مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: المعلم.. تكريمه أداء حقه

تحقيق: يمنى المقداد الخنسا



يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (الزمر: 9) منزلة عظيمة خصّ الله تعالى بها العلم والعلماء والمعلّمين والمتعلّمين على حد سواء، فضلاً عن أجمل الكتب والقصائد التي سطّرها كبار الشعراء والأدباء نثراً وشعراً عنهم.  ويأتي عيد المعلم في التاسع من آذار من كل عام ليكون يوماً تكريمياً لمن نستودع فلذات أكبادنا أمانة بين يديه فيعتني بها كبستانيّ يهتمّ بغرساته.

هو صانع الأجيال ومعلّمٌ لمن غدا طبيباً ومهندساً وقائداً ومجاهداً في مجتمعه. ربما لن نضيف جديداً مهما تغنّينا بدور المعلّم وعطاءاته، لكن الجديد هو ما سيضيفه المعلّم نفسه في تحقيق يعبّر من خلاله عن هواجسه وطموحاته وأحلامه، فماذا يقول المعلّمون في عيدهم؟


* الحياة الكريمة
"مهنة التعليم هي من اختارتني فأمي معلمة وخالتي كذلك"، سببٌ دَفَعَ سها الكيال (30 سنة، معلمة لغة أجنبية، منذ 9 سنوات) لامتهان التعليم معتبرة أنه رسالة وهدف وعطاء. لكن تبقى لهذه المهنة برأي سها متاعبها، فالمعلم يتعاطى مع أطفال ذوي طباع وسلوكيات مختلفة إضافة إلى تأثر الطفل الشديد بما يتلقّنه من مضار وسلبيات عبر التلفاز والانترنت مما يسبب أزمة كبيرة للأهل والمعلمين معاً.  وعمّا تراه سها تقديراً حقيقياً لها في عيدها تقول: "سعادتي الحقيقية هي عندما أنجح في تحسين المستوى الدراسي لطالب ضعيف في المادة التي أدرّسها، على الأقل"، خاتمةً كلامها بأملها إصدار قوانين تضمن للمعلمين حياة كريمة كزيادة الأجور وتأمين المساعدات لهم.

* الاهتمام بالشيخوخة
يتحدث الأستاذ حسين طالب (57 سنة، أستاذ رياضيات، منذ 34 سنة) وبشغف عن مهنة التعليم قائلاً: "أحب التعليم كثيراً، وهي مهنة تحتاج إلى مواصفات وقدرات خاصة كالصبر والمطالعة والتثقف الدائم وهي معيار نجاح المعلم".  وأفاض الأستاذ حسين، المخضرم في التعليم، في الحديث عن الفروقات بين الجيل الحالي والسابق فهو يرى أن الإقبال على المطالعة قد قلّ كثيراً وتمّت مقايضته بالبحث عبر الانترنت، كما ضعفت سلطة المعلم وهيبته مضيفاً: "كنا نخاف ونجلّ معلمينا أكثر مما يفعل هذا الجيل". وفي السياق ذاته أخبرنا الأستاذ حسين أنه يلتقي أحياناً بتلامذة له قد تبوّؤوا مراكز مهمة، عنهم يقول: "أشعر بسعادة كبيرة عندما أرى بعض طلابي قد أكملوا دراستهم وهذا هو التقدير الحقيقي بالنسبة لي".  ويتمنى الأستاذ حسين في عيده أن يتمّ الاهتمام أكثر بتطوير الجهاز التعليمي في المدارس الرسمية والمجانية وتحديث أجهزة المختبرات فيها، آملاً في الختام أن تتمّ رعاية المعلم عندما يتقدّم في السن وأن يُصار إلى الاهتمام بشيخوخته كي يمضي خواتيم عمره معزّزاً مكرّماً.

* أحلم أن لا تُنثَر أوراقنا
تعتبر ابتسام دياب (38 سنة، معلّمة لغة عربية منذ 17 عاماً) أنّ عيد المعلم هو قيمة بحدّ ذاته وأنّه يوم لإبراز وتفعيل واحترام وتعزيز هذه القيمة لتعريف التّلميذ أهميّة العلم والمعلّم، مضيفة: "الحمد لله إذ وُجِد هذا العيد وهو يوم لا يجب أن نغفل فيه عن المعلم الأول رسول الله صلى الله عليه وآله الذي نقل الناس من الجهل إلى العلم، فالتعليم ليس مجرّد أحرف أو كلمات وإنّما هو بما يخلّفه المعلّم من أثر في المتعلّم. وتعتبر ابتسام أن التّقدير الحقيقي للمعلّم يكون باحترام دوره ورسالته مضيفة: "إنّ أجمل اللحظات بالنسبة إليّ هي عندما يبرع تلاميذي في القراءة والصياغة والكتابة أي عندما أحصل على ثمرة عطاءاتي".

* التعليم رهين الظروف الماديّة
"يفرح المعلّم في عيده عندما يشعر أن نتيجة زرعه مثمرة والثمار تكون بالطلاب الذين يكملون دراستهم" بهذه الكلمات يتحدث المشرف التربوي نجيب عواد (57 سنة، كان مدرساً لمدة 15 عاماً) عن معنى عيد المعلم، معتبراً أنّ المحزن هو أنّ التعليم الجيّد غير متوفر لجميع الناس في لبنان؛ فهناك مدارس مجهّزة بأحدث البرامج التعليمية لكنها مكلفة للأهل مادياً. كما يُحيل انتشار ظاهرة التسرب المدرسي في المجتمعات الفقيرة إلى أنّ المواطن فيها لا يعتبر أنّ تعليم أولاده أولوية بالنسبة إليه، وهذا ما يجعل التعليم رهينة ظروف الإنسان المادية.

* عيده في إعادة الاعتبار إليه
أما الدكتور الفاضل الكثيري (مشرف تربوي ومؤلف) فيرى أن مهنة التعليم هي مفتاح لبداية الرسالة الإنسانية النبوية. وعن سبب اختياره لها يقول: "اخترتها لأخذ دور في أداء مهمة الهداية التي جاء بها الأنبياء، فالعلماء هم ورثة الأنبياء".  وعن الصعوبات التي تجتاح هذه المهنة، يتساءل: "من أين للمعلم أن يواكب المرحلة التربوية الجديدة فيشتري كتباً وأقراصاً وموسوعات ويطالع ويبحث وهو يرزح تحت حالة من الوهن الاقتصادي والغلاء المعيشي؟"، معتبراً في المقابل أنّ اهتزاز صورة المعلّم أمام الطّالب في هذه الأيام يعود إلى أنه لم يعد نموذجاً يحتذى به، فالأستاذ كان، في السابق، مميزاً في كل شيء أمّا اليوم فهو مثقل بهمومه المعيشيّة، والطالب يحترم النموذج ولا يحترم الصورة الأقل. أما عن تقييمه لعيد المعلم فيرى الدكتور الكثيري أنها فكرة نبيلة جداً مع أنها في الأساس فكرة رأسمالية، مضيفاً: "إن الفكرة الإسلامية لهذا العيد تكرّم المعلم على الدوام باعتباره خليفة الله ووارث الأنبياء ولأنه المكمّل لمسيرتهم التعليمية. انطلاقاً من هذا، فهل يختصر عيد المعلّم في يوم واحد؟". 

وفي ختام كلامه تمنى الدكتور فاضل أن يكون في عالمنا العربي نماذج كالمعلّم العظيم الإمام الخمينيقدس سره بقوله: "الإمام الخميني قدس سره كان معلّماً وحوزوياً ولكنه استطاع أن يصنع انقلاباً عظيماً ويحوّل الجمهورية الإيرانية من استبداديّة تمشي في ركاب الغرب إلى إسلاميّة تمشي في رحاب الإسلام".

* التربية قبل التعليم
تعتبر فاتن رواس (40 عاماً، معلمة لغة عربية منذ 16سنة) أنّ دور المعلّم هو التربية قبل التعليم وذلك من خلال مساعدة التلميذ على تحديد أهدافه، وتعليمه كيفية تيسير أموره وتخطّي الصعوبات، وتنمية طاقاته وتحفيزه، وكذلك الاهتمام به ومتابعته سلوكياً داخل وخارج المدرسة.  أمّا عن تكريم المعلم في عيده فيُمكن أن يكون ذلك في مناسبة ومن خلال إقامة احتفال رمزيّ له وشكره على جهوده وإنجازاته وليس أكثر.

* أحلم أن يتعلّم كل أطفال لبنان
تصف أحلام صبّاغ (32 سنة، معلّمة علوم ورياضيّات منذ 12 سنة) التعليم بقولها: "التعليم هو من أسمى المهن وهو رسالة نبيلة جداً وليس فقط مصدراً لتحصيل المال كما يعتبره بعض الناس". وتضيف أحلام أنّ من واجب المعلّمة أن تتعاطى مع طلّابها كأم ومعلمة في الوقت نفسه؛ فتعطيهم العاطفة والحنان من جهة وتكون صارمة فيما خصّ دراستهم من جهة أخرى.  أما عن رؤيتها لعيد المعلم فتقول: "عيدي هو في محبة طلّابي لي. وأشعر بسعادة كبيرة عندما يحتضنني الأطفال فأشعر أنهم يعبّرون لي بذلك عن شكرهم وتقديرهم لجهدي تجاههم".  

ولأحلام أمنيات كثيرة في عيدها فهي تأمل بأن يكون هناك اهتمام أكبر بوضع المرأة العاملة من خلال تأمين ضمان صحي واجتماعي لها، وعلى صعيد الطلّاب تحلم بأن يتعلّم كل أطفال لبنان وأن لا يضطرّ بعضهم للعمل في سنّ مبكرة وكذلك العمل لحمايتهم من التّسول والتشرّد في الشوارع، وتضيف أنه لا بد من الاهتمام بزيادة المراكز الخاصة بالأطفال الذين يعانون صعوبات تعلّمية من خلال تخفيض التكاليف المادية.  ولتكريم السائرين على دروب العلم طلاباً ومعلمين لن نجد أبلغ وأعظم وأجمل من هدية معلم البشرية جمعاء رسول الله محمد صلى الله عليه وآله لهم، حين قال: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله له طريقاً إلى الجنة" (1).


(1) منية المريد، الشهيد الثاني، ص 107.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع