نهى عبد الله
ما إن غادر بوابة المطار حتى شعر أنّه خرج من ضجيج العالم إلى فسحةٍ من الزمن القديم. لفحه هواءٌ دافئٌ، عابقٌ برائحة التراب النديّ ممزوجاً برائحة البحر.
نظر من خلال نافذة السيّارة، متأمّلاً الطريق الذي يمتدّ وعلى جانبيه أشجار الطلح والسَّنط. السيارات هناك تمضي بلا عجلة، والناس في وجوههم تعلو ملامح البِشر والرضى على كلّ تعب. شعر في زيارته الأولى لليمن، أنّه يعرف هذه الأرض ويألفها، وبلهجة مليئة بالثقة سأل الشاب الذي أقلّه من المطار: من أوّل شخصيّة سأقابلها؟ وبعفوية مزهوّة بابتسامة أجابه الشاب اليمنيّ: «مدري!».
طقطق الزائر أصابعه بحماسة وأخذ يتحدّث عن الشخصيّات المرموقة التي أجرى معها حوارت صحفيّة، وسأل الشاب: ألن يكون ضمن المجموعة التي سألتقيها القائد الفلانيّ؟ ضحك الشاب وأجابه: «مدري»، لم تقنعه الإجابة: «ألا يجدر ذلك؟ ألم يؤكّدوا أسماء الشخصيّات بعد؟» ولكنّه أخذ الجواب نفسه «مدري!». أدرك أنّه يتحدّث مع شخص وظيفته لا ترتبط بالبرنامج المقرّر؛ لذلك غضّ نظره وسأله عن اسم الفندق الذي سيوصله إليه، لكن الشاب أعطاه الجواب نفسه، استفزّه هذه المرّة: «عفواً؟! كيف لا تدري؟ إلى أين نحن ذاهبان؟»، نظرة الشاب اللطيفة هدّأته، أجابه: «الآن مدري، ننتظر».
وصلا إلى مبنى يشبه مباني صنعاء البُنيّة، الموشّاة بنقوشٍ بيضاء تشبه تشابك الدانتيل فوق النوافذ والشرفات. دخلا ممرّاً صغيراً، طلب منه الشاب أن يترك هاتفه حيث أشار، ثمّ دخلا إلى غرفة ومنها إلى أخرى، عندها تحدّث الشاب بطلاقة وراجع معه برنامجه بدقّة، فاستنكر عليه صمْته خلال الطريق، ضحك الشاب ووضع يده على أذنه تلميحاً للهاتف، وقال: «كان معنا ثرثار ذكيّ». ثمّ عرّفه إلى شاب آخر سيرافقه بضع ساعات، سار معه قليلاً وصعدا الدرج، فسأله: «أي طابق؟»، ابتسم المرافق، وأجابه: «مدري!».