من المهم أن تكون العائلة على رأس الأولويات بالنسبة للمرأة، أي دور المرأة بصفتها عضواً في الأسرة. إنّ هذا الدور في نظري يفوق جميع الأدوار التي يمكن أن تؤدّيها المرأة أهمية. إنّ البعض قد يعارض مثل هذا الكلام للوهلة الأولى وبلا هوادة، قائلاً: إنكم تريدون أن تكون المرأة حبيسة جدران البيت، دون أن يكون لها حظ من ممارسة النشاطات الحيوية في الخارج. كلا، فنحن لا نقصد هذا على الإطلاق، كما أنّ الإسلام لم يقل به أبداً. فعندما يقول الإسلام ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (التوبة: 71) فهذا يعني أنّ المؤمنين والمؤمنات شركاء في الحفاظ على النظام الاجتماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يستثنِ المرأة، ونحن أيضاً لا نستطيع استثناء المرأة. إنّ مسؤولية إدارة المجتمع الإسلامي وتقدّمه، تقع على كاهل المرأة والرجل كليهما، كلاً منهما حسب طبيعته وإمكانياته.
إنّ الكلام لا يدور حول إمكانية تحمّل المرأة للمسؤولية خارج المنزل أم لا، فلا شك أنها تستطيع، وهو ما لم ينفه الإسلام أبداً، بل إنّ البحث يدور حول السؤال: هل يحق للمرأة التضحية بدورها في المنزل كأم وزوجة بسبب المغريات التي قد تتصور وجودها خارج نطاق المحيط العائلي؟ هل لها الحق في ذلك؟ إننا نؤكد على هذا الدور. إنني أقول بأن أهم دور يمكن أن تقوم به المرأة على مختلف مستوياتها العلمية والدراسية والمعرفية، هو دورها كأم أو زوجة، فهذا أهم من كل أعمالها ونشاطاتها الأخرى؛ لأنه لا يمكن لأحد غير المرأة القيام به. إنّ من الممكن أن تكون لهذه المرأة مسؤوليات أخرى، فليكن، ولكن هذه المسؤولية يجب أن تحظى بالأولوية لديها، وأن تعتبرها مسؤوليتها الأولى والأساس.
* أهمية دور المرأة داخل الأسرة
إنّ الجنس البشري ونموّ وسموّ طاقات الإنسان الباطنية، منوط بهذا الدور، وعليه المعول في الحفاظ على السلامة النفسية والروحية للمجتمع، كما لا ينبغي أن نتجاهل طبيعة هذا الدور، في توفير السكينة والهدوء والطمأنينة والتغلب على حالات القلق والانهيار والاضطراب. ليس ضرباً من البطولة أو الفن أن تقلّد المرأة الرجل في عمله، فللمرأة عمل نسائي يفوق في أهميته الأعمال الرجالية كافة. إنّ هناك في العالم اليوم من الأيادي المشكوك فيها، ما يروّج للثقافة المناهضة للقيم، فهم يريدون إغراء المرأة بأن تتحوّل إلى رجل! إنهم يعتبرونه حطّاً من شأن المرأة ألاّ تقوم بنفس ما يقوم به الرجل! فهل هذا حطٌّ من قدرها؟ إنها نظرة خاطئة لمثل هذه القضية. إنهم يقولون بأن من العيب أن نقول بأن المرأة امرأة، وأنّ الرجل رجل. حسناً، أفليس الأمر كذلك؟ إنكم تريدون أن نقول بأن المرأة رجل، فعندها تكون رجلاً اصطناعياً، أو نسخة غير أصلية من الرجل! فهل في ذلك فخر للمرأة؟ إنّ للمرأة أن تفخر بأن تكون امرأة، امرأة كاملة، وأنثى كاملة. وحتى عندما تنظر من زاوية القيم الرفيعة، فإن هذه القيمة أي المرأة الكاملة لا تقلّ بأي حال عن قيمة الرجل، بل إنها قد تفوقه كثيراً في بعض الأحيان. فلماذا نتخلّى عن ذلك؟ إنّ هناك مسؤوليات مشتركة لما أسلفنا، فمسؤولية الحضور في المجتمع ومعرفة أسقامه ومحاولة علاجها، لا تخص الرجل دون المرأة، بل إنّ المرأة لا يمكنها التخلّي عن مسؤوليتها في هذا الصدد. وإذا ما كان على المرأة أن تقوم بدور في هذا المجال، فلها ذلك وبلا حدود، ولكن المهم بالنسبة لها هو تلك المسؤوليات الخاصة التي كلّفها بها الله سبحانه وتعالى وفقاً لطبيعتها وفطرتها.
