بسم الله الرّحمن الرّحيم
﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .. ﴾ (التوبة: 3)
صدق الله العلي العظيم
والآن إذ يهاجر حجّاج بيت الله الحرام من بيت الجسد والدنيا إلى (بيت) الله ورسوله، وهو بيت الروح والقلب، ويعزفون عن كل شيء سوى المحبوب الحقيقي، فلا يرون غيره في داخلهم وخارجهم، عليهم أن يعلموا أن الحجّ الابراهيمي المحمّدي غريب مهجور منذ سنين على الصعيد المعنوي والعرفاني، وكذلك على الصعيد السياسي والاجتماعي.
* لا للأصنام والطواغيت
على الحجاج الأعزاء من جميع البلدان الإسلامية، أن يزيلوا عن بيت الله غربته على كافة الأبعاد. لندع أسراره العرفانيّة والمعنوية إلى العرفاء الربانيين، ويهمّنا الآن بعده السياسي والاجتماعي، وهو بعد نحن بحقّ بعيدون عنه منذ سنين. ونحن ملزمون بأن نَجبر ما فات. هذا المؤتمر المفعم بالسياسة يقام بدعوة إبراهيم ومحمد صلوات الله عليهما وآلهما، ويجتمع فيه القادمون من كل فجّ عميق ومن أنحاء الأرض، ليشهد الناس منافعهم وليقوموا بالقسط، وليواصلوا عمل إبراهيم ومحمد صلوات الله عليهما وآلهما في تحطيم الأصنام وعمل موسى في مقارعة الطواغيت وفرعون. وأي طاغوت من طواغيت التاريخ يبلغ ما بلغه الشياطين الكبار وطواغيت زماننا الطامعون الذين يدعون كل مستضعفي العالم إلى أن يسجدوا لهم ويثنوا عليهم، ويجعلون كل عباد الله الأحرار رقيقاً مطيعين لهم؟! فريضة الحج التي هي تلبية لنداء الله وهجرة نحوه تعالى، تقوم تأسيّاً بإبراهيم ومحمد صلوات الله عليهما وآلهما على أساس رفض كل الأصنام والطواغيت والشياطين الكبار والصغار. وأي صنم أكبر من الشيطان الأكبر أمريكا الطامعة؟ وأي طاغوت أكبر من طواغيت زماننا؟! بتلبيتكم قولوا (لا) لكل الأصنام.. أرفضوا كل الطواغيت الصغار والكبار.
إجعلوا قلوبكم في الطواف حول بيت الله خالية من غير الله. فالطواف يرمز إلى عشق الله تعالى. ونزّهوا نفوسكم عن أن تخاف من غير الله تعالى. وبموازاة عشق الله، تبرّأوا من الأصنام الكبيرة والصغيرة ومن الطواغيت وأتباعهم، فالله تعالى وأولياؤه قد تبرّأوا منهم، وكل أحرار العالم بريئون منهم..
* أعداء لأعداء الله
وفي لمسكم للحجر الأسود، بايعوا الله لأن تكونوا أعداءً لأعداء الله ورسوله والصالحين والأحرار، ورافضين لإطاعتهم وعبوديتهم، أيّاً كانوا، وأينما كانوا. واقتلعوا جذور الخوف والضعف من قلوبكم، فإن كيد أعداء الله وعلى رأسهم الشيطان الأكبر كان ضعيفاً، مهما تفوّقوا في وسائل القتل والدمار والإجرام.
* براعم الحرية
وفي السعي بين "الصفا" و"المروة"، اسعوا بصدق وإخلاص لأن تجدوا المحبوب، فإن وجدتموه تنقطع كل الانشدادات الدنيوية وينقلع كل شك وتردد ويزول كل خوف ورجاء حيواني وتنفصم كل القيود المادية، فتتفتح براعم الحرية وتتحطم القيود التي كبّل بها الطواغيت عباد الله وأسروهم واستعبدوهم.
* الثقة بوعد الله
واتّجهوا إلى "المشعر الحرام" و"عرفات" بشعور وعرفان، وزيدوا دوماً من ثقتكم بوعد الله وحكومة المستضعفين، وتفكّروا بآيات الله في سكوت وسكون، وفكّروا في إنقاذ المحرومين والمستضعفين من مخالب الاستكبار العالمي، واطلبوا انفتاح سبل النجاة في تلك المواقف الكريمة من الله تعالى.
* الأماني الحقة
بعد ذلك، إذهبوا إلى "منى" واحصلوا فيها على الأماني الحقّة المتمثلة في تقديم أعزّ ما عندكم قرباناً على طريق المحبوب المطلق. واعلموا أنكم لا تصلون إلى المحبوب المطلق ما لم تجتازوا كل ما تحبونه، وفي ذروته حبّ النفس وما يتبعه من حبّ الدنيا. وفي هذه الحالة، ارجموا الشيطان ليبتعد عنكم، وأعيدوا رجمه في مواضع مختلفة حسب الأوامر الإلهية، كي يهرب الشيطان وجميع أفراخه.
* الوحدة بوجه العدو المشترك
إن شرط تحقق الآمال الفطرية والانسانية في كل المناسك والمواقف، هو اجتماع كل المسلمين في هذه المراحل والمواقف ووحدة كلمة جميع الطوائف الإسلامية، دون أن تفرق بينهم اللغة واللون والقبيلة والطائفة والوطن والعصبيات الجاهلية، وشرط ذلك النهوض المنسجم بوجه العدوّ المشترك.. وهو عدّو الإسلام العزيز على المسلمين المجتمعين في مواقف هذه العبادة الرامية إلى تجميع المسلمين من كل أرجاء الأرض، ليشهدوا منافع لكل المستضعفين في العالم؛ وأيّ منافع أعظم من قطع يد الطامعين عن البلدان الإسلامية؟