صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مجتمع: لا يُحرقنَّك الغضب

تحقيق: نقاء شيت


دائماً ما نواجه في المجتمع المحيط بنا، تصرّفاتٍ وسلوكيّاتٍ مستنكرةً ومكروهةً عند الناس، ومن تلك السلوكيّات: الغضب.
للتعرّف أكثر على الغضب، أسبابه، تأثيراته الاجتماعيّة على "الغضوب"، ولنساعد في إيجاد حلٍّ لهذه المشكلة، كان لـ"بقية الله" لقاءٌ خاصٌّ مع الأخصّائيّة النفسية "لينا صادق"، وفضيلة الشيخ "صلاح العسّ"، ليجيبا عن أسئلتنا بحسب العلاجين: الطبّي والروحي.


* حالة انفعاليّة مذمومة
لا تعتبر الأخصائية لينا صادق الغضب في حدّ ذاته، اضطراباً نفسيّاً، بل تُصنّفه على أنّه "حالةٌ انفعاليةٌ تسبّب سلوكياتٍ معيّنة". فيما يعرّف فضيلة الشيخ صلاح هذه الظاهرة بأنّها "عدم قدرة الإنسان على ضبط انفعالاته، نتيجة تعرّضه لمشكلةٍ ما". مضيفاً أنّ الغضب قد يكون جيّداً في حالاتٍ معيّنة، ولكنّه أحياناً كثيرةً يكون سيّئاً؛ لذا فالغضب إجمالاً من العادات المذمومة التي من الممكن للشخص أن يكتسبها وتؤدّي إلى تصرّفاتٍ غير طبيعيةٍ وغير متوقّعة من قبل الآخرين. وهو يندم على ما فعله بعد ذلك.

تختلف طرق التعبير عن الغضب من شخصٍ لآخرٍ، فقد يظهر، وبحسب الأخصائيّة لينا، على نحو صراخٍ أو استهزاءٍ، كما أنّه قد يتفرّغ داخليّاً عندما يُكتم ولا يُعَبّر عنه. وهو يسبّب تغيراتٍ "فسيولوجيةً وبيولوجيةً" في الجسم، ويترافق الغضب مع سرعة في دقات القلب، ووتيرةٍ عاليةٍ من الحركة والكلام وارتفاع في الصوت. وتؤكّد الأخصائيّة لينا على ما ذكره الشيخ صلاح من أنّ الغضب ليس مفهوماً سلبيّاً بالمطلق، بل هنالك بعض المواقف التي تتطلّب من الإنسان أن يغضب.وعليه، أحياناً يجب التعبير عنها لتفريغ تلك الشحنات الانفعاليّة التي ترتبط بهذه المشاعر السلبيّة. لكن، وبحسب الأخصائيّة لينا، يجب أن لا يصل تصرّف "الغضوب" إلى حدّ الاعتداء العنيف على أحد في حالة الغضب.

وتضيف: "إنّ الغضب مرتبطٌ بشكلٍ أساسيٍّ بإفراز الهرمونات داخل الجسم، نتيجةَ التعرّض لموقفٍ مفاجئٍ قد يسبّب توتّراً وانفعالاً قويّاً، هذا كلّه يؤدّي إلى تصرّفاتٍ انفعاليةٍ يصعب معها على "الغضوب" التحكّم في ردّات فعله. ويكون هذا السلوك، بحسب الأخصّائيّة أيضاً، مؤذياً ومدمّراً لصاحبه وللآخرين؛ لأنّه قد يقوم بممارساتٍ خاطئةٍ.

* أسباب الغضب عند الأطفال
تذكر الدكتورة لينا أسباباً كثيرة تؤدّي بالإنسان إلى الغضب، ومنها تلك التي تنشأ مع الطفل عندما لا يؤمّن له أهله متطلباته. وقد يغضب الأهل أيضاً نتيجة سلوكٍ مؤذٍ أو تخريبيٍّ يصدر عن الطفل؛ وعليه يعبّر كلٌّ منهم بطريقته عن سلوك الغضب. هنا يبدأ الطفل بالتعلّم من أهله طرق التعبير عن الغضب، فإذا ما كان الأهل يعتمدون الضرب أو الصراخ ترى هذه التصرّفات تنعكس على الطفل في سلوكياته مع الآخرين من حوله. وهذا ما ينطبق على حالة الأم مريم التي قالت إنّها تