نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عالم الملائكة في القرآن الكريم‏

الشيخ محمد يونس

 



من المفيد بداية الإشارة إلى أن عالم الملائكة هو من عوالم الغيب، وأن الملائكة مطلعون على الكثير من القضايا والعوالم التي لا اطلاع لنا عليها. لكن هذا الاطلاع نابع من دورهم ووظيفتهم المناطة بهم وهذا الاطلاع هو بإذن اللَّه تعالى. وبعد فقد تناول القرآن الكريم موضوع الملائكة في آيات كثيرة من عدة سور مبيناً أوصافهم وأشكالهم وأدوارهم وطبيعة المهام الموكلة إليهم. كما بيَّن طبيعة علاقتهم باللَّه والإنسان وحقيقة مراتبهم ودرجتهم المعنوية وغير ذلك من خلال بيان بعض الأحداث التي جرت معهم أو بعض الحوارات التي حكاها عنهم، وهو ما يشير إلى أهمية هذه الفئة من الكائنات وضرورة التعرف عليها وفهم حقيقة وجودها.

* أجنحة الملائكة
وقبل الحديث عن خصائصهم المعنوية لا بد من الإشارة إلى أن القرآن الكريم تحدث عن أشكالهم بأنهم مخلوقات لها أجنحة، ومنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة أجنحة ومنهم من له أربعة أجنحة ويمكن أن يكون لبعضهم أكثر من ذلك وذلك من خلال قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فاطر: 1). ولعل في الحديث عن موضوع الأجنحة إشارة إلى القدرة على الحركة والطيران والانتقال من العالم العلوي إلى العالم السفلي المادي. ويعتقد العلماء أن الملائكة موجودات منزّهة في وجودها عن المادة الجسمانية والتي هي معرض الزوال والفساد والتغير ولذلك استحالت رؤيتهم والتفاعل معهم.

* الخصائص المعنوية للملائكة
وأما فيما يرتبط بالخصائص المعنوية للملائكة فإنه ومن خلال التتبع لآيات القرآن الكريم يمكن الوقوف على خمس خصائص أساسية:

- أولاً : إنهم وسائط بين اللَّه والعالم المادي:
ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا (فاطر: 1). ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ (الأنبياء: 27) ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (القدر: 4). وعليه فما من حادثة أو واقعة كبيرة أو صغيرة بسيطة أو خطيرة إلا وأوكل اللَّه لها ملكاً أو ملائكة ينفذون أمره بها، فهم، بتعبير آخر، القائمون على القوانين والمعادلات والأسرار المودعة في هذا الكون.

- ثانياً: إنهم عباد مكرمون مطيعون معصومون:
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (الأنبياء: 26) ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم: 6)، و ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا (البقرة: 34) أو قوله ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (البقرة: 30) فهم بحسب تركيبتهم التي أوجدهم اللَّه عليها مخلوقات لا تعصي، وذلك إما لأنها لا تملك إرادة الفعل وعدمه كما لا تملك قدرة الاختيار المطلقة التي تؤهلها لامتثال الأمر الإلهي وعدمه، بل إرادتهم انعكاس لأمر اللَّه ومشيئتهم فرع لمشيئته ولا يملكون في ذلك استقلالية خاصة كما هو حال الإنسان ولذلك أوكل اللَّه إليهم تنفيذ أوامره وتدبير شؤونه، وإما لأنهم اختاروا عدم المعصية لأنهم عقول كاملة، لا ترى مجالاً لمعصية أمر اللَّه، فهم معصومون اختياراً، ولا يتوقع منهم اختيار المعصية إطلاقاً على الاختلاف القائم في تعريف ماهيتهم. ولو كانوا من المتوقع صدور المعصية منهم في الأمر الإلهي لفسد العالم وانهارت القوانين. وعلى كل حال فهم منشغلون بالعبادة والتذلل للَّه تعالى بشكل دائم لا يشغلهم عن ذلك شاغل ولا يلهيهم أي أمر. يحدقون بساحة الذات المقدسة ينتظرون أوامر اللَّه ليسارعوا إلى امتثالها وتطبيقها.

- ثالثاً : إنهم ليسوا مرتبة واحدة:
فلهم أعمال وأدوار مختلفة ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (الصافات: 164) أو ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (التكوير: 21) أو ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (النازعات: 1 5) و ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (المرسلات: 1 5). يقول السيد الطباطبائي إن الملائكة على كثرتهم على مراتب مختلفة علواً ودنواً فبعضهم فوق بعض وبعضهم دون بعض؛ فمنهم آمر مطاع ومنهم مأمور مطيع والأمر منهم أمر بأمر اللَّه حامل له إلى المأمور والمأمور مأمور بأمر اللَّه مطيع له فليس لهم من أنفسهم شي‏ء البتة. وإلى ذلك يشير قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ (سبأ: 23) وهذه الآية تؤكد أن الأمر الإلهي الذي يتشوقون لسماعه والانصراف إلى تنفيذه لا يتلقونه جميعاً دفعة واحدة بل يبلغ بعضهم بعضاً ويسأل بعضهم بعضاً وفق مراتب متفاوتة ومحددة فيما بينهم.

- رابعاً : أنه لا يمكن هزيمتهم وغلبتهم:
وبالتالي لا يمكن منافستهم وتحديهم وذلك لأنهم يعملون بأمر اللَّه ومشيئته، فالانتصار عليهم هزيمة لإرادة اللَّه وهذا محال لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ (الطلاق: 3) و ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ (يوسف: 21) و ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْض (فاطر: 44). وبكلمة أخرى فكونهم رسل اللَّه تعالى فهم ينزلون بالحق الذي لا قاهر له ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَق (الحجر: 8).

- خامساً: عدم اطلاعهم على الغيب:
لقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة: 30) و ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا (البقرة: 32). وأما قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ الذي يوحي باطلاعهم على الغيب فليس سوى اطلاعهم على حقيقة الإنسان ومقام الإنسانية المتمثل بآدم الذي رأوا فيه تركيبة مغايرة لتركيبتهم واحتواءه على بعد آخر هو البعد المادي فأدركوا من خلاله وبشي‏ء من التحليل أن هذا الإنسان سيكون ساحة صراع بين متناقضين هما البعد الروحي والبعد المادي وهذا ما سيولد غلبة وانتصارات متبادلة مما سينتج عنه فساد ودمار وقتل ودماء. هذه نبذة مختصرة تتلاءم مع الفرصة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع