مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

شهيد الوعد الصادق بشير علي علوية

نسرين إدريس قازان

 



تفوّق حتى الشهادة..شهيد الوعد الصادق بشير علي علوية

بطاقة الهوية
اسم الأم: زينب زين الدين.
محل وتاريخ الولادة: مارون الراس14/1/1981.
الوضع العائلي: عازب.
رقم السجل: 98.
محل وتاريخ الاستشهاد: البياضة - الناقورة 12/8/2006.

بوح الرصاص من فوهة بندقيته رسم أروع مشاهد البطولة. وصوته الملبي لنداء الإمام الحسين عليه السلام عزف آخر لحنٍ من ناي شاب كان وحيداً في ساحة المعركة، وقاتل بـ"الجودة" ذاتها التي كان يصمم ويرسم بها.

حياة تختزن الوجود:
لقد رسم بشير الحياة بأنامله كما رآها هو.. فلهُ شمسه وقمره، وله ألوانه التي تشبه الماء والهواء. لا تحمل لوناً محدداً ولكنها تختزن قيمة الوجود. كان بشير يترك زخرفة رائعة تغير من شكل ومعنى المكان، فهو لا يتحمل المكوث في أي مكان من دون أن يحوله إلى لوحةٍ جميلة، بغض النظر عن "هوية" المكان، فقد يكون المكتب، أو ربما الصف، أو المعسكر، وحتى حينما كان في البياضة مكان استشهاده، وفيما الحرب تلتهم المكان، كان بشير يرسم بهدوء، يقشّر البطاطا ويحول القشر إلى أشكال جميلة، يجمع الحجارة، يشذّب الأغصان لتصبح مادة أولية لمجسم صغير. صحيح أن القذائف والصواريخ قد تدمر كل شيء، ولكنها تصمت أمام حسٍّ مرهفٍ لشابٍّ رفض حتى اللحظة الأخيرة أن يفرض الواقع عليه شكل الحياة وأصر على أن يرسمها كما يريد، حتى وإن كان اللون قانياً من دماه..

طفولة متميزة:
في طفولته، كانت أنامله الصغيرة ترسمُ على الأوراق، وعلى هوامش الصفحات. وفي إحدى المرات وبينما كان يشاهد التلفاز انقطع التيار الكهربائي، فما كان منه إلا أن حمل قلم الرصاص ورسم على الحائط عمود كهرباء وأسلاكاً أوصلها إلى التلفاز ظناً منه أنه بذلك يستطيع أن يتابع ما يشاهده. ولم تكن تلك الفكرة هي الوحيدة التي دلّت على ذكاءٍ وقّاد، فأساتذته في المدرسة وجدوه حالةً فريدة في قدرته على قطع المراحل بيسرٍ. وقد دفعت تصرفاته الغريبة وطريقة رؤيته للأشياء وكتابته بوالده إلى استشارة خبراء نفسيين ليحلل ما يجول برأس ولده، فكان الجواب مختصراً وواضحاً: "إنه دليل العبقرية"، فهو تلميذ متفوق في المدرسة، وظلّ حتى آخر سنة دراسية له يتصدر المركز الأول في المدرسة ويحصل على منحة دراسية لتفوقه.

الجهاد الهدف السامي:
وقد تتلمذ بشير على والده الأستاذ والمربي الذي زرع الفضائل والقيم في نفوس أولاده، فتعلم من والده أولى الحروف من الرسالة التي يكاد من يحملها أن يكون "رسولاً". وقد ترك كدّ والده ليل نهار لتأمين أفضل تعليم لأولاده أثراً كبيراً في نفس بشير، الذي على صغر سنه وجد الطريقة المثلى للتخفيف من عبء المصاريف الدراسية، وهو البقاء في سدّة التفوق لتحصيل المنحة الدراسية. وكان العلم والثقافة الهمّ الثاني في قلب الأب تجاه أولاده. فالإيمان والتدين الأصيل والأخلاق هي السطور الأولى في صفحات الحياة، أما الجهاد في سبيل الله، فهو الهدف السامي الذي لأجله اشتدت طراوة العظام ونداوتها، فامتشق بشير سلاحه باكراً. ومن خلف مقاعد الدراسة التي حمل منها الشهادات الممهورة بنجاحٍ وتفوق، انطلق بشير ليخضع لعدة دورات عسكرية، تؤهله للالتحاق برجال المقاومة الإسلامية، فكان شاباً تبوح تقاسيم وجهه بالبأس والشجاعة، وأظهر في فترةٍ قصيرة أن العزيمة التي عقدها في طريق الجهاد، ستكون خاتمتها "جنّات ونهراً"، وكيف لا تتوق روحه للرحيل، وهو كلما وقف بين يدي الله سأله الزلفى والدنو؟ ظلّ بشير؛ بضحكته الدافئة، وعينيه اللامعتين المضيئتين بطموحٍ يُنبئ بالمستقبل الزاهر، يتنقل كالعصفور على أفنان الحياة، يقطف وردة من هنا، ويزرع حديقة هناك. وقد تخرّج بشير من كلية الهندسة فرع المعلوماتية في الجامعة اللبنانية بجدارة، بعد أن درس هذا الاختصاص تلبيةً لرغبة والده بذلك، ثم التحق بجامعة هاواي ليدرس اختصاص "التصميم الزُخرفي" الذي كان يعشقه. وقد وُضعت شهادة البكالوريوس التي نالها بعد استشهاده على ضريحه.

لن تمحو ذكرنا:
وإذا كان الهدفُ الأساس في حياته هو متابعته لدراسته، إلا أنه كان يتحين الفرص ليلتحق بالثغور إلى جانب المجاهدين، وكالعصفور ينتقل من غصنٍ لآخر دون كللٍ أو ملل، ويُنهي الأعمال التي توكل إليه على أكمل وجه. شارك في الإعداد للأنشطة المركزية الخاصة بحزب الله، وقد لفتَ نظر الجميع برؤيته الإبداعية في التصميم والرسم، ولم تقتصر مشاركاته على التصميم، بل تعدتها إلى التمثيل حيث شارك في عدد من الأعمال المسرحية آخرها كان في الرؤية المشهدية العاشورائية "لن تمحو ذكرنا"، وكذا الأمر في معارض الجامعات التي تقيمها التعبئة التربوية، حيث كان بشير يقوم بتصميمها بفترة زمنية قياسية. وقد عُرِفَ بشير بين رفاقه في التعبئة التربوية، بأنه الشاب المبادرُ المتميّز بتواضع لافتٍ، والفنانُ الذي أجاد رسم علاقاته الاجتماعية بإبداعٍ وإتقان..

القدوة والمثال:
تميزت علاقة بشير بوالديه وإخوته بدفء وحنان، وكان لا يرفض لهم أي طلب، وقد تأثر كثيراً بخاله المجاهد الذي فقد بصره اثر إصابته في إحدى العمليات العسكرية للمقاومة الإسلامية، وحفظ منه دروب الصبر والتحمل والاحتساب، وكان دائماً يتحدث عنه أمام رفاقه ويتحين الفرص لزيارته والاطمئنان إلى صحته.  ومع تزاحم الأعمال، خطا بشير في مهنة التعليم أولى خطواته، حيث درّس التصميم الزخرفي ومادة الرياضيات في المدارس والمعاهد. وإلى جانب تدريس الطلاب، زرع فيهم القيم والمُثل العُليا، وعمل جاهداً ليكون قدوة ومثالاً يُحتذى في زمن تزاحم المفاهيم المغلوطة لجيلٍ ضائع في سراديب العولمة الفتاكة.. وما إن دقّ نفير الحرب حتى سارع بشير للالتحاق بالجبهة، وسعى جهده لينال الموافقة على انتقاله إلى الجنوب، حيث بقي يقارع العدو شهراً بكامله. وذكر كل من رآه في قرية "البياضة" حيث كان مرابطاً، أنهم لم يروا أشجع منه، فهو كان ينقل الصواريخ لوحده، ويركض متحدياً الطائرات غير آبهٍ بالمخاطر، وقد عرّض نفسه للخطر في سبيل إنقاذ أحد المجاهدين الجرحى، وحفر خندقاً صغيراً وضعه فيه بعيداً عن شظايا القذائف حتى تسنى اخراجه من المنطقة. وكان في البياضة عجوز لم تستطع الخروج من القرية فبقيت في منزلها، عرف بشير بشأنها وصار يأخذ لها الطعام يومياً ويتفقدها، وأخبر رفاقه أنه كان مستعداً لحملها على ظهره والخروج بها من هناك لو كان وزنها يسمح بذلك، ولم تؤخره الطائرات أو القذائف يوماً عن تفقدها.

البياضة معبر الشهادة:
وكان الإنزال الشهير للعدو الإسرائيلي في البياضة، هناك حيث واجه الفنان المبدع، العدو الصهيوني على مدى ثلاثة أيام لوحده، بعد استشهاد رفاقه وجرح بعضهم. وقبيل الإنزال، شذّب لحيته واهتم بأناقته قائلاً لمن بقي من الرفاق: "لقد جهزت نفسي كي ألقى الله بوجهٍ جميل".. وانتقل بعد ذلك إلى الخطوط الأمامية وحيداً، ليواجه العدو. وقد فتح النار على الجنود الصهاينة عن بعد ستة أمتار، فأوقع تسعة منهم بين قتيل وجريح، وبعد استشهاده لم يتجرأ أحد من الجنود على الاقتراب منه.. لقد رسم بشير آخر إبداعاته بجسده على الأرض، ولم يجد أروع من دمه القاني ليلون به تراب الوطن، وأبى إلا أن يرسم الحياة كما يراها هو وحده..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع