محمد أحمد خشفة

"الروضة الكاظمية" أو "الكاظميين" كما هو معروف، هو الاسم المتداول لإحدى العتبات المقدسة في منطقة بغداد. فما هو تاريخها، وما هي بعض فضائلها؟

* الكاظمية بغداد:
تحوي تربة الكاظمية في بغداد، مرقد الإمامين الطاهرين المطهرين السابع والتاسع من أئمة أهل البيت عليهم السلام أجمعين: الإمام موسى بن جعفر المعروف بالكاظم والإمام محمد بن علي المعروف بالجَواد عليهما السلام. تطالعك على المدخل الرئيسي للحضرة المباركة لوحة كبيرة ومضيئة كتب عليها: السلام عليك يا موسى الكاظم ويا جواد الأئمة(1).

* الكاظم والجواد عليهما السلام
تقول الروايات أن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ولد في منطقة الأبواء (بين مكة والمدينة) في 7 صفر عام 128هـ، في عهد عبد الملك بن مروان... وبعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام، تسلم الإمامة وانتقل إليه أمر الولاية وعمره 20 عاماً. واستمرت إمامته 35 عاماً، عاصر خلالها ملوك بني العباس: بقية ملك المنصور وملك المهدي (10 سنوات)، والهادي (سنة)، وهارون (15 سنة).. استشهد عليه السلام في سجن سندي بن شاهك ببغداد، في 25 رجب عام 183 متأثراً بالسم الذي دسه إليه هارون عن عمر شريف يناهز 55 عاماً. ودفن في مقبرة قريش ببغداد بعد تشييع كبير ومهيب، وعرفت الروضة بالكاظمية، وله زيارة خاصة(2). والإمام الجواد عليه السلام هو التاسع من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولد في 10 رجب عام 195هـ بالمدينة المنورة(3)، ومن ألقابه: الجواد، التقي، القانع، الزكي، باب المراد.. وكنيته: أبو جعفر الثاني، لأن أبا جعفر الأول هو الإمام الباقر عليه السلام. عاش مع أبيه الإمام الرضا عليه السلام 7 سنوات وقيل أقل من ذلك، ثم ترك الرضا عليه السلام المدينة المنورة باتجاه خراسان(4). عاصر الإمام الجواد عليه السلام من الملوك بقية ملك المأمون، وملك المعتصم. ودامت إمامته عليه السلام 17 سنة.

هاجر عليه السلام "من المدينة إلى بغداد وأقام فيها تحت الرقابة المشددة، إلى أن دس له السم واستشهد سنة 220هـ عن عمر 25 عاماً. دفن قرب جده الإمام الكاظم عليهما السلام وكانت تلك بداية العمارة الثانية لمرقد الكاظميين عليهما السلام. حمل اسم المرقد المعروف الكاظميين وليس الجوادين احتراماً وتأدباً للإمام الكاظم عليه السلام لأنه أول من دفن في تلك البقعة المباركة به، وغلبت التسمية ودونت لاحقاً بالعقارات (الكاظمية)(5). وللجواد ـ كما الكاظم عليهما السلام زيارة خاصة يزار بها، ولهما زيارة مشتركة ورد في مطلعها: السلام عليكما يا وليي الله، السلام عليكما يا حجتي الله، السلام عليكما يا نوري الله في ظلمات الأرض. أشهد أنكما قد بلغتما عن الله ما حملكما، وحفظتما ما استودعتما وحللتما حلال الله، وحرّمتما حرام الله.."(6).

* العمارات الأولى:
اقتصرت العمارة الأولى على تحديد مدفن الإمام الكاظم عليه السلام. وفي العمارة الثانية تم زيادة مدفن الإمام الجواد عليه السلام. وبعد شهادة الإمام الجواد عليه السلام بفترة وفي عهد معز الدولة السلطان أبي الحسن ابن بويه عام 326هـ تمَّ تجديد العمارة للروضة الكاظمية وشملت توسعة للمشهد، ليتسع للزوار.

