نهى عبدالله
قرّر الجدّ الحكيم استشارة رجال عائلته في معضلة واجهته، حين حاول استيفاء حقٍّ له من أحد زعماء القبائل، منعه عنهم ثلاث سنين، وأخيراً هدد بحرب طويلة بين العائلتين. فاتفقوا على إرسال رسول لمعرفة سبب امتناعه وحلّ المشكلة... ثمّ أرسلوا رسولاً ثانياً وثالثاً، ورجع الجميع دون أن يستقبلهم، بل وهدّد بالحرب إن أرسلوا رابعاً...
"أنحن بين الحقّ والحرب إذاً؟" قالها الجدّ الكبير بحسرة وأسف... صوت مبهجٌ "أنا أكفيكم الحرب يا جد... وأسترجع الحق". بدّدت كلمات الفتى ذي الثماني سنين قلق الجدّ، لكنها أضرمت النار في قلوب الحاضرين خوفاً من الفكرة!!! لكن موقف الجدّ حسم ثورة النزاع: "لك ما طلبت".
ذهب الفتى إلى حيث تلك القبيلة ووقف أمام دار كبيرة، وألقى التحية بأدب الأجلَّاء: "السلام على أهل الدار، هلَّا أذنتم لي بالدخول؟" جاء الجواب سريعاً: "طُلَّ علينا لنعرف محيا صاحب هذا الصوت". دخل الفتى الصغير مجلساً غصّ بالحضور، فاعتدلوا وهم يحدقون به مستغربين موقفه واستئذانه. أشار إليه شيخٌ كبيرٌ بالجلوس قربه في مقدم المجلس: "وافدٌ كريم... أين أهلك لنرُدَّك إليهم؟" لكن الفتى بدأ حديثه بشكرهم على حسن ضيافتهم وترحيبهم به، ثم أردف قائلاً: "أنا يا عمّ ابن جيرانكم، وجئت بطلبٍ إنْ أذنت لي بالحديث".
تأمّله الشيخ واعتدل في مجلسه "أتيت بطلب؟! صاحب منطق وأدب، عارٌ عليَّ أنْ أردَّ طلبك". فأخبره الفتى بما لديه... أطرق الشيخ طويلاً "إن كان لأهلك رجل في مثل سنك، فهم كرامٌ، وهم أحقّ بما منعته عنهم، ولك مني عبدٌ يخدمك وجملٌ يحملك سالماً غانماً إلى أهلك".
لم يكن ذلك الطفل حكيماً فحسب، أو مهذباً فحسب.. ولا ذكياً، بل كان إنساناً كاملاً .. نبياً خاتماً.. كلمةَ الله تمشي على الأرض.. ونوراً بيننا.. فظَنَنَّا أنَّه يشبهنا.