مارون الراس.. شيَّبت رأس العدو ورفعت رأس الوطن: لم تصل إليها جرافة الدولة بعد..
علي شعيب
يكاد يخال للداخل إلى بلدة مارون الراس لأول مرة بعد اندحار الإحتلال منها أنها قلعة تتمتع بتحصين أمكنها الصمود بوجه آلة الحرب الإسرائيلية وإلحاق هزيمة عسكرية ومعنوية بها!!
المفاجأة انك تقع لدى الوصول الى مدخلها الشمالي في حيرة من أين تعبر؟ فكل الطرقات تكاد تشبه الأراضي الزراعية التي توازيها، وسرعان ما تتضح الصورة الضبابية عن البلدة التي لايتجاوز عدد منازلها ال 350 منزلاً ثلثها من الحجارة القديمة وما تبقى منها يشير إلى التواضع الكبير في حياتها التي بدت عليها حالة الحرمان، والإهمال لكن لاشك أنك ستشعر حتماً بكِبَر وعظمة إرادة البلدة بمجرد أن تنظر إلى آثار وقوع المواجهات الضارية في أحيائها بين رجال المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم يخلُ منزل من آثار الرصاص المتبادل والأضرار الكبيرة الناجمة عن القصف المدفعي والجوي. ويوحي المشهد بأن قسوة المعارك كانت تحصل من منزل إلى منزل لتسجل مارون الراس على صفحات العز أنها كانت أول من أسقطت هيبة الجيش الإسرائيلي في عدوان تموز ألفين وستة وكانت النموذج الجريء لبقية البلدات الجنوبية التي كانت عصية على العدو وآلته العسكرية، ورغم ذلك فإن البلدة لازالت في دائرة النسيان الرسمي، ليس لأنها بعيدة حتى آخر حدود الوطن الجنوبية بل لأنها بعيدة عن قلوب الإدارة الحاكمة في لبنان حسب رئيس بلديتها.
بدايةً لمارون الراس مع المقاومة والتصدي حكاية بدأت في اليوم التاسع من العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث كانت بداية مسلسل النكسة الصهيونية مع وصف أحد قادة الاحتلال بأن بلدة مارون الراس شيبت الراس، أيام عديدة من العدوان سبقت غرق الجيش الإسرائيلي في وحول البلدة، قصفٌ وغاراتٌ جوية هستيرية طالت كل شيء في البلدة حتى خيّل للقاصي والداني بان الحياة قد أعدمت في مارون وظن العدو أن تاج قرى القطاع الأوسط في الجنوب قد باتت صيداً سهلاً لدباباته، فبدأ بالتوغل إنطلاقاً من مستعمرة إفيفيم المقابلة، معلنة بدء العمليات البرية في اليوم التاسع بعد فشل أهداف العدوان الجوي على المناطق اللبنانية.
الوادي الجنوبي قرب مارون غرق بضجيج الدبابات، لكن صوت صواريخ المقاومين وعبواتهم الكبيرة علا فوق كل الأصوات وارتفعت معها أعمدة الدخان والنار التي تصاعدت من الجيل الرابع لدبابات الميركافا التي يتباهى العدو بتفوقها وفعاليتها، ولتبدأ مع هذا التوغل فضائح وهشاشة القوة الإسرائيلية فكانت الصواريخ المضادة للدروع ثاني المفاجآت البرية التي وعد بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لكن المكابرة الصهيونية تواصلت وأدخل العدو مزيداً من أرتال الدبابات باتجاه مارون، وأتبعها بمجموعات من مشاة ألوية النخبة متسللاً عبر وادي يارون، فكان المقاومون بالمرصاد ودمروا دبابتين عند الطرف الغربي، واعترف العدو بمقتل أربعة عسكريين على الفور ثم دارت مواجهات عن مسافات قريبة بين المنازل وتصدى المجاهدون ببسالة قل نظيرها، فوقع العدو في صدمة الواقع الذي لم يكن بالحسبان.
حوّل العدو وجهة قتاله وبدأ بالالتفاف عبر نقطة الباط والأطراف الشرقية لجهة عيترون، وتمكن المقاومون من تدمير أربع دبابات إضافية.