* العمارات اللاحقة:
عام 367هـ ومع ازدياد الهجرة والسكن بجوار الإمامين المقدسين، أمر عضد الدولة البويهي ببناء دور للمشهد المقدس حول الروضة الشريفة.
عام 369هـ زاد عضد الدولة بعض الدور المجاورة للمشهد المشرف.
عام 371هـ تم ايصال الماء إلى الكاظمية وذلك بمسعى أبي طاهر الزعيم.
عام 433هـ إحترقت الروضة الكاظمية، المقدسة، ثم شهدت محاولات لإجراء بعض التحسينات بعد الحريق.
عام 445هـ تم إعادة البناء للروضة الكاظمية.
عام 460هـ عمر أحد وزراء السلاجقة أبو الفضل الأسعد بن موسى القمي المشهد المقدس.
عام 575هـ جدد الخليفة الناصر لدين الله عمارة الروضة الشريفة.
عام 604هـ أمر الناصر العباسي ببناء دور للفقراء في الكاظمية بعنوان دور الضيافة.
عام 622هـ التهمت النار من جديد الروضة في زمن خلافة الطائع بالله، فأسرع الحاكم العباسي لإعادة البناء وتمم ذلك ابنه المنتصر.
عام 624هـ أمر المنتصر العباسي بإقامة صندوق على القبرين الشريفين للإمامين عليهما السلام، والصندوق هذا موجود حالياً في المتحف العراقي.
عام 769هـ أمر السلطان بويه الجلائري بصنع صندوقين من الرخام لضريحي الإمامين الكاظميين عليهما السلام.
في 25 جمادى ‏الثانية 914هـ دخل الشاه إسماعيل الصفوي بغداد وزار الكاظمية، وأنعم على خدمها كثيراً، وأمر أن تكون المنائر أربعاً، وأنشأ جامعاً لا يزال يعرف إلى اليوم باسم الجامع الصفوي.
عام 926هـ بأمر من الشاه الصفوي، وضع صندوقان من الخشب للضريحين الشريفين، وهما الموجودان حالياً بالروضة المباركة ومن أوصافهما:
بالصناعة: من خشب التوت بالشكل: مستطيلان، منبسطا السطح.
الطول: 255سم العرض: 183 سم العلو: 65 سم‏

تزيّن حافات غطاء كل صندوق كتابة نثرية غير متداخلة نقشت داخل الشبكة في زخارف نباتية متشابكة، وزَينت كل صندوق زخارفُ أيضاً، وعليه كتابات عرض السطر الواحد 43سم، وكل سطر بداخل إطار مستطيل ‏الشكل، منقوش في أصل الخشب، ومزخرف زخرفة عرضها 12 ملم. والكتابة تبدأ من عند الرأس الشريف بآية التطهير وتليها كتابة ثانية تفيد باسم المدفون داخل الضريح الشريف.
عام 941هـ في 24 جمادى الأولى دخل سليمان القانوني بغداد وزار الكاظمية وأمر بإكمال ما لم يكمل من عمارتها.
عام 978هـ تم إكمال بناء المنارة على صحن الكاظمية.
عام 1003هـ وصف الشيخ بهاء الدين العاملي المشهد المقدس أثناء زيارته له ببعض الأبيات الشعرية.
عام 1033هـ أمر الشاه عباس الكبير بوضع صندوق من الفولاذ عند الضريحين يغطي الصندوقين الخشبيين.
عام 1294هـ جدد بناء الصحن الشريف اعتماد الدولة فرهاد ميرزا بن العباس القاجاري.
عام 1301هـ انتهت التعميرات الواسعة للحضرة المباركة للإمامين الكاظميين.
عام 1324هـ بذلت الحاجة المؤمنة بنت مشير الملك الشيرازي مقدار 250 ألف مثقال من الفضة في تكلفة الضريح المقدس.
عام 1387هـ تم تجديد كثير من الأبواب والتزيينات، ونقشت أبيات شعرية عديدة تعنى بآل البيت عموماً عليهم السلام، وبالكاظميين خصوصاً عليهما السلام.
عام 1424هـ وقع انفجار كبير قرب الحضرة المباركة في سوق معروف، تسبب باستشهاد وجرح عدد كبير من الزوار والمحبين، وتهدم الجانب الجنوبي من السور الشريف للحضرة.
عام 1425هـ انتهى تشييد السور، وأقفلت عدة طرقات مجاورة كانت بالأمس القريب تعتبر موقفاً للسيارات.

* من فضائل الكاظميين عليهما السلام:
يعتبر مرقد الإمامين الكاظميين عليهما السلام من المراقد والمزارات المهمة، والتي حث أهل البيت عليهم السلام على التشرف بزيارتها. وقد وردت بحق وفضل الزيارة لهما أحاديث كثيرة وروايات. رزقنا الله وإياكم زيارتهما والتشرف بالوقوف تحت قبتهما والتوسل بحضرتهما عليهما السلام. ونختم بحثنا بالشعر المكتوب على الباب الداخلي للروضة الكاظمية:
 

_{(1) مشاهدة ميدانية.
(2) تواريخ أعلام الهداية والنبي وآله (عن عدة مصادر) الشيخ التستري، مكتبة التاريخ العربي، ط1، 2004 (بتصرف).
(3) ورد بالدعاء (اللهم إني أسالك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني، وإبنه علي بن محمد المنتجب).
(4) الأماكن المقدسة في العالم، هيئة محمد الأمين، ط1، 2002، ص‏114 (بتصرف).
(5) مزارات أهل البيت عليهم السلام وتاريخها، الجلالي، مؤسسة الأعلمي، ط3، 1995 (بتصرف).
(6) مفتاح الجنات، دار التعارف للمطبوعات، ط4، 1988، ص 400 406.
(7) مزارات، م.ت، ص 113 120، مع مشاهدات ميدانية.}