آية الله مظاهري
من الشروط الأخرى التي يجب أن يلتزم بها المجاهدُ في سبيل الله تعالى أينما كان "في الجبهة أو أي من المؤسسات الثورية" هي طاعة القيادة والمسؤولين.
وهذا الأمر ضروري في حفظ النظام وهو واجبٌ شرعي أعلنه الإسلام. وقد أوضحته الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بما فيه الكفاية وبجلاء، كما أن العقل يحكم بوجوب طاعة المسؤولين والقيادة في النظام الإسلامي ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر مِنكم﴾.
إن التمرد على القيادة الشرعية وعدم طاعتها يدلُّ على الأنانية والتعصب، وفي علم الأخلاق، إحدى طرق بناء الذات هو أن ينمي الإنسان في نفسه روح التسليم للحق سبحانه وتعالى. فالانتقادات غير الصحيحة، وتوهين القادة والمسؤولين وإثارة الشائعات، وتوجيه الاتهامات كلها تعتبر ذنوبٌ عظيمة وهي أمر محرم جداً.
إن أول عمل حققه الإسلام في بداية ظهوره كان انتخاب المسؤول والقائد. وقد نُفذ هذا الأمر على يد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكّر بمستقبل أمّته بعده وأعلن أن الأئمة المعصومين عليهم السلام هم القادة من بعده. وهو مفاد الآية الشريفة ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾.
وعندما يأمر الله تعالى بإطاعة الرسول والأئمة عليهم السلام فأمرُهُ يعني وجوب متابعتهم بصورة كاملة، ويعني أن الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة كما هو مرهون بطاعة الله عز وجل مرهونٌ بطاعة الرسول والأئمة عليهم السلام أيضاً.
وولي الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف عّين قائداً للأمة في غيبته، واستناداً إلى الحديث الوارد عن الإمام الصادق أيضاً على الفرد المسلم الذي لا يتمكن من الوصول إلى الإمام المعصوم أن يطيع الولي الفقيه.
ولهذا فإن عدم إطاعة الولي الفقيه تعني الاستخفاف الصريح بحكم الله سبحانه، أي أن الراد على الولي الفقيه رادٌّ على حكم الأئمة والراد على حكم الأئمة رادٌّ على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالتالي رادٌّ على الله تعالى وهذا هو حدُّ الكفر...
ومما يجدرُ الانتباه إليه هنا هو وجوب طاعة القادة والمسؤولين المعينين من قبل الولي الفقيه أو نائبه.
ومجريات التاريخ تدل بوضوحٍ على أن الكثير من الهزائم والويلات التي مُنِيَ بها المسلمون كانت بسبب عصيان أوامر القيادة الإسلامية وهذا ما تدعمه وتؤيده النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة. أنتم تعرفون ما جرى في معركة أحد وهزيمتها، فالهزيمة في هذه المعركة واستشهاد عددٍ من المسلمين ما كان إلا بسبب عصيان أوامر القيادة. الانحراف عن القيادة وتجاوز أوامرها كان سبباً لتلقّي المسلمين ضربة قاسيةً في هذه المعركة، ففيها كُسرت أسنان وجبهة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها استشهد سيد الشهداء حمزة عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
بعد انتهاء هذه المعركة سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب الهزيمة فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم: "لأنهم نسوا الله للحظة". نعم قد يؤدي عصيان أوامر القائد، إلى هزيمة الإسلام.
وفي معركة أحد نزلت هذه الآية: ﴿ولقدْ صدقكمُ الله وعدَهُ إذْ تحسونهمْ بإذنه حتى إذا فشلتمْ وتنازعتمْ في الأمرِ وعصيتُمْ منْ بعدِ ما أريكمْ ما تحبون منكمُ منْ يريدُ الدنيا ومنكمْ من يريدُ الآخرةِ ثمَّ صَرَفكمْ عنهمْ ليبتليكمْ ولقدْ عفا عنكمْ والله ذو فضلٍ على المؤمنين﴾.
* شروط النصر الإلهي
من المسلم به صدقُ وعدِ الله تعالى بنصرة المسلمين ولكن تحقق هذا الوعد وتحقق النصر يستلزم توفر شروط عدة وهي:
1- أن لا يجد التعب وضعف الإرادة والتهاون طريقاً إلى المجاهدين.
2- يجب أن تسود روح الاتحاد والأخوة والوئام بينهم.
3- والأهم من كل ما تقدّم هو أن يتوفّر شرط إطاعة القادة والمسؤولين وقد تقدم تأكيد القرآن الكريم على أن جيش الإسلام إذا لم يتابع قادته سيُهزم ويتلاشى.
* أثر التفرقة في هدم المعنويات
من الواضح أن جميع الانتصارات التي حققها الإسلام أتت بفضل المعنويات العالية المستمدة من الله تعالى وعناية إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف إلا أن هذه الرعاية ستُرفع عن هذه الأمّة إذا دبّ الخلاف والفرقة والنزاع بين القادة والأفراد، وستتدهور معنوياتهم وفي هذه الحالة ستكون الهزيمة نصيبهم.
وهنا يجب التذكير بأن ما تقدم حول وجوب طاعة القادة والمسؤولين لا يعني أن أياً منهم لا يُحتمل فيه أن يخطىء أصلاً كما لا يعني حتمية وجود الانسجام الأخلاقي بينه وبين الآخرين.. ولكن رغم ذلك تبقى طاعة القادة والمسؤولين واجبةٌ وضروريةٌ لأنها في الحقيقة ضمانة حفظ النظام الإسلامي وديمومته.
لا شك بأن المفترض بالقائد والمسؤول أن يحرص على الالتزام بمبادئ وأخلاق القيادة والمسؤولية في الإسلام، وأن يحرص على احترام وجهات نظر الآخرين ورعاية حقوقهم وكذلك أن يحرص على التعامل بالحسنى والشفقة والرحمة مع من تحت إمرته وأن يؤثرهم على نفسه كي يكون بذلك قدوةً ومربياً ومعلماً.
وإذا حدث لا سمح الله أن أحد القادة أو المسؤولين لم يلتزم بهذه المبادئ والأخلاق بصورة كاملة، فعلى أي حال يبقى التكليف قائماً على من تحت إمرته بأن يلتزموا بواجبهم الشرعي "طاعة القائد أو المسؤول"؛ ففي المواجهة والمعسكرات وأي محلٍ آخر للعمل تَجبُ طاعة المسؤول وتبقى ضروريةً حتى لو كانت للقائد بعض الأخطاء.
وإذا أمر القائد العام بأمرٍ أو قضى بحكم، فموقفنا لا يقتصر على طاعته ظاهراً وحسب، بل يجب علينا أن نسلمَ لأمرِهِ وحكمِهِ بكل قلوبنا وأرواحنا، ولا نقول، إذا لم ينسجم أمر الولي الفقيه أو ممثله معنا: رأيي وطراز تفكيري، فأنا مجبر على قبوله، ولا نقول مثلاً، أني ألتزم بأوامر الولي الفقيه أو وكيله ولكن رأيي شيءٌ آخر ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾.
الآية الكريمة ترتبط بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، لكنها تبقى ثابتة في النظام، أي أن هذا الموقف الذي تحدده الآية الكريمة ينطبق على أوامر الإمام أيضاً أو من يعينه ممثلاً عنه، فالحكم حكمٌ واحد: حرمةُ العصيان والتمرد ووجوب الطاعة.
عندما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعيّن شاباً صغيراً كقائدٍ لجيش الإسلام، كان كبار السن والجهلة يعترضون على ذلك ويقولون لماذا لا نكون نحن القادة؟! الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يُسكتهم ويأمرهم بطاعة القائد الشاب.
النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هيأَ قبل وفاته جيشاً للحرب، وعيّن قائده أسامة بن زيد، وكان شاباً، بعض المسلمين تخلّفوا عن جيش أسامة وتمردوا عليه وعندما وصل ذلك الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال جُملةً يجدر بالمجاهدين جميعاً أن يصغوا إليها جيداً ويجعلوها دائماً نصب أعينهم...
الجملة هي: "من تخلّف عن جيش أسامة فعليه لعنةُ الله...".
في نظام الجمهورية الإسلامية حيث الحرية التامة فإن الاستغلال السيء لها (للحرية) وإهانة وإضعاف القادة والمسؤولين من كبائر الذنوب.
في الصدر الأول للإسلام كان حب المسلمين لقادتهم وإتِّباعهم لهم أمراً مدهشاً حقاً، يروى أنه في أثناء المسير إلى معركة تبوك تأخّر الصحابي أبو ذر الغفاري عليه الرحمة وذلك بسبب ضعف وهزالة جمله. وعندما وصل قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أدركوه بالماء فإنه عطشان"، فأدركوه بالماء- بعد أن كان قد أغمي عليه من العطش- ووافى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه دواة فيها ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر معك ماءٌ وعطشت"؟ فقال: نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء فإذا به عذبٌ باردٌ فقلتُ لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله".