مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

بطولة أذلّت الغزاة عند أقدامها "عيتا الشعب": نعم انتصرنا

إعداد: علي شعيب‏



عندما شمخ جبين "أبي محمود" ورفع يديه معتلياً تلك القبة المشظاة بقذائف العدوان الإسرائيلي مظللة براية المقاومة الصفراء ونادى بأعلى صوته "عيتا"، لم يكن يعلم أن هذا الصوت سيتردد على ألسن مئات الآلاف من المحتفلين بيوم الإنتصار في الضاحية الجنوبية عاصمة الكبرياء والكرامة. فكانت "عيتا" نجمة الجمهور المبتهج، لتصبح البلدة وشعبها عنوان بداية مرحلة الإنتصار في الثاني عشر من تموز وعروس الاحتفال فيه في الثاني والعشرين من أيلول. إنها عيتا الشعب، البلدة التي جسدت حكاية المقاومة والصمود والتضحية على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً من الحرب والمواجهات البرية ضد أعتى آلة حرب عسكرية في المنطقة حتى بات لكل زاوية في عيتا قصص عن هزيمة إسرائيلية هنا وملحمة بطولية هناك وتدمير دبابة عند هذا المدخل أو في ذاك المكان حيث كانت أشلاؤهم وصرخاتهم تتوزع في الأرجاء. قرب هذا المنزل قضى أحد الشهداء بعد قتال أسطوري، وبمحاذاة ذاك الركام قطع أحد المقاومين مسافة بين جرافة إسرائيلية ودبابة ميركافا دون أن يراه أحد. إنها حكاية عن بلدة صغيرة محاذية للحدود مع كيان العدو تمكّن رجالها من قهر جيش جرار.

* بداية الوعد الصادق‏
من هنا كانت بداية نكسات الاحتلال.. 12 تموز 2006 حمل هذا اليوم مفاجأة صاعقة لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي كان في حالة استنفار قصوى تحسباً لعملية أسرٍ لجنود إسرائيليين قد يقوم حزب الله بتنفيذها بعد أن وعد أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله بقرب عودة الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية. العدو فهم الرسالة واتخذ إجراءات قاسية لجنوده عند الحدود. وفي مكان ظن العدو أنه بعيد عن منال المجاهدين ضرب رجال الله ضربتهم في منطقة خلة وردة بين بلدتي رامية وعيتا وكان الوعد الصادق عنواناً للعملية التي أسفرت عن أسر جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية آخرين. ضاق العدو ذرعاً بإنجاز المقاومين وبعد فترة من الضياع كانت عيتا أولى أهداف رد الإعتبار لهيبة الجيش الصهيوني وحصلت الصدمة. ولم تجد قذائف العدو سوى منازل المدنيين لتنتقم لمشاهد قتلاه وآلياته الممزّقة عند تخوم البلدة.

كانت أولوية هذا القصف العشوائي تغطية لعملية سحب القتلى من أرض العملية. دبابة ميركافا دخلت الأراضي اللبنانية للمساعدة في التغطية فكان لها المقاومون بالمرصاد ودمَّروها الدبابة بمن فيها واعترف العدو بمقتل أربعة جنود بداخلها. وتحوّلت المنطقة على مدى أيام إلى ساحة مواجهة دائمة بين قوات معادية تحاول تحقيق الإصابات وبين المقاومين الذين يحققون مزيداً من القتلى والجرحى في صفوفه. وسّع العدو نطاق عدوانه تحت شعارات سياسية كبيرة ليشمل مناطق عديدة في لبنان. أما عيتا فكانت لها معركتها، التي بدأت بالتضحية بعد لجوء العدو إلى استهداف المدنيين على مدى أربعة عشر يوماً فاستشهد سبعة مدنيين من البلدة التي كانت أيضاً هدفاً للغارات الجوية، حتى بدأت المواجهات البرية بعد ثلاثة أيام من أولى التحركات في مارون الراس حيث توغلت أرتال الدبابات بعد استخدام الأرض المحروقة بالقصف الجنوني والغارات الجوية إلى منطقة القوزح ومن ثم إلى دبل عن طريق خلة وردة للإلتفاف على عيتا من الخلف. ودمّر المقاومون عدداً من الدبابات في هذه المنطقة رغم أنها غير مرئية للمجاهدين في عيتا. محاولات عديدة لدبابات العدو فشلت في الدخول إلى البلدة بعد التصدي التاريخي للمقاومين، عندها أقدم العدو على أسلوب تسلل أعداد كبيرة من جنود النخبة باتجاه منازل البلدة من مختلف الجهات مستخدماً الإنزالات الجوية في العديد من النقاط.

* مشاهد من هزيمة الاحتلال‏
أولى الإلتحامات البرية مع مشاة العدو في عيتا كانت في منطقة الخزان في الجهة الشرقية للبلدة حيث عمد نحو خمسة وعشرين من جنود العدو إلى الدخول لأحد المنازل باللباس المدني وكانوا يحملون عتادهم العسكري في حقائب عسكرية على ظهورهم الأمر الذي كشف خطتهم بعد رصد المقاومين لهم خصوصاً وأن المنطقة هذه قد نزح أهلها عنها بسبب تعرضها لقصفٍ عنيف على مدى أيام العدوان الأولى. حينها استهدفهم المجاهدون مباشرة وأوقعوا في صفوفهم إصاباتٍ كبيرة ولا زالت آثار دمائهم وبعض الأشلاء الصغيرة بادية على أرض وجدران المنزل المستهدف. مكان آخر كان مسرحاً لمواجهات من منزل إلى منزل عند الطرف الغربي للبلدة. حينها كان أحد المجاهدين من قصار القامة لكن قوي العزيمة والإرادة متوجهاً في مهمة بالقرب من أحد المنازل في أطراف البلدة وتفاجأ بجندي إسرائيليٍ تسلل ليلاً مع رفاقه إلى منزل قريب وناداه بأن ارحل أيها الفتى من هنا قبل أن تقتل، فعاد المجاهد غير مصدق درجة غباء الجندي الإسرائيلي نحو مجموعة من المقاومين متحصنة في مكان قريب وأبلغهم بما رآه وعندها شن المقاومون هجوماً مباغتاً على المجموعة الإسرائيلية وأوقعوا فيها إصابات وظل الإسرائيليون محاصرين يستغيثون في أحد المنازل التي لجأوا إليها لمدة يومين قبل أن يفروا ليلاً تحت غطاءٍ مدفعي كثيف. أيضاً في مكان قريبٍ من هذه النقطة فرّ ثمانية جنود من إحدى المواجهات واختبأوا في أحد الكراجات الذي كان يتحصن بالقرب منه أحد المقاومين وعندما أصبحوا جميعاً في الداخل وقف عند باب الكراج وبدأ بإطلاق نارٍ غزير على الجنود الثمانية فسقطوا جميعهم على الأرض دون أن يطلقوا رصاصة واحدة ثم غادر المجاهد المكان بسلام. أيضاً في نفس الحي الغربي لعيتا رصد المقاومون ثلاثين جندياً إسرائيلياً تسللوا إلى أحد المنازل وعلى مدى ثلاثة أيام كان المنزل هدفاً لهجوم المقاومين وكان صراخ وعويل الجنود الجرحى هائلاً عندها عمد العدو إلى عملية قصف تمشيطي هستيري للطرف الغربي تبين لاحقاً أنه تغطية لدخول جرافة ودبابة ميركافا بهدف تأمين حماية لفرار الجنود وسحب الإصابات من المنزل المحاصر.

 لكن مشهداً لن ينساه أحد الجاهدين ربما يقترب من الخيال عندما رأى أحد المقاومين الذي كان يحمل قاذفاً لصاروخٍ مضادٍ للمدرعات وهو يركض ويقطع الطريق بين الجرافة والدبابة المتقدمة دون أن يستهدفه أحد وتحصن في مكان ينتظر فيه إجلاء الجنود وأثناء مغادرة الدبابة والجرافة ولدى ابتعادها لمسافة تؤمن دقة الإصابة أطلق صاروخاً باتجاه الجرافة التي أعاقت رؤية الدبابة فدمّر برجها بالكامل ونقل سائقها محترقاً إلى إحدى الأودية القريبة. وأبرز هذه المواجهات أعقبت يومي الهدنة الهشة مباشرة وبعد ثلاثة أيامٍ من القصف المتواصل على البلدة تقدمت قوة من الجنود الصهاينة ليلاً إلى أحد المنازل في منطقة تسمى "الرجم" في الجهة الشمالية لعيتا فشاء الله أن يكتشف أمرهم عندما صعد أحد الجنود صباحاً ووقف على سطح المنزل "متفرجاً"!! وتبعه لاحقاً جنديٌّ آخر بدأ بإطلاق قذائف مباشرة باتجاه إحدى التلال المقابلة ولم يستعجل المقاومون باستهدافهم حتى حان الوقت المناسب عندما تجمع الجنود جميعهم داخل إحدى الغرف المكشوفة واستهدفهم أحد المجاهدين بصاروخ موجه إعترف العدو بعدها بمقتل أحد عشر جندياً وإصابة آخرين في المنزل المستهدف.

اللافت أن العملية أعقبها فرار جماعي مذهل لأكثر من مئة وخمسين جندياً كانوا مختبئين في عدد من المنازل في أطراف البلدة وكان صراخ الجنود الفارين يملأ المكان. بعد انكفاء العدو من "الرجم" تقدم المقاومون باتجاه المنزل المستهدف وعثروا على بعض الأشلاء التي توزعت في أرجاء الغرفة المغطاة بدماء الصهاينة. مشهد آخر من هزيمة الإحتلال في عيتا الشعب كان مسرحه منطقة "أبو الطويل" في الجهة الشمالية الغربية للبلدة. الواقعة حدثت عندما تقدمت قوة مشاة صهيونية إلى محيط مدرسة المعاقين من جهة القوزح وإنتشروا في المكان تحت نظر المجاهدين الذين خططوا بروية لإيقاع أكبر عدد من القوة في دائرة النار فعمدوا إلى استهدافهم أولاً بقذائف الهاون بهدف دفعهم للهرب والاختباء في المدرسة تمهيداً للإنقضاض عليهم وهكذا كان: الجنود فرّوا جميعاً إلى إحدى الخيم في محاذاة المدرسة عندها بادرهم المقاومون بحمم من النار أدت إلى مقتل العديد من الجنود وعمد العدو إلى سحبهم تحت وابلٍ كثيف من الغارات الجوية والقصف المدفعي.

* عيتا عروس الانتصار
هذا غيض من فيض بطولات عيتا التي بقيت عصية على الغزاة وتقاتل حتى اللحظة الأخيرة من عمر العدوان فكانت بحق عروس الإنتصار وبهجة التحرير، بدماء شهدائها الستة عشر من المقاومين والمدنيين. أما عيتا اليوم فهي كما الأمس عصية على الدمار والخراب الذي ألحقه العدو بمنازلها وكل مرافقها الحياتية لكن ذلك لم ينل من تصميم أهالي عيتا على العودة ببلدتهم كما كانت، فهي تشهد ورشة ضخمة لإزالة الركام وآثار العدوان تمهيداً لبدء إعمارها من جديد. ويبدو أن مرحلة متقدمة في هذا الإطار قد وصلت إليها الأشغال في البلدة التي تشهد عودة كبيرة لأهلها. برغم الدمار والأضرار الجسيمة إلا أن أهالي عيتا الذين يشعرون بحلاوة النصر يفضلون أن يحتفلوا به على طريقتهم من خلال استعادة الحياة الطبيعية حتى في أصغر التفاصيل اليومية.. يحق لهذه البلدة النموذج عن بلدات المقاومة والصمود أن تفاخر باسمها وتقول للغزاة "أنا عيتا أيها الأغبياء".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع