مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

سُبل لمواجهة التطبيع

حسين عمّار

 



عدوّك يعلم أنّك لن تجيب بـ"لا" عندما يعترضك مثل هذا السؤال: "هل هذا العمل يُعَدّ تطبيعاً؟"، أو على الأقلّ، فإنّ ذلك لن يكون سهلاً.

لذا، فهو لا يريد منك أن تقول: "لا"، يكفيه أن تسأل نفسك: "لماذا نعم؟". هذا السؤال، فيما لو تكرّر، قادرٌ على تحطيم حصونك مرّةً بعد مرّة. مع الوقت ستزداد قناعتك بجدوى السؤال، كن على ثقةٍ بأنّك ستجد لنفسك الذريعة المناسبة لطرحه، إمّا لأنّك لا تريد أن تكون تابعاً أعمىً، أو لأنّك تريد أن تأخذ مواقفك عن وعي وتبصّر، أو قد تقنع نفسك بعدم وقوع الضرر من ذلك السلوك الذي يدور السؤال حوله. سيأتيك وسواسك من النافذة الولائيّة التي لا تحتمل أدنى خطرٍ منها!

•خطوات المواجهة
السؤال لا مشكلة فيه بالأصل، بل قد يكون مطلوباً، لكنّ المشكلة الحقيقية ستقع فيما لو وجدت نفسك وسط المعركة دون سلاحٍ تقاتل به ودرعٍ تحمي به نفسك؛ لذا، هذا ما ستحتاج إليه من الآن فصاعداً:

1- اعتبر التطبيع همّاً ثقافيّاً وأخلاقيّاً ذا أولويّة عالية
إنّ المانع الأوّل من التخلّف عن الزحف هو الهالة التي أُحيط بها هذا الذنب العظيم، فترى الفرد منّا يجزع لمجرّد تخيّل أنّه فكّر في الأمر. التطبيع كذلك، مطبّعٌ جاهلٌ داخل مجتمع المقاومة أخطر عليه من عدوٍّ صريحٍ خارجه. طبعاً، أنت لن تفعل ذلك عن سابق علم، لكنّ مهارة العدوّ في التزيين والالتفاف ومهاجمته إيّاك من الباب الخلفيّ، تجعلان رفع أولويّة خطر التطبيع أولويّةً في حدّ ذاتها.

2- امتلك مقوّمات التشخيص الصحيح
للتطبيع أوجهٌ عديدة ومصاديق عدّة، منها السياسيّ، والإعلاميّ، والثقافيّ، والاقتصاديّ، وغيرها. قد تجد أنّ معظمها ليس مورد ابتلاءٍ لك، لكن لا بأس من اطّلاعٍ بسيطٍ على كلّ جانبٍ من تلك الجوانب، فإنّ ذلك يمنحك أرضيّةً صلبةً تساعدك في تشخيص ما يعنيك أنت.

والأهمّ من ذلك هو إدراك خطورة التطبيع وتأثيره على مسار المعركة الكبرى، وهذا ما لا يمكن اختصاره في جملة أو اثنتين.

3- الإحاطة الكافية بساحات المواجهة
إنّ ما ينتشر في الإعلام هو رأس جبل الجليد الذي يختفي الجزء الأكبر منه تحت الماء؛ بمعنىً آخر، لا تكتفِ بما يعرفه غيرك، إذ إنّ مصادر المعلومات المفتوحة على الإنترنت متاحةٌ للجميع، فابحث فيها، اقرأ ثمّ اقرأ ثمّ اقرأ.. إن كنت ممّن يكرهون الكتاب فهناك البديل، هاتفك بين يديك طول النهار ونصف الليل، أو نصف النهار ونصف الليل على أقلّ تقدير، هذا الجهاز هو أضخم مصدرٍ للمعلومــــــات، لا تستخدمـه للّعب فقــط، ابحث في المقالات والمدوّنات، خذها على مسؤوليّتي: ستجد أشياء ستتعجّب أنّها ليست متداولة، أشياء سيهمّك كثيراً أن ترسلها لمعارفك عبر الواتس آب أو أن تنشرها عبر الفايسبوك. بماذا قد يفيدك ذلك؟

عند إثارة أيّ موضوعٍ جدليّ لدى الرأي العامّ، سيكون لديك الجواب الفصل، الجوانب المخفيّة التي لم يلتفت إليها الكثيرون، ستفهم أكثر لماذا يختلف تشخيص القائد عن تشخيصنا في الكثير من الأحيان!

4- امتلك الأدلّة والشواهد
إذا قيل لك: "المؤسّسة الفلانيّة مطبّعة، قاطع منتجاتها"، لن تفكّر في الموضوع، وإذا كنت مستهلكاً من الدرجة الأولى لتلك المنتجات، فإنّك لن تكترث على الأرجح. أمّا لو وصلتك صورةٌ أو مستندٌ يثبت تورّط تلك المؤسّسة في التطبيع، فلن تفكّر كثيراً.

لاحقاً، من الجيّد أن تكون أنت من يجد هذه الوثائق وينشرها.

5- عدم الاستهتار بحجّة سلوك العوامّ
بمعزل عن الجدوى، إنّها قضيّة مبدأ، أن تكون شبيهاً بأحلامك، ومشروعك، وأهدافك. لو تساهل أهل الأرض جميعاً، عليك أنت أن لا تركن إلى الراحة، طريق الحقّ كثير الوعورة، والإنسان بطبعه ماهرٌ في إيجاد المبرّرات لتقصيره.

مواجهة التطبيع ليست خياراً، إنّها ضرورة يا عزيزي!

•سلاح المقاطعة
بعد تحقّق المرحلة الأولى من المواجهة، ألا وهي الوعي والإدراك، لا بدّ من خطوات عمليّة تسهم في تشتيت موجة التطبيع وتكسيرها، ثمّ القيام بهجماتٍ مضادّة كخطوةٍ متطوّرة.

نتكلّم هنا عن المقاطعة، وهي السلاح الفعّال بعكس ما يروّج له الكثيرون، سواء عن قصد أو عن غير قصد. وللعلم، فإنّ "إيباك (1)"AIPAC وباقي مؤسّسات اللوبيّ الصهيونيّ في الولايات المتحدة الأميركية تصنّف حملة المقاطعة العالميّة (2)"BDS" كألدّ أعدائها، وتعمل على ضربها دون انقطاع. لم يأتِ ذلك من فراغ، الأمر متعلّقٌ بالتأثير الذي تحدثه "BDS".

•وسائل التضليل
تقوم لعبة التطبيع في إحدى أخطر أدواتها على إخفاء الحقيقة عن أعين الجماهير، حيث تعمد الجهة المطبّعة من أجل تمرير نشاطها إلى خلق مبرّراتٍ وذرائع واهيةٍ، لكن ذكيّة؛ كأن تقوم باعتماد ساترٍ مقنعٍ وجذّابٍ، وتقوم في الوقت نفسه بمنح الجمهور الحجج والأسباب لعدم الوقوف عنده حتّى لو لم ينخرطوا به.

سنأخذ بعض الأمثلة لتوضيح ذلك:
1- فيلم "القضيّة 23":
عن فيلم "القضية 23" لأحد المخرجين المطبّعين، والذي تمّ تصويره في فلسطين المحتلّة، يقول المخرج حرفيّاً: "أمّا بخصوص مكان تصوير الفيلم، فأنا أتساءل مَن له الحقّ في أن يقرّر عنّي أين سأصوّر الفيلم؟ هذا موضوع فنّيّ بحت لا علاقة لأحد به، يمكنهم مناقشتي بالموضوع لا بمكان وضعي الكاميرا. اللجنة شنّت حرباً عليّ، وظنّت أنّها انتصرت؛ لأنّها تمكّنت في العام2012م من إيقاف فيلم "الصدمة"، وأنا اليوم أتساءل: هل بإيقاف الفيلم تمكّنتم من إيلام إسرائيل أو تحرير شبرٍ من فلسطين؟".

المفتاح الذي نبحث عنه في دفاع المخرج عن نفسه يكمن فيما يلي: لقد حوّل النقاش إلى نقاشٍ تقنيّ فنّي؛ أي أنّه سلب عن المشكلة صفتها الأساسيّة، ثمّ إنّه سعى للتقليل من جدوى الاعتراض على الفيلم، وهو بذلك لا يهدف إلى رفع الاعتراض اليوم، بل يمهّد لأي عملٍ مشابه في المستقبل.

2- حساب "المتحدّث بلسان جيش الدفاع الإسرائيليّ للإعلام العربيّ":
بمجرّد أن تتفاعل بأي شكلٍ من الأشكال مع هذا الحساب، فقد اعترفت بالصفة التي يمثّلها؛ أي أنّك قد صادقت على حقّ الكيان الصهيونيّ بامتلاكه جيشاً يدافع به عن نفسه؛ هذا أوّلاً. ثانياً، هذا التواصل يعني ببساطة أنّك تجلس مع قاتلك على طاولةٍ واحدة، حتّى لو كنت تشتمه، وهذا ما يريده! أفيخاي أدرعي يريد منك أن تدخل إلى حسابه، أو أن تشير إليه، وأن تشتمه وبقـــوّة أيضاً.

3- صور المجنّدات الإسرائيليّات:
بمعزلٍ عن الجـــانب الشرعيّ فيما يخصّ نــــشر صورة امرأةٍ والانسحاق الغرائزيّ المرافق لذلك، حديثنا الآن عن التطبيع. هذه "الجميلة" هي جزءٌ من أداة القتل التي تعمل ليلاً نهاراً في جسد الأمّة العربيّة والإسلاميّة!
عزيزي المتديّن، يسرّني إعلامك أنّ العدوّ يرمى بصورته الجذّابة على الحافّة أمامك كي ترى فيه شيئاً "جميلاً"، إنّه يخطّط على المدى البعيد لنزع صفة "شرّ مطلق" التي زرعها الإمام الخمينيّ قدس سره عنه في رأسك.

سابقاً، كان العدوّ يضع نساءه عارياتٍ على الدشم كي يصرف المقاومين أعينهم عن رصده. غداً، قد يعمد العدوّ إلى نشر صور نسائه عارياتٍ على مواقع التواصل ليجذب أعين شبابنا إلى "جماله". هكذا تُخان عهود المقاومة، فاحذر! وتحصّن...

•مسؤوليّة جامعة
إنّ ما نحتاج إليه لمواجهة التطبيع هو صناعة موجةٍ شعبيّةٍ قادرةٍ على إيقاف أيّ نشاطٍ تطبيعيّ قبل وقوعه أو خلاله، موجةٍ غير قابلةٍ للتّشتيت، تعرف هدفها، وتصوّب عليه بدقّة.

من يتملّكه الخجل في التصدّي لمواقف كهذه هو مقصّر، ومن يرَ نفسه مجاهداً بالقدر الذي يغنيه عن خوض معارك كهذه فليراجع نفسه، ومن يعتقد أنّ هذه مسؤولية "المثقّفين" وحدهم، وأنّه من أهل السلاح، فليقرأ سيرة بشير علويّة، ومحمّد جوني، وباسل الأعرج، ومرتضى آويني، وليعتبر... إنّ الثقافة هي الكتف التي تستند إليها البندقيّة، وأكثر من نحن بغنىً عنه هو كتفٌ رخوة.


1.AIPAC: American ISRAEL Public Affairs Committee.
2.BDS: Boycott, Divestment and Sanctions.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع