آية الله الشيخ حسين مظاهري(*)
أن تظنّ الزوجة بزوجها سوءاً، ويظنّ الزوج بزوجته سوءاً، لهو من المخاطر الهدّامة لبنيان الأسرة. والطامّة الكبرى عندما تنتشر هذه الآفة بين أفراد المجتمع، فيصبح الأخير ساحةً لمعارك الأمراض النفسيّة التي قد تفتك به شيئاً فشيئاً!
فما هو منشأ سوء الظنّ؟ وما هي علاماته، ومخاطره، وعواقبه خصوصاً على الأسرة؟
منشأ سوء الظنّ
ينشأ سوء الظنّ من الوسوسة الفكريّة حينما يتسلّط الشيطان على عقل الإنسان، وعندها يصبح هذا الإنسان غشّاشاً متظاهراً منافقاً، وبعبارة أخرى، يصبح شيطاناً إنسيّاً، والشيطان كثيراً ما يستخدم عقله لإيقاع الآخرين في المهالك.
قد يتسلّط الشيطان على قلب الإنسان، وفي هذه الحالة -ومن منظار قرآنيّ- يصبح القلب تابعاً للهوى والهوس؛ ليصبح فاسقاً فاجراً، وعلى حدّ قول القرآن الكريم، يصبح عابداً للشيطان: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (يس: 60).
وقد يتسلّط الشيطان على قوّة الخيال الإنسانيّة، فيوسوس فيها، عندها يسمّى صاحبها بـ"الوسواسيّ"، والوسوسة على قسمين:
1- وسوسة فكريّة: أي عندما يتسلّط الشيطان على القوّة الخياليّة، يتمكّن من تمرير أفكاره الباطلة إلى العقل الإنسانيّ.
2- وسوسة عمليّة: وهي المعروفة بين المقدّسين الذين يُفرطون في تطهير أنفسهم، ولا يظنّون أنهم تطهّروا. وإذا ما كانت القضيّة مرتبطة بالعمل، ظهرت على الإنسان أعمال تدلّ على عدم اطمئنانه من نفسه، أو من الآخرين، أو حتّى من المياه والشجر والحيوانات.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لمّا نزلت هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ (آل عمران: 135)، صعد إبليس جبلاً بمكّة، يقال له (ثور) فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا، لمَ دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لستَ لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لستَ لها، فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها، قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها"(1).
علامات الوسوسة
1- الضرب بالخيال: إنّ للوسوسة الفكريّة أخطاراً كثيرة، من جملتها الضرب بالخيال، حيث نرى أنّ بعض الناس، وبسبب ذلك الضرب، لا يرون أنفسهم أو غيرهم إلّا مسيئين؛ لأنّهم بعيدون عن رؤية الصفات الحميدة في أنفسهم أو في الآخرين؛ وذلك لأنّهم يبحثون دائماً عن عيوبهم، وعيوب أصحابهم، ومجتمعهم، وهنا تكمن الخطورة.
إنّ الفرد الذي يشعر بالوضاعة والانحطاط، لا يمكن أن يرتقي أو يسمو. والضارب في الخيال أحد الذين يشعرون بالحطّة والوضاعة، ومثل هؤلاء الأفراد كمثل الذباب، لا يستطيع العيش في حديقة غنّاء؛ لأنّه يفضّل العيش في مزبلة قذرة. وبناءً على ذلك، نوصي الزوجات بعدم الولوغ في الضرب في الخيال؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى عدم رؤية حسنات أزواجهنّ.
وأنتم أيّها الأزواج أيضاً! حاولوا دائماً ملاحظة حسنات نسائكم لا سيّئاتهنّ، وكونوا كالبلابل التي تحبّ الجلوس على الأغصان المُورقة، ولا تكونوا كالذباب الذي يبحث عن القيح والجروح النازفة والمزابل القذرة.
إنّ بعض الأشخاص غير أوفياء؛ فلو عاش أحدكم بسعادة بالغة مع امرأةٍ له، ثمّ صرخ في وجهها يوماً، تناست كلّ تلك الأعمال السعيدة التي عاشتها إلى جانب زوجها.
