فضل شرورو
نحن نفتخر بأن حزب اللَّه قد أوقع أول وأنظف هزيمة بالكيان الصهيوني عسكرياً، لكننا لم نتعرف على تحقيق حزب اللَّه أكبر هزيمة اقتصادية حصلت في الكيان الصهيوني منذ وجوده. الموضوع في الآثار الاقتصادية لحرب تموز 2006، موضوع قد يكون جافاً لكنه حيوي. جاف لأنه يتكلم تقريباً بالأرقام، ولكن للأرقام دلالات. لكي أبرهن على ذلك أقول إن الضابط عندما يكون في مركز قيادي ويأتيه خبر أن هناك اشتباكات مسلحة يبادر فوراً لكي يستنفر عتاده ويتابع المعركة، لكن دان حالوتس، رئيس أركان العدو الصهيوني، عندما سمع بالأحداث في شمال فلسطين المحتلة، كان أول عمل قام به قبل أن يستفسر عن نتيجة المعركة، وعن عدد الأسرى والقتلى، أن اتصل بوكيله في بورصة الأسهم ليقول له: بع أسهمي البالغة قيمتها ما يزيد عن 150 ألف دولار. المسألة الاقتصادية جد مهمة وحيوية بالنسبة للمجتمع الصهيوني لأنها تدخل في شرايين فهم هذا الكيان الصهيوني. وقد يكون لدى الكثيرين منّا بعض القناعة التي تقول: "على قدر ما نضربهم هناك من يعوضهم" و"على قدر ما نكسرهم اقتصادياً هناك من يمدهم ويدعمهم". لكن هذا الكلام في العمق ليس حقيقياً على الاطلاق. ولكي أوضح ذلك إسمحوا لي أن أفرد بين أيديكم بعض النقاط:
* خسائر ميناء حيفا
في اليوم الرابع أو الخامس للمعركة في حرب تموز 2006، وُزع على أعضاء الكينيست، كشف اقتصادي يقول إن الصهاينة في الطريق إلى تدمير (تصنيفهم) الاقتصادي وهذا التصنيف يؤثر على 12 مليار دولار هي قيمة الاستثمارات الأجنبية في الكيان الصهيوني. وحذر هذا التقرير من أن العدو أمام كارثة اقتصاية فيما لو طالت صواريخ حزب اللَّه حيفا. عندما ضربت حيفا، قيل إن الخسائر اليومية بلغت خمسة ملايين دولار، هنا أريد أن أتوقف لكي نتابع معاً دلالة الرقم. قيل إن الخسائر اليومية خمسة ملايين دولار أي أنه لو بقي الميناء يعمل لدخلت الخمسة ملايين دولار إلى خزينة وزارة المالية في الكيان الصهيوني، لكن هذا الرقم لا يدلل على حقيقة الواقع. فميناء حيفا يشتهر بأنه أكبر ميناء في فلسطين المحتلة، وهو يصدر أكثر من نصف الصادرات للكيان الصهيوني. والرقم الذي ذكرناه (الخمسة ملايين دولار) لا يدلل على حقيقة الخسائر، لماذا؟ لأن هذا الرقم لا يحتوي على كلفة المواد الغذائية التي بقيت دون تصدير، وهو لا يحتوي على المبالغ التي تدفعها شركات التأمين دون تصدير، وهذا الرقم لا يحتوي على المبالغ التي تدفعها ضوابط الشحن في حالة التخفيف، وهذا الرقم لا يدلل على توقف العمالة داخل ميناء حيفا. إذاً، عندما نذكر رقماً يجب أن نتبين حقيقته، وفي العلم الاقتصادي لكل رقم انعكاساته ودلالاته وعمق تأثيره.
* تراجع سوق البورصة
أيضاً هناك أرقام أخرى، ذكرها مركز الأبحاث والتسويق لها دلالات أخرى. يقول المركز: "في الأيام الخمس الأولى للحرب تراجع سوق البورصة بمعدل 8 إلى 10%"، وكل نقطة تساوي مليار دولار، أي أن سقوط 8 إلى 10 يعني 8 مليارات إلى 10 مليارات، وكان ذلك في الخمسة أيام الأولى. وظهر تصريح من وزير المالية يقول في محاولة للتهدئة: "لن نزيد الضرائب على الأفراد" لكنه لم يقل أن حسم زيادة الضرائب يعني زيادة الفائدة، وزيادة الفائدة تؤدي إلى التضخم، والتضخم يؤدي إلى الركود الاقتصادي، والركود الاقتصادي ينعكس اجتماعياً، والحالة الاجتماعية تؤثر على الصحة، وتؤثر على المدارس وتؤثر على حد معدل النمو، من هنا قلت إن لكل رقمٍ دلالته.
* الخسائر العسكرية
أيضاً، ذكرت إحدى الصحف عن مركز الأبحاث والتسويق أرقاماً في الخسائر العسكرية:
* مصاريف حرب تموز 2006 بلغت: 2،11 مليار شيكل، (الدولار يساوي 2،4 شيكل).