* النظرة الخاطئة للمرأة
إنّ النظرة التي يحاول الغرب تكريسها اليوم بالنسبة لمسألة المرأة والرجل، هي نظرة خاطئة وباطلة، وستؤدي إلى ضياع الكثير من القيم والمُثُل في المجتمع البشري، وهو ما نلمح اليوم بوادره هنا وهناك، وخصوصاً في مجتمعاتنا. فلا بد من تصحيح هذه النظرة. إنّ شعارات واختلاقات العقل الغربي حول المرأة، لم تستطع إنقاذها حتى الآن مما كان يلحق بها من غبن داخل الأسرة وخارجها على مدى التاريخ، حتى ولو حدث وكان بالإمكان التغلّب على ما تعانيه المرأة من ظلم وهو ظلم له أسبابه الطبيعية والاضطرارية في بعض المجتمعات فإن ذلك حدث في ظل أخلاقيات الرجل وقوانينه وسلوكياته المهذّبة. ولكننا لم نعد نرى لذلك أثراً في الغرب على الإطلاق. فالإحصائيات تدلّ على أنّ ما تعانيه المرأة في الغرب اليوم من ضغوط بدنية مختلفة وآلام روحية ونفسية شديدة، يفوق بكثير ما تعانيه المرأة عندنا أو في بلدان أخرى. ولهذا، فإنهم لم يستطيعوا الحيلولة دون هذه المشكلة من ناحية، بل إنهم تسببوا في وقوع كارثة من ناحية أخرى. إنّ علينا أن ننظر نظرة شمولية جامعة لقضية المرأة، وهذه النظرة نجدها في الإسلام.
* قيمة أصالة المرأة
إنّ مسألة إعطاء قيمة لأصالة المرأة وأنثويتها، تمثّل قيمة عليا بالنسبة لها، بل تعدّ أصلاً. إنّ تشبّه المرأة بالرجل لا يُعتبر قيمة على الإطلاق. كما إنّ تشبّه الرجل بالمرأة أيضاً، لا يعدّ هو الآخر قيمة تُذكر. إنّ لكل منهما دوره، وموقعه، ومكانته، وطبيعته، كما إنّ هناك هدفاً من وضعهما الخاص في الخليقة الإلهية الحكيمة، وهو هدف لا بد من تحققه، فهذه مسألة مهمة. إنّ باستطاعتكنّ اليوم أيتها السيّدات القيام بدور في هذا المجال، فبوسعكنّ البحث والتأليف والنشر، وتحقيق ذلك أيضاً على الساحة العملية. لقد قلت ذلك مراراً، وإنّي أكرره اليوم، فلقد كان هناك ظلم للأسف الشديد في مجتمعاتنا أي المجتمعات الإسلامية والمجتمع الإيراني كما في المجتمعات الغربية فيما يتعلق بالقضايا العائلية لكل من المرأة والرجل، ولا سيّما داخل الأسرة، فلا بد من القضاء على ذلك. إنّ النصيحة قد تفيد أحياناً، وقد لا تفيد، فلا بد من قوة القانون لإصلاح الأمر.
* أخلاقيات التعامل بين الرجل والمرأة
إنّ النساء يتعرضن للظلم. فالرجل يستغل ما لديه من القوة البدنية والمميزات الذكورية الأخرى في بعض الأحيان لفرض موقفه على المرأة، فيجب الحيلولة دون ذلك. إنّ عصا القانون قادرة على الردع، ولكن، وكما أسلفنا، فإن كل شيء يبقى ممكناً بسلوك الرجل القويم وأخلاقه الفاضلة. إنّ توضيح طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في المنظومة الإسلامية خلقياً وقانونياً ـ يعتبر من المواضيع التي ينبغي التركيز عليها في رأينا. إنّ البعض قد يكون متديناً، ولكن نظراً لعدم المعرفة الصحيحة بالمفاهيم الإسلامية، وعدم الاطلاع الدقيق على أخلاقيات التعامل بين المرأة والرجل في الإسلام، فإن تديّنه لا يقلل من خطإه ولا يخفف من تحكّمه وفرض سيطرته، وهذا ليس من الصواب، حيث لا يمكن الجمع بين التديّن وحب التسلّط والسيطرة، وهذا ما يجب تصحيحه. لا بد من إيلاء الأهمية للأخلاق الإسلامية داخل المحيط الأسري. إنّ مسألة الحجاب مسألة مهمة جداً، وأنا أعتبرها في غاية الأهمية، وتبرز هذه الأهمية في مواقع كثيرة، ومنها المحيط العائلي والعلاقة الأسرية.
مقتطف من خطبة ألقيت في ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام في 4 7ـ 2007م.