إنّ ما ارتكبته الأيادي المجرمة للأعداء في أمريكا، في ما يتعلّق بإهانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا العظيم المقدّس، هي قضية لها جانبان. فمن جانب تظهر عمق البغض والحقد الذي يكنّه الأعداء والمستكبرون وعملاؤهم لنبيّ الرحمة والعزّة والكرامة صلى الله عليه وآله وسلم، والحامل لأسمى وأعلى المحامد الإنسانيّة والبشرية على مرّ تاريخها وفي كلّ عالم الوجود. وذلك يظهر أيضاً مدى عمق وتجذّر عدائهم للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ويظهرمن جانبٍ آخر الموقف الذي اتخذه سياسيوهم بشأن هذه القضيّة، وقد كان موقفاً لا يختلف بتاتاً عن موقف الأعداء! وهذا أحد وجوه القضيّة؛ وهو أمرٌ مفيدٌ جداً للعالم الإسلامي. فحتى أصعب الناس والجماعات تصديقاً وأكثرهم تشكيكاً، أدركوا ما هي حقيقة الاصطفاف ومن هم أطرافه، وما هو محور النزاع الدائر بين جبهة الحق والباطل.
لقد تبيّن أنّ الصراع يدور حول محور أساس الإسلام وأساس وجود خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم. لقد جرت هذه الحادثة على أيدي العدوّ، لكنها كانت مفيدة للعالم الإسلامي، لأنه عرف العدوّ وسبب عدائه، ومحور الاختلاف بين الحقّ والباطل. أمّا ما يصدر عن العالم المستكبر من كلام ضدّ الشعوب المسلمة، فهو كلام ثانوي وكاذب وليس له مبرّر.
* الغرب والأصنام الكبرى
الوجه الآخر للقضيّة هو الحركة العظيمة التي قام بها المسلمون. انظروا اليوم إلى ما يجري في العالم الإسلامي، وأيّ حمية وانتفاضة أظهرتها الشعوب المسلمة. فأكثرهم لم يشاهد الفيلم الذي أُسيء فيه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بل علموا فقط بصدور مثل تلك الإهانة. ومع ذلك انظروا أيّ غليانٍ حدث في العالم الإسلامي. فالدّول الإسلامية وشعوبها، ودون أن يطلب منها أحد، تحرّكت وصرخت من أعماق وجودها وقلوبها لتعبّر عن حبّها لنبيّها. ولهذا أهميّة فائقة.
إنّ ما يحدث مدهش حقاً، حتى في الدول الغربيّة نفسها، حيث تتربّع الأصنام الكبرى والمستكبرون والطغاة، ويخطّطون ضدّ الإسلام والأمّة الإسلامية بنحوٍ متواصل، وفي أوروبا وأمريكا وفي الدّول غير الإسلامية المختلفة، نزل المسلمون إلى السّاحات أيضاً. وهذا وجهٌ آخر للقضيّة. وهو أمر مهم جداً، يظهر مدى استعداد العالم الإسلاميّ للتحرّك.
* الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محور اتّحاد المسلمين
وإذا كانت هناك حقيقة يقرّ بها المسلمون ويذعنون لها ويجتمعون حولها بفرقهم ومذاهبهم وعقائدهم المختلفة، فإنّ هذه الحقيقة هي الوجود المقدّس لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فهو ملتقى المسلمين. فمع الرسول لا يبقى معنى للفوارق السنّية والشيعية والفرق المختلفة والاعتدال والتوسّط والتطرف وأمثالها. الجميع متّفقون ومتّحدون بقلوبهم وأرواحهم بشأن هذا المركز وهذا المحور وهذا القطب العقائديّ والإلهيّ والإسلاميّ. في يومنا هذا نجد هذا الأمر قد صار واضحاً في العالم الإسلاميّ ولذا يجب اغتنام هذه الفرصة.
* مقام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم غير قابل للوصف
إنّ مقام الوجود المقدّس للنبيّ الأكرم ليس بالأمر الذي يمكننا نحن البشر أن نصوّره بألسنتنا القاصرة والناقصة، وبأذهاننا المحدودة. نحن نكتفي بالعشق وإظهار الإخلاص والخشوع والأدب وليس بوسعنا أن نفعل أكثر من ذلك. فالنبيّ إنسانٌ قال الله تعالى عنه: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (الأحزاب، 56). فإذا كان الله تعالى يصلّي عليه وكذلك ملائكته سبحانه فمن نحن لنقدر على فهم هذا المقام ومعرفته؟ إننا نحبّه ونعشقه ونؤمن بحديثه. فيجب أن يكون هذا الأمر أصلاً واضحاً ومعلوماً بالنسبة لنا. يجب علينا أن نقف على أعتاب كلمات نبيّنا، التي تمثّل كلام التوحيد وكلام الإسلام والقرآن.
* إلقاء الخلاف: عمل العدوّ الدائم
إنّ من مؤامرات العدوّ الكبرى إلقاء الخلافات داخل هذه السّاحة العظيمة والمنسجمة. إنّنا جميعاً متّفقون ومجتمعون حول نقطة واحدة على صعيد المباني والأصول وفي أكثر قضايا الإسلام أصالةً. وهم، أي أعداء الإسلام، يريدون لنا أن نصطدم من أجل بعض الاختلافات النظرية والعقائدية والعمليّة.
صحيح، إنّ الفِرَق والنّحل الإسلامية مختلفةٌ في العديد من القضايا، لكنّنا نقول: إنّنا جميعاً متّفقون ومتحّدون في مواجهتكم يا أعداء الإسلام ويا من أسأتم بهذه الطريقة إلى وجود نبيّنا المقدّس. وليعلم أعداء الدين والمستكبرون ومديرو الجبهة المعادية للإسلام، أنّ الأمّة الإسلامية متّحدةٌ ومتوافقةٌ في مقابلهم. فليبعدوا عن أنفسهم فكرة إيجاد الخلاف ولييأسوا من أن يتمكّنوا من إيجاد الخلاف فيما بيننا. ولذا علينا جميعاً، مبلّغين وأفراد الشعب ومسؤولين وأتباع المذاهب المختلفة من السنّة والشيعة، أن نكون حذرين ومتيّقظين لكي لا نسمح للعدوّ بأن ينجو من غضب الأمّة الإسلامية. وأن لا ينشغل بعضنا ببعض؛ لأن هذا سيكون خطأً كبيراً.