الشيخ علي ذو علم
"وما أعمال البِرِّ كلِّها والجهاد في سبيل اللَّه عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثةٍ في بحرٍ لجّيّ"(1). ما هو العمل الذي يمتلك قيمةً وأهميةً أكبر من بين أعمال البِرّ؟ وما هو المعيار الذي يمكن على أساسه أن يحدّد هويّة عمل الخير ليقوم باختياره؟ هذا ما يبينه لنا أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه المتقدّم. لا شكّ أن حسن العمل خاضع للآثار الإيجابية التي تترتب عليه. أما هذه النتائج الإيجابية فقد تكون ذات أبعاد فردية تؤدي إلى ترسيخ الإيمان والتقوى عند الشخص وتساهم في السمو المعنوي لديه وقد تكون لها أبعاد اجتماعية حيث تساهم في نجاة البشر من المشكلات المعنوية والمادية وتهيئ الأرضية اللازمة لسعادة الأفراد.
* أفضل الأعمال
يبيّن إمام المتقين عليه السلام في عبارته أن أفضل الأعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بل يصف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبحر العظيم. وأما باقي الأعمال ومن جملتها الجهاد في سبيل اللَّه فهي عند المقايسة مع هذا البحر ما هي إلا كنفحة تخرج من الفم. فلا مقارنة أو نسبة بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجميع أعمال البر الأخرى.
* حياة للمجتمع
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قوام حياة المجتمع. والشخص الذي لا ينهى سواء بلسانه أو بقلبه أو بعمله هو كالميت بين الأحياء، لا بل هو من المحرومين من الحياة الحقيقية، لأن من يقوم بهذا العمل يفترض به أن يكون قد أدى كافة أنواع البِرّ والخير الأخرى. ولكن إذا لم تكن زينة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيةً في المجتمع الإسلامي فإن أعمال البر الأخرى ستزول الواحدة بعد الأخرى وتشيع الأعمال القبيحة والسيئة بالتدريج بين أفراد المجتمع. ويختص هذا العمل من بين جميع أعمال البِرّ الأخرى بأنه يلعب دوراً أساساً في مستقبل المجتمع وأجياله. قد لا تؤدي الغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى حصول نتائج سلبية في المنظور القريب في الظاهر ولكن من دون شك فإن هذا الأمر سيترك آثاره السلبية على مستقبل المجتمع بالتدريج حيث تزول القيم والأعمال الصالحة لتحل مكانها الأمور السيئة غير المطلوبة.
* التعاون هو الأساس
في الأساس إن من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بدّ وأن يكون أهلاً لذلك وإلا لن يتمكن من دعوة الآخرين إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الأشخاص الذين ليسوا أهلاً لهذا الأمر فسيكونون محل لعن اللَّه سبحانه وتعالى عدا عن أن عملهم لن يكون له أي أثر مفيد. ويلزم من هذا الأمر أيضاً أن يكون الشخص من العاملين بالمعروف والتاركين للمنكر فعلاً حيث يلعب هذا الأمر دوراً هاماً في القيام بهذه المهمة والمسؤولية الإلهية. من جهة أخرى يفترض بالمسلم والمسلمة تقبل أمر أو نهي المسلم الآخر، لا بل عليهما أن يعتبرا ذلك نوعاً من الهدية على أساس أن أفضل الأصدقاء هو من أهدى عيوب صديقه إليه. وهنا يبرز الدور الهام لجميع أفراد المجتمع في الحفاظ على سلامة بعضهم بعضاً من منطلق الرحمة والرأفة فيكون التعاون هو الأساس الذي تتحرك على هديه إرشاداتهم المتبادلة.
(1) نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 4، ص 89، حكمة 0374.