السيد سامي خضرا
البكاءُ فطرةٌ بشريّةٌ، قال الله تعالى: ﴿وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ (النجم: 43) أي قضى أسباب الضحك والبكاء كالفرح والحزن... وهو فعل بطبيعة الغريزة لا يملك الإنسان دفعه غالباً. وهو مباح بشرط ألا يصاحبه ما يدلُّ على التسخُّط من قضاء الله وقدره.
* أسبابه
قد يقع البكاء بسبب الفرح والحزن والخوف ولما يتوقع في المستقبل، والفزع، والرياء، والوجع، والشكر، وهناك بكاء الضعف وبكاء النفاق وبكاء أهل الغرام بالأغاني...
* البكاء من خشية الله تعالى
وأصدق البكاء ما كان من خشية الله تعالى، فهو غاية المنى لدى المؤمن وهو الذي تُطفِئ الدمعة منه أمثال البحار من النار، وهو أقوى مترجم عن القلوب الخاشعة . عن النبي صلى الله عليه وآله: "لا يَلِجُ النارَ رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع"(1). وعنه صلى الله عليه وآله: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه، اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ، فَقَالَ: إِنّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"(2). وعنه صلى الله عليه وآله: "عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"(3).
* بكاء الأنبياء
والبكاء من خشية الله تعالى هو ديدن أنبياء الله تعالى عليهم السلام. قال الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ (مريم: 58).
* بكاء المؤمن
والمؤمن قريب الدمعة رقيق القلب، يبكي عند ذكر الوعد والوعيد، وعند حصول المصائب على المسلمين، وعند حصول بعض البدع في الدين التي هي من أعظم المصائب، وعند ذكر السلف الصالح وأحوالهم في الزهد والتقشف، ويبكي اعترافاً بتقصيره وتواضعاً لربه تعالى.
* البكاء الكاذب
قد يكون البكاء دليلاً على صدق الباكي، وقد لا يكون، حيث ذكر القرآن الكريم قصة إخوة يوسف عليه السلام وكيف تباكوا على أخيهم كذباً، فقال تعالى: ﴿وجاؤوا أباهُمْ عِشَاءً يَبْكونَ﴾ (يوسف: 16).
* بكاء النبي صلى الله عليه وآله
عَن ابن مَسعودٍ قالَ: "قال لي النبيُّ صلى الله عليه وآله: اقْرَأْ عليَّ القُرآنَ، قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي، فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: ﴿فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيدا﴾ (النساء: 40) قال: حَسْبُكَ الآن، فَالْتَفَتُّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ"(4) . وعَن أحد الصحابة قال: "أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وآله وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ (5) مِنَ البُكَاءِ"(6).
1.جامع السعادات، الشيخ النراقي، ج 1، ص 209.
2.بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 26، ص 261.
3.ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج 1، ص 449.
4.التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، 113.
5.بحار الأنوار، م. س، ج 10، ص 50.
6.المِرْجل: القِدر الذي يُغلى فيه الماء