أمّا هذه المرأة التي تعمل ليلاً ونهاراً من أجل زوجها وأبنائها، ولم يظهر منها شيء سيّئٌ على مدى سنين طوال، إذا امتنعت يوماً عن تنفيذ إرادة لزوجها، نسيَ كلّ شيء، وأمسك بهذا الامتناع فقط، وعندها تراه يتغيّر ويغدو كالسبُع الضاري، وهذا ما يدلّل على وفاء بعض الأشخاص النسبيّ.
2- الكسل والخمول: من الآثار الأخرى للوساوس الفكريّة الكسل والخمول.
إنّ بعض الشباب يركّز على هذا السؤال دائماً: من أجل ماذا خُلقنا؟ إنّ منشأ هذا السؤال هو الوسوسة الفكريّة التي تُتْعِبُ الإنسان، وتجعله خاملاً كسولاً لا يقوى على شيءٍ مفيد ونافع. والجدير بالذكر أنّ الأفراد الذين تتفاقم عندهم هذه الحالة، لا يقتنعون بأحاديث العلماء والمثقّفين والواعين؛ بسبب وجود تلك الأفكار التافهة، ولذا تراهم يقولون في أغلب الأحيان: لو أنّنا لم نُخلق، لكان ذلك أفضل!
3- تضخّم سوء الظنّ: وهو سوء الظنّ الدائم، والاتّهام الدائم لكلّ أحد؛ أي سوء الظنّ بمن في البيت، وبمن في المجتمع، ومن ثمّ سوء الظنّ بالله -والعياذ بالله-، وبالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبالكتاب، وبالأئمّة الأطهار عليهم السلام، وعندها يكون الإنسان كافراً بسبب سوء ظنّه ذاك، الناتج عن الوسوسة الفكريّة.
إنّ سوء الظنّ من الشيطان، والشيطان لا يقنع بالقليل، على الرغم من أنّه يشرع بالقليل حتّى يصل بالبشر إلى الدرك السابع من جهنّم، وعندها يسخر منهم ويقول: ما الذي جاء بكم إلى هنا؟
أعطِ العقل فرصة
يقول أحد الكتّاب: عندما استيقظتُ صباحاً في أحد الأيّام، حيث كنتُ حينها قلقاً وخاملاً، فقلت: يا الله، يومٌ آخر، وصباح آخر! ومن ثمّ نظرتُ أمامي لأرى على منضدتي صحيفةً قديمةً، كان فيها موضوعان متناقضان وعجيبان.
الأوّل: انتحار شخص، وكانت طريقة انتحاره غريبة جدّاً؛ إذ كانت معدته مصابةً بالقرحة، فأراد استخراج معدته تلك التي كان يتألّم منها على مدى سنين طوال، فشقّ بطنه بسكّين حادّ، وهو يقول لمعدته: أريد أن أعيش دقيقة واحدة دونك! وبعد دقيقة واحدة فارق الحياة!
أمّا الموضوع الثاني، والذي كان مناقضاً للموضوع الأوّل، هو مقالة لإحدى السيّدات، جاء فيها: الحمد لله في كلّ صباح، الحمد لله الذي جعلني أستفيق من نوم عميق، لأستقبل يوماً جديداً بكلّ نشاط، والحمد له على نعمة العمر التي حبانا إيّاها؛ لنتمكّن من استقبال الأيّام المتتالية.
يقول هذا الكاتب: أطرقتُ قليلاً لأفكّر بدافع انتحار ذلك الرجل، ونشاط تلك المرأة، وخمولي وكسلي، فلم أرَ منشأً لذلك غير الوساوس الفكريّة، التي تحصل على أثر التعب الشديد، وعدم إعطاء فرصة جيّدة للعقل ليفكّر بشكلٍ أفضل.
أمّا ما هي مخاطر سوء الظنّ وعواقبه؟ هو ما سنتعرّف إليه في العدد المقبل بإذن الله.
(*) مستفاد من كتاب: الأخلاق البيتيّة، الفصل الحادي عشر.
1- الأمالي، الصدوق، ص 551.