* كلفة الذخائر: 5،3 مليار شيكل.
* نفقات استدعاء الاحتياط: 1 مليار شيكل.
والأرقام السابقة التي ذكرت لا تتضمن ثمن القذائف، بل فقط ما يسمونها الذخائر الخفيفة، ولا تتضمن كلفة القطع البحرية بما فيها البارجة ساعر التي استطاع حزب اللَّه أن يضربها، كذلك لا تتضمن هذه الأرقام كلفة طلعات الطيران، ولا كلفة الصواريخ التي أطلقتها (وكلها أمريكية الصنع)، كذلك لا تتضمن هذه الأرقام تلك النجدة السريعة التي قام بها الجيش الأميركي في منتصف الحرب أو قبل ذلك بقليل عندما قال إنه سيزود الجيش الصهيوني بالقنابل الذكية.
هذه الأرقام غير موجودة. لكن إذا أردنا أن نوجدها نقول: تكلفة الحرب عسكرياً إضافة إلى ما ذُكر بلغت 3،5 مليار دولار.
* زوال سمعة وهيبة الجيش الصهيوني
هذه الهزيمة يمكن أن تكون مجال حديث عسكري ولكننا نوردها هنا من حيث الآثار الاقتصادية، لماذا؟ لأن هذا العدو في السنوات الأخيرة اشتهر بصناعاته العسكرية وأثناء الحرب كلنا يذكر أن تركيا، الهند، الصين أوقفت بعض الصفقات العسكرية.
* الخسائر الاقتصادية
ويذكر المركز أن الخسائر الاقتصادية حتى آخر يوم من الحرب قد بلغت 6،1 مليار دولار حيث بلغت خسائر مصانع الشمال 1،1 مليار دولار. هنا يجب أن نتوقف قليلاً لنسأل لماذا أقيمت مصانع العدو الصهيوني في منطقة شمال فلسطين؟ ونجيب: لأن هذه المنطقة تعتبر بنظرهم أكثر أمناً فهم لم يستطيعوا أن يبنوها قريبة من الضّفة، ولا قريبة من القطاع، فاعتقدوا أن الأمن هناك، في الشمال الفلسطيني، وإذا بحزب اللَّه يقصف هذه المنطقة التي كان يعتبرها العدو الصهيوني آمنة. قلنا إن الخسائر الاقتصادية بلغت في هذا المجال 6،1 مليار دولار فهل هذا الرقم حقيقي؟ هذا الرقم قد يكون ثمن الآلات، وقد يكون من ضمنه أيضاً ثمن المباني، لكنه لا يتضمن تعويضات التوقف عن العمل، ولا تعطيل الانتاج، وأيضاً لا يتضمن هذا الرقم استمرار الدفع لأولئك الذين كانوا عمالاً في هذه المصانع وتوقف عملهم.
* المساحات المحروقة
وأيضاً على سبيل المثال وليس الحصر، "يقولون إن قذائف وصواريخ حزب اللَّه قد طالت غابات شمال فلسطين، وإن عدد المساحات (الفدادين) التي حرقت بلغت 816 فداناً". نقف أمام هذا الرقم، لنقول وبحسب تقرير لوزارة البيئة والأحراج إن إعادة وجود هذه المحميات وهذه الأحراج يتطلب من خمسين إلى ستين سنة. أمر آخر مهم هنا أيضاً هو تعطل السياحة في هذه الأحراج والغابات والمحميات. إذاً رقم 816 فداناً ليس قادراً على تبيان عمق ما حصل في الأزمة الاقتصادية. فكيف إذا جمعنا إلى هذا الرقم الأرقام التي ذكرت قبل قليل حول ميناء حيفا؟ كيف إذا جمعنا إليه الأرقام التي قدمها مركز البحوث والتسويق حول بعض الخسائر ودلالاتها، إذاً، نستطيع أن نصل إلى أمور جد مذهلة.
* هجرة العقول العلمية
ذكر المؤتمر الصهيوني العالمي في دراسة له أن: 70% من الإسرائيليين من أهل الملة يقولون لو أنه توفرت لهم الامكانيات لغادروا إسرائيل فوراً، فيما أعرب 68% عن أملهم في الحصول على جنسية أخرى. أما 39% فقالوا إن لا مستقبل لأطفالهم وأبنائهم الشبان في إسرائيل. هذا بالنسبة للدراسة، أما في الواقع، فأرجو أن لا تذهلوا من هذا الرقم: إن 96% من المثقفين وحملة الشهادات العلمية الجامعية الذين أرسلتهم إسرائيل إلى الدراسة في الخارج تحت اسم سنة التفرغ للبحث العلمي أو العمل المؤقت في مجال الصناعات التكنولوجية، استمروا في الإقامة في الخارج ولم يعودوا. مما تقدم يمكن الاستنتاج أن الخسائر الاقتصادية نتيجة حرب تموز 2006 فيها، وقبلها نتيجة انتصار المقاومة الإسلامية في أيار 2000 هي خسائر تكبر وتتدحرج مثل كرة الثلج.