إنقضى اليوم الثالث من الهجوم البري على البلدة وفرسان المقاومة لم يكتفوا بمحاولات التصدي بل تمكنوا من شن هجماتٍ مضادة على مكان تموضع قوات المشاة في بعض المنازل، وتحدث المقاومون عن قتال ضارٍ حصل بين الغرف في أحدها، وعندما أصبحت سمعة الجيش الصهيوني على المحك عندما لم يتمكن من السيطرة على بلدة صغيرة بعد قتال أيام أدخل العدو أعداداً كبيرة من المشاة، وعنفت المواجهات واستمرت لليوم الرابع، واعترف العدو بضراوتها وقساوتها خصوصاً مع توالي المفاجآت بإدخال الصواريخ المضادة للطائرات فكان أول إنجاز جويٍ لمارون بإسقاط مروحية معادية كانت تخلي العديد من الإصابات من أرض المعركة، الأمر الذي أدى إلى تدمير المروحية قرب مستعمرة إفيفيم بمن فيها من جنود النخبة مع الإصابات المنقولة، واندلاع نيران هائلة في المنطقة، العدو الّلاهث وراء تحقيق أي إنجاز وبأي ثمن كثف من هجومه البري والجوي على البلدة الصغيرة التي صمدت لأيامٍ وقاتل فيها المجاهدون القوات الغازية من بيت إلى بيت، حتى قضى من المقاومين تسعة شهداء بعدما رفضوا الفرار من المواجهة، رغم ضراوة النار والحديد التي استهدفت مارون وأحياءها على الرغم من أن قرار المقاومة لم يكن الوقوف بوجه الغزاة، بل كانت عمليات الإستدراج خير وسيلة للدفاع عن البلدة.
وهكذا كان فتحولت مارون الراس على امتداد أيام العدوان مقصلة لرؤوس الصهاينة تتدحرج على أبراج الدبابات وأعتاب مداخلها، حيث كانت المواجهات تدور في بقية البلدات وكانت الإصابات في صفوف العدو تتوالى بعد الهجمات التي شنها المجاهدون على دبابات وجنود العدو، ولعل الضربة الأبرز تلك التي استهدفت أربعة من جنود الإستخبارات الإسرائيلية كانوا في مهمة استطلاعية عند الطرف الشمالي لمارون الراس.
بين الأمس واليوم تحاول مارون الراس بما تيسر أن تنخرط في الحياة الطبيعية كما جاراتها القريبة، لكن تأخر إنسحاب العدو من البلدة بعد أسابيع على وقف إطلاق النار وكان ذلك حجة للمسؤولين الرسميين أن يتناسوا القرية التي رفعت رأس الوطن فالعدو رحل وبقي النسيان.
ويشير رئيس بلدية مارون الراس إلى أن ما كانت تشعر به القرى والمدن المتضررة بعد وقف إطلاق النار نحن بدأنا نشعر به قبل أسبوعين فقط، حيث لازلنا في مرحلة إزالة غبار العدوان وإنهاء عمليات مسح الأضرار، حيث تبين أن اثنتين وسبعين وحدة سكنية قد دمرت بالكامل، وتضرر مئة وستة وثمانين منزلاً إضافة إلى إصابة معظم جدران منازل البلدة بالرصاص والشظايا.
يقول رئيس البلدية ساخراً "جرافة الدولة لم تصل حتى اليوم على الرغم من الحاجة لها في هذه المرحلة، من أجل المساعدة في إزالة الركام وآثار الدمار.
وتساءل أين مؤسسات الدولة؟ لولا وجود جهاد البناء وبعض المؤسسات الإنسانية لكنا الآن نقف ونتفرج على الأطلال.
هل هكذا تكافأ البلدات المضحية والمقاومة؟
من سيعيد تأهيل ستين ألف متر مربع من طرقات البلدة التي سوتها الجرافات والدبابات الإسرائيليية مع الأراضي الزراعية؟
كل شيء هنا بحاجة إلى تأهيل، شبكات الكهرباء والمياه. وأضاف نحن بدورنا كبلدية نعمل كخلية نحاول بكل إمكانياتنا المحدودة كوننا بلدية مستحدثة وأولوياتنا هي إنجاز الملفات الإدارية وملفات التعويضات والتنسيق مع الجمعيات الأهلية التي تقوم بجهود جيدة لمساعدة الأهالي هنا.