آية الله الشيخ حسين مظاهري(*)
عندما يتحكّم الشيطان الرجيم بأفكارنا، قد يقودنا إلى مشاكل كثيرة، منها سوء الظنّ، ويصبح عندها صاحبه "وسواسيّاً"؛ أي مُفرطاً في الظنّ سوءاً بأفراد أسرته، وأقاربه، وجيرانه، وكلّ من يحيط به.
ولذلك، فإنّ مخاطره تهدم العلاقات والبيوت وتحلّ الأواصر.
* من مخاطر سوء الظنّ
1- تكفير الآخرين: إنّ أحد أهمّ أخطار سوء الظنّ هو تفسيق الآخرين وتكفيرهم؛ فقد نرى شابّاً متديّناً، خيّراً، ثوريّاً، يُفسّق عالِماً جليلاً بسبب سوء الظنّ، فحينما يظنّ ذلك الشابّ سوءاً بالعالِم الجليل، سيعدّه فاسقاً، ثمّ كافراً، وبعد ذلك يجيز لنفسه قتله. وهذا ليس بالوضع الطبيعيّ، بل يمكن عدّه وضعاً استثنائيّاً ينمّ عن جنونٍ ناتجٍ عن وساوسٍ أدّت إلى سوء الظنّ بالآخرين.
2- نسج القصص: أمّا إذا أساء الرجل الظنّ -والعياذ بالله- بزوجته، فسوف يحيك القصص والحكايات لأجل أن يُرضي نفسه الخاضعة للوساوس الفكريّة.
فقد يسعل أحدهم في الشارع مثلاً، فيقول الرجل لزوجته في داره: إنّ ذلك الرجل يعنيك بسعاله ذاك، وأنا أعرف ذلك، وهذا هو عين الجنون. أو قد يتأخّر الرجل ساعةً فتظنّ زوجته أنّ له زوجة أخرى ذهب إليها. وحينما يرجع، تبدأ بالنواح والعويل! وهذا هو عين الجنون أيضاً.
يُنقل عن أحدهم أنّه قال: "جاء إليّ رجلٌ يحمل وساوس فكريّة مع زوجته التي تحمل وساوس عمليّة"، فالتفتُّ إلى المرأة وقلت لها: "أيّتها السيّدة! إذا سمعتِ وأطعت كلامي لمدّة ستّة شهور، ستخرج تلك الوساوس من قلبك، وإلى الأبد بعون الله تعالى".
وما إن أنهيتُ عبارتي تلك، حتّى قام زوجها ممتعضاً، تاركاً معالجته التي جاء من أجلها. وبعد مدّة قصيرة، اتّصل بي هاتفيّاً ليقول: "لقد أدركتُ مغزى كلامك لزوجتي، كنت تقول لها بالإشارة اطلبي الطلاق من زوجك لأتزوّجك، وبعد ستّة أشهر، ستشفين ممّا أنتِ فيه"!
3- بروز الاتّهامات: إنّ سوء ظنّ الرجل بزوجته، وسوء ظنّ الزوجة بزوجها، يبعث على تبادل الاتّهامات بينهما، فترى الرجل -على سبيل المثال- يتّهم زوجته بالسرقة حينما يفقد مبلغاً معيّناً، قد يكون استخدمه في شراء حوائج خاصّة به. وقد يتطوّر الأمر لأن يسيء الظنّ بعفّتها: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ (الإسراء: 36)، ﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ (الفتح: 12).
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنّن بكلمةٍ خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً"(1).
جاء في الأخبار أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى الكعبة وقال: "(...) الله حرّم منك واحدة [الكعبة] ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظنّ به ظنّ سوء"(2).
4- استفزاز الآخر ليعمل العكس: كانت إحدى النساء تُسيء الظنّ كثيراً بزوجها، فجاءها ذات يوم ليخبرها أنّه وجد عملاً إضافيّاً لمدّة ساعتين في اليوم، عملاً إضافيّاً من أجلها، يقول: "وبعد انتهاء عملي، حملت بعض الطعام اللذيذ الذي قُدّم لي في مكان عملي إلى منزلي؛ لأتناوله مع زوجتي وأطفالي، وكنت حينها متعباً جدّاً.
طرقت الباب، وإذا بزوجتي تفتح لي وتقول بغضب شديد: اذهب إلى تلك التي قضيت معها أوّل الليل، فقلتُ لها: سمعاً وطاعة، فرجعت إلى الفندق الذي أعمل فيه عملاً إضافيّاً لأتناول عشائي وأبيت فيه إلى الصباح. وفي اليوم التالي، ذهبتُ لاستئجار دارٍ بعد أن أوصيت هذا وذاك من أجل العثور على زوجةٍ جديدةٍ، ولم يمضِ يومان حتّى وجدت من أضحت زوجةً ثانيةً لي، رجعت إلى منزلي القديم لأقول لزوجتي الأولى: من الآن فصاعداً، سأبيتُ ليلة هنا وليلة عند التي طردتِني إليها، وإذا لم يعجبك الأمر، فسأمضي ليلتين هناك، وليلة هنا". ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام: 121).
5- تدمير حياة الآخرين: لو رأت امرأة شابّاً دخل إلى البيت المجاور على سبيل المثال، عليها أن تظنّ خيراً، وتقول: "إنّ ذلك الشابّ هو أحد أرحام جارتنا فلانة". أمّا إذا تجسّست، وأخبرت هذا وذاك، وجمعت الناس على دار جارتها، قد يفهم زوج تلك السيّدة خطأً أنّ زوجته أساءت إلى دينها وعفّتها، فيطلّقها، وما إلى ذلك من البلايا التي تصدر عن التجسّس على الآخرين.
* الإثم والعقاب لصاحب الظنّ السيّئ
لسوء الظنّ عواقب تنعكس مباشرةً على صاحبه أوّلاً، ومن ثمّ على الشخص الذي أُسيء إليه.
إذا أساء الرجل الظنّ بعفّة زوجته مثلاً، فقد كسب إثماً عظيماً، وإذا ما أثبت حاكم الشرع ذلك، حقَّ له أن يؤدّبه؛ لأنّ ذلك الظنّ السيّئ بالزوجة يبعث على فساد المجتمع، وهو من الكبائر: "إيّاكم والظنّ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا"(3).
وقال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "الرجل السوء لا يظنّ بأحد خيراً؛ لأنّه لا يراه إلاّ بوصف نفسه"(4).
إنّ الذي يؤمن بالله تباركت أسماؤه، لا ينبغي أن يظنّ بالآخرين سوءاً، ولا يتجسّس عليهم، ولا يتحسّس منهم، فقد يتجسّس فرد على جارٍ له مثلاً، فتصل الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه.
* سيّئ الظنّ متطفّل
إنّ بعض من يدّعون التديّن والقدسيّة، يتجسّسون على هذا وذاك، فيذهبون بماء وجوه الآخرين؛ نتيجة سوء ظنّهم وتطفّلهم، ممّا يؤدّي إلى حدوث طلاق، أو نزاع، أو خصام.
وإذا ما سألتَ صاحبنا ذاك الذي تجسّس على الآخرين، لأجابك أنّه لا بُدّ له من أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
أيّها السيّد، إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتمّ بالتجسّس على الآخرين، فلا بأس أن تتعلّم دينك أوّلاً، لتمارس بعد ذلك كيفيّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ (النجم: 28). قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تتّبعوا عثرات المسلمين، فإنّه من تتبّع عثرات المسلمين، تتبّع الله عثرته، ومن تتبّع الله عثرته، يفضحه"(5). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنِّي لم أؤمَر أن أنقّب عن قلوب الناس ولا أشقَّ بطونهم"(6).
* اتّقوا الله
إنّ الأمّة التي يظنّ أفرادها سوءاً بعضهم ببعض، هالكة لا محالة، فلا تُسيئوا الظنّ بإخوانكم وأخواتكم، واتّقوا الله الذي يراكم من حيث لا ترونه.
(*) مستفاد من كتاب: الأخلاق البيتيّة، الفصل الحادي عشر.
1- الكافي، الكليني، ج 2، ص 362.
2- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الطبرسيّ، ص 149.
3- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 390.
4- (م. ن.)، ج 2، ص 1786.
5- الكافي، (م. س.)، ج 2، ص 355.
6- كنز العمّال، المتّقي الهنديّ، ج 6، ص 102.