الشيخ علي ذوعلم
"من وضع نفسه مواضع التهمة، فلا يلومنّ من أساءَ به الظن"(1). تقوم العلاقة بين أعضاء المجتمع، بالأخص في المجتمع الإسلامي، على أساس حسن ظنّ المسلمين بعضهم ببعض. ولعلّه من الجائز أن تقوم الحكومة وأجهزتها في بعض الحالات الخاصة، بإخضاع الفرد المظنون به للسؤال والتحقيق في إطار القانون والشرع، إلا أنه لا يجوز للأفراد التجسّس أو إساءة الظّن فيما بينهم.
• الابتعاد عن مواضع التهمة
يوجد الكثير من الروايات التي تؤّكد على ضرورة حمل أعمال المؤمن على الصحة، وعدم الانجرار وراء الظنون. ثم إن أصل الثقة المتبادلة والحمل على الصحة قدر الإمكان، هما من الأصول الهامة في العلاقات الاجتماعية. بالإضافة إلى هذا الأصل، لدينا أصل آخر ذو أهمية، وهو الابتعاد عن مواضع التهمة. فقد شجّع الإسلام وقادة الفكر الديني على الابتعاد عن سوء الظن، إلى جانب الحذر من الوقوع في مواضع التهمة عند العمل. صحيح أنه يجب على الآخرين عدم سوء الظن وعدم اتهام الآخرين، إلا أن الفرد مسؤول عن الحفاظ على المستوى المعنوي والروحي للمجتمع، فلا يدع فرصة أمام الآخرين إلى إساءة الظّن به بسبب أعماله، ولا يقف في مواقع التهمة.
• مسؤولية الحفاظ على السمعة
طبعاً بالعودة إلى واقع المجتمعات، فإننا نلاحظ أن الأشخاص الذين لا يعتنون بالملاحظات والتفاصيل، عادة ما يهيّئون الأرضية لسوء ظنّ الآخرين بهم. وإذا كان الحفاظ على حرمة الأفراد واحترامهم في المجتمع من الوظائف الأخلاقية الهامة، ولكنه مسؤولية تقع على عاتق من يلحق الضرر بسمعته وسلوكه، قبل أن تقع على عاتق الذين يظنون السوء به. فعلى الشخص أن يلتفت إلى سلوكه وعمله آخذاً بعين الاعتبار فهم الآخرين لهما.
بناء على ما تقدم، يجب أن يكون سلوكنا سوياً صحيحاً من أجل الحفاظ على سلامة المجتمع الأخلاقية، ويجب أن لا نهيئ الأرضية لاتهامنا وإساءة الظن بنا، فإذا كان واجب الآخرين عدم سوء الظن، فإن واجبنا هو أن لا نضع أنفسنا أيضاً في مواضع التهمة، في حركاتنا، وسلوكنا، وأفكارنا، وتعاملنا مع الآخرين، بل يجب أن نبتعد عن الأعمال التي تجعل الآخرين يسيئون الظن بنا. ولا يصح القول: إننا لا نعمل لأجل الآخرين، ولا يهمنا ما يرونه ويعتقدونه؛ لأن هذه النظرة تؤدي إلى اختلال الجو السليم في المجتمع، حيث تتعدى آثارها السلبية الجميع. فالجميع مسؤول عن عدم اللجوء إلى سوء الظن في المجتمع لكي نصل إلى بناء مجتمع سليم.
• سوء الظن
هنا يُلفت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام انتباهنا إلى عدم إفساح المجال أمام الآخرين لإساءة الظن بنا من خلال بعض التصرفات المريبة التي قد نقوم بها وبذلك نستحق اللوم. وكلامه عليه السلام لا يجيز سوء الظن أيضاً، بل يؤكّد مسؤولية كل فرد في المجتمع في المحافظة على شخصيته بعيداً عن حالات الاتهام وسوء الظن. وبعبارة أخرى تقع علينا كأفراد في المجتمع مسؤوليتان: الأولى أن لا نضع أنفسنا في مواضع التهمة، والثانية الابتعاد عن سوء الظن بالآخرين، على أساس أن بعض الظن إثم، وأن الاحتياط في هكذا تصرفات يؤدي إلى ابتعاد المجتمع عن المفاسد والاشتباهات.
1.نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 4، ص 41، حكمة