السيد علي عباس الموسوي
قصة الصراع بين الحق والباطل تمتد مع تاريخ الإنسانيّة حتّى حادثة القتل الأولى المتمثِّلة بما حكاه القرآن الكريم من قتل أحد ابنَي آدم لأخيه؛ لأنّ الحق كان لأخيه عليه. وقصة الصراع الأولى ما تزال مستمرّة في البشرية وإن اختلفت تجلياتها وأشكالها ومظاهرها.
وعندما تلحظ طرفَي الصراع في من يمثِّلهما على مرّ التاريخ، تجد أنّ ما يميِّز أهل الباطل في صراعهم عنصرين أساسيّين:
الأول: الثقة بالقدرات والإمكانات المادية والدعم الذي يأتيهم من قوم أمثالهم، لا يرون أنّ بوسع أحد التغلّب على هذه القدرات، بل يرون الغلبة لأنفسهم اعتماداً عليها.
الثاني: العناد واللجاج والإصرار على باطلهم وصمّ الآذان عن الاستماع لصوت الحق، وهذا ما يحول بينهم وبين اتِّباع الحق، فكانوا عندما تناديهم الرسل محذِّرةً إيّاهم من العذاب الإلهي، يستعجلون هذا العذاب ويتحدّون هذا الوعد الإلهي.
وخطاب الرحمة الإلهيّة في آيات القرآن الكريم حذّر هؤلاء، فبَيَّن أنّ القوة المادية لا تُعجز الله شيئاً، وأنها لا يمكن أنْ تحول أمام الإرادة الالهية، وأنّ الثقة بها خطأ قاتل، كما حذّرهم من العناد على الباطل والإصرار عليه.
وهكذا يُعين الباطل على نفسه ويسرِّع من هزيمته، فتجده يتخبّط خبط عشواء في خضم الصراع، لا يقوى إلّا على المكابرة والمعاندة.
وأمّا ما يميِّز أهل الحق في صراعهم هذا، فعنصران أساسيّان، وهما من التعاليم التي حثّ عليها القرآن الكريم في العديد من آياته:
الأول: الثقة بالله وبالنصر الإلهي، فأهل الحق هم أهل أداء الواجب والتكليف، وهم يدركون تماماً أنّ نزول النصر من عند الله يتوقّف تحديداً على أن ينتصروا لله، ومن هنا كان عزمهم على الانتصار له فقط.
الثاني: إلقاء الحجة على الخصم، ففي صراعهم لا يعيشون التشفّي والانتقام، بل الشفقة والرحمة، فهم يبذلون جهداً مضاعفاً في إلقاء الحجة على الخصم: بالموعظة التي هي خطاب القلب، وبالكلمة التي هي خطاب العقل، لعلّ هذا الخصم يستفيق ويرجع.
ولكن ما يستوقف الإنسان عند مراجعته الآيات المرتبطة بهذا الصراع، وكيف يتحوّل الصراع من صراع أهل الحق مع أهل الباطل، إلى صراع تقف فيه الذات الإلهية في مقابل الباطل فتكون النتيجة المتمثّلة بانتصار الحق حتميّةً، يظهر ذلك في عدة أمور:
1 – إن النصر الإلهيّ كلمة إلهية سابقة، أي إنّ الله عزّ وجل أعطاها لأتباع الحق، ووعدهم بأن يكون النصر حليفهم قبل بدء الصراع والحرب.
2 - إن هذا النصر مكتوب لمن أضاف نفسه إلى الله عز وجل وتمحض بالعبودية لله، فهو عبدٌ لله فقط، وكلمة النصر التي سبقت هي لمن كان خالص العبوديّة لله عزّ وجلّ.
3 - إن هذا النصر مكتوب لمن كان في حربه وقتاله لا يريد إلاّ ما يريده الله عز وجل، أي كان جهاده لله حتى يصدق عليه أنه جندي لله عز وجل.
فالعنصران الأخيران هما اللذان يحقّقان الوعد الإلهي بالنصر الذي قوامُه العبودية لله أولاً، وأن يكون الإنسان جندياً مخلصاً ثانياً، وقد قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ ( الصافات 171-173).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين