مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: حبيبُ الله ورسولِه


السيّد علي عباس الموسوي


قلائل أولئك الذين مرُّوا في تاريخ البشريَّة وتمكَّنوا من أن يعبروا الأجيال والأُمَم والحضارات والثقافات والديانات، فكانوا أكبر من الأمم والحضارات ومن تاريخها، ومن هؤلاء الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. فعظمة هذا الإنسان كانت حاضرةً في نفس كلِّ من قرأ سيرته ومسيرته وكلماته، في حياته منذ بداية الإسلام وحتّى استشهاده، سواء من اتَّفق معه في الدِّين والاعتقاد أو من خالفه أو اختلف معه. ولم يقف كون عليٍّ عليه السلام على ملة الإسلام، بل إماماً في هذه الملّة، عائقاً أمام الاعتراف بعظمة هذا الإنسان. وأمَّا من لم يعرف علياً عليه السلام فلا يسعه إلا أن يقرأ ما كُتِبَ عنه عليه السلام مع ملاحظة مَنْ كَتَب عنه عليه السلام ليعترف بعظمة هذا الإنسان. فأين سرّ عظمة هذا الإنسان؟

تتعدّد الإجابات، فبعضهم يرى في إنسانيّته السبب والمعبر الذي دخل من خلاله قلوب الناس كلّ الناس، وبعضهم يرى ذلك في صدقه مع ذاته ومع الآخرين، وبعضهم يرى ذلك في مدّة خلافته وسلطانه والطريقة التي مارس فيها السلطة والحكم، وبعضهم يرى ذلك في كلماته التي تحمل أعمق المعاني وأعظم الأفكار التي ترتبط بجوهر الإنسانيّة. إنّ هذا كلّه صحيح، وذلك لأنّ باب النفوذ إلى عقول الناس وامتلاك قلوبها لا يسلك طريقاً واحداً، بل له طرق متعدّدة، ولذا كان رأي صاحب كلِّ رأي في عليٍّ عليه السلام نابعاً ممَّا يراه هو من عظمةٍ في عليٍّ عليه السلام. وعليٌّ عليه السلام قد جمع العظمة في هذه الأمور كافّة. ولكنّ هذه الأجوبة تقصر عن أن تقدّم الإجابة الشافية، ولذا كان لا بدّ لمن يبحث عن حقيقة عظمة هذا الإنسان أن ينطلق من الدّين الذي آمن به عليٌّ عليه السلام. إنّ ذلك يكمن في آيةٍ من كتاب الله عزّ وجل وهي قوله تعالى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران: 31).

عظمة عليٍّ عليه السلام في أنّه حبيب الله؛ ولأنّه حبيب الله كان حبيباً لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يكن ذلك إلا لأنّه كان تابعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله. إذاً، عظمة عليٍّ عليه السلام في الاتِّباع. فالاتِّباع جعل علياً عليه السلام فاتح خيبر، فوصفه رسول الله صلى الله عليه وآله بأنّه رجل يحب اللهَ ورسولَه ويحبه اللهُ ورسولُه. والاتِّباع جعل علياً عليه السلام هازم الأحزاب وموهن كيدها في معركة الأحزاب. والاتِّباع هو الذي جعل علياً عليه السلام يلجأ إلى الصمت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله؛ لأنّه كان مأموراً بذلك. وهذا الاتِّباع هو الذي افتخر به علي عليه السلام، فقال: "ولقد كنت أتَّبعه اتِّباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كلِّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به" (1).

وفي عظمة عليٍّ عليه السلام وفي اتِّباعه لرسول الله صلى الله عليه وآله درسٌ لكلِّ إنسانٍ أن لا يعلو ولا يترفّع، بل يرى في اتِّباعه العلو والرفعة. وفي اتِّباع علي عليه السلام بيانٌ مختصرٌ وواضحٌ لكلِّ إنسانٍ بأنَّ وصوله إلى صفة حبيب الله ورسوله أمرٌ ممكنٌ شرطَ الاتِّباع.  وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.


(1) نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 2، الخطبة 192، ص 157.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع