الإسلامية المتطرفة تدرِّب جيشاً جديداً من الجهاديين، وأننا "كلما عملنا بجهد أكبر، تراجعنا أكثر فأكثر" ومخاوفه في محلها". هذا هو العنوان العريض لتحقيق ميداني نُشر في مجلة "واشنطن بوست الأميركية في عددها الصادر في 23 تشرين الثاني 2003 قام به أميركي وأفغانستاني وعربي في أفغانستان. اللافت في التحقيق، أنه أُجري بمشاركة مسلمين. وهذا يقودنا إلى إعادة النظر بالعلاقة التي تربطنا بالآخر، بعيداً عن مفهوم العمالة أو الخيانة. فعندما يتبنى التحقيق وجهة النظر الأميركية، فهو حتماً يريد الوصول إلى تشويه حقيقي لكل مجريات الواقع في أفغانستان.
* الحديث عن الاستشراق مجدداً
الحرب ضد الإسلام والمسلمين لم تبدأ مع تطلعات الولايات المتحدة الأميركية وهي تتحول إلى إمبراطورية كبرى عندما تدخلت في الحرب العالمية الثانية، إنما تعود بنا إلى تلك الفصول المتعلقة بدور الاستشراق في رؤى العرب والإسلام بالغرب من قبل، إلى رحلات الغربيين علماء ومفكرين وباحثين إلى المشرق العربي في بدايات القرن التاسع عشر، وإلى رؤية المصادر المعاصرة المسيطرة في الغرب، بل وفي أجزاء واسعة من آسيا وإفريقيا اليوم عن العرب والمسلمين. ويعود الحديث عن الاسشتراق مجدداً بعد وفاة المفكر الأميركي من أصل عربي، الفلسطيني إدوارد سعيد الذي قلب التصورات الغربية عن الشرق في السبيعينات رأساً على عقب. واستطاع بتفكيك خطاب الاستشراق زلزلة قواعد مؤسسة معرفية كاملة كانت لها سطوة السلطان واستطاع سعيد على حد تعبير الكاتب السوري كمال الوريدي ،الذي عرَّب الاستشراق، العصف بكل التصورات الأيديولوجية، التي ساهمت في ترسيخ هيمنة الغرب الرمزية والفعلية على الشرق وفهمها المغلوط له ما أدّى إلى أن يجتهد مثقفون وباحثون من العالم العربي والإسلامي وعدد لا بأس به من العالم الغربي خصوصاً أولئك الذين يخصون سعيد بتقدير خاص؛ بالحديث عن مفهوم الاستشراق الجديد مع الإمبراطورية الأميركية. وتنبري حرب ثقافية تدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المقولات الاستشراقية الجديدة التي تروجها الولايات المتحدة الأميركية، إذ تنشط كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية الأميركية واتباعها في العالم، فهم يأتون إلى البلاد الإسلامية، كصحفيين ومراسلين هذه المرة، لترسيخ الصورة المغلوطة التي ثبتها المستشرقون القدامى عند الأميركيين المعاصرين بأن الإسلام دين إرهاب فعلاً، حتى لو أعلن بوش الرئيس للأمة الأميركية إعلامياً إنه دين تسامح!! فاللعبة ذات حدين وعلى أكثر من وجه ولون..
* تحت عنوان محاربة الإرهاب
بالعودة إلى التحقيق الميداني نرى أن أول ما يتعرضون له بالنيل والإساءة هو القرآن الكريم، حيث يصورونه منبعاً لهذه الروح "الارهابية" كما يتبين في المقدمة القصصية التي يبدأ بها الصحافيون تحقيقهم: "يبدأ نهار عبد الباري المدرسي الساعة الرابعة فجراً، هذا الصبي المنمش الوجه والخدود البالغ تسعة أعوام، يستيقظ كل يوم على أرضية من البلاط يتشاركها مع بضع عشرات من التلامذة الأخرين في جامعة العلوم الإسلامية الدينية.. ويمضي التلامذة معظم نهارهم في تسميع القرآن ، وحفظ آياته ... التي هي الشرط الأساسي للتخرج. غير أن هذه المدرسة هي الفرصة الوحيدة لمعظم هؤلاء الفتيان لتحصيل التعليم المنهجي، لذا يتعلمون التربية من علاّمة أبيض اللحية، 65 عاماً يدعى آمان الله يكلمهم عن طالبان ويقول هذا المسن: "كان هناك نظام إسلامي حقيقي في مدة وجيزة مستعينين بالشريعة الإسلامية". ويعطي عضو آخر في هيئة التدريس هو الملا تاج محمد، 40 عاماً، درساً حول الأحداث الجارية محذراً من الشرور المتربصة في الأراضي غير الإسلامية: "سمعت أن الكثير من الفتيات المسلمات لديهن عشاق كفار، ويشربن الكحول مع اليهود" والأسوأ من ذلك قوله: "إن الأميركيين يقتلون المسلمين في أفغانسان والعراق، وهم منهمكون في محاولة تسميم عقول المسلمين في كل مكان بالأفلام والموسيقى والتلفزيون". عبد الباري تلميذ مجتهد يحلم بالانضمام إلى الجهاد ضد رئيس أفغانستان حميد كرضاي الذي تدعمه الولايات المتحدة ويقول: "إن كرزاي يقتل المسلمين. وعندما أكبر سوف أحاربه ومن ثم سنرى من الرجل ومن المرأة". من الواضح تماماً الهدف الذي يسعى إليه معدو التحقيق، فقرآن الإسلام، ومفاهيمه لا يمكن لها أن تتقبل الآخر مهما كان، وهي تتهمه بالكفر، وتربي الجيل الصغير على الكراهية للآخر والتوعد بالعقاب والنيل منه عاجلاً أو آجلاً. هذا بالفعل ما تريد أميركا أن يظهر الإسلام عليه لدى شعبها والعالم. وهذا ما يعزز المعوقات أمام سبل التفاهم التي يفترض أن تتركز أولاً على ركيزتين أساسيتين: الصدق في حق الآخر، وفتح أبواب الحوار معه. لذا هم يتعمدون خلق هذه العقبات كلما أراد هذا الآخر، الذي هو نحن الاقتراب منهم لينفي عنه تهمة "الإرهاب".
* سياسة اعلامية استشراقية
إن أميركا العنصرية تستعيد روح الاستشراق القديم لتحارب به الإسلام والمسلمين مجدداً تحت عنوان "محاربة الإرهاب، وتحقيق الحرية والسلام للشعوب المضطهدة" وطبعاً في أول القائمة الشعوب العربية والإسلامية!!. ولغة الاستشراق بينة في هذا التحقيق "الخبيث" حيث يستخدمها، وهي لغة استملاك الخطاب الآخر، والكلام نيابة عنه، أو التعميم المطلق، بحيث يفترض أن هناك سيد ومسود. وأن الأنا الغربية وحدها هي الكل في الكل. في حين أن المجتمعات النامية هي الأخرى عاجزة عن إيجاد فلسفتها الخاصة. وهي ستظل تابعةً تدور في أفق الأنا الغربية. وذلك بدليل كما يؤكد التحقيق "إن الحرب الأفغانية، الملقبة ب"عملية الحرية الدائمة" تزداد قذارة، فخلال الأشهر الستة الماضية أكثر الفترات دموية منذ سقوط نظام طالبان أواخر العام 2001، قتل مئات الأشخاص ومعظمهم من المدنيين..". مما جعل الجنرال البحري المتقاعد انتوني زيني، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأميركية يقول: "سيتوجب علينا أن نخوض عملية الحرية الدائمة من جديد لأننا لم ننجز مهمتنا بعد". ولكن ماذا عن الزيادة في حالات الاعتداءات بحق المسلمين المسالمين في أميركا؟!! أو ليست هذه السياسية الإعلامية الاستشراقية، التي تنعكس على الناس في أميركا فيضطهدون المهاجرين والجاليات العربية والإسلامية في بلادهم؟!! ذلك لأن الرأي العام الأميركي الغاضب أصبح قابلاً لأي سياسات قد تشعره بالانتقام حتى لو انتقصت من حرياته، حيث يشير استفتاء لتوجهات الرأي العام أجرته جريدة واشنطن بوست بالتعاون مع وكالة "إي بي سي" أن 56.6 بالمائة من الأميركيين أبدوا استعدادهم للتضحية ببعض حرياتهم المدنية من أجل محاربة الإرهاب، وترتفع هذه النسبة إلى 57.4 بالمائة في استفتاء آخر أجرته جريدة نيويورك تايمز بالتعاون مع وكالة "سي بي إس". إضافة إلى ذلك كله كيف الحال عندما تجيش تصريحات تصدر عن جهات عالية المستوى من وزارة الدفاع الأميركية؟ فالجنرال وليام بويكين ما زالت تصريحاته التي تقبِّح بالإسلام، مثار جدل في العالم، وفي داخل أميركا تحديداً، حيث أظهر استطلاع للرأي أن أكثرية ساحقة من الأميركيين توافق الرئيس بوش في أن أميركا ليست في حرب مع الإسلام، لكن عندما يسأل "هل يجب إزالة الجنرال من منصبه؟ فإن النسبة تنخفض إلى واحد بالمائة!!. أولا يثبت هذا أن إدعاءات بوش إعلامية محضة، وأن الحرب ضدنا، ضد إسلامنا نشطة ومؤيدة ومدعومة على أعلى المستويات؟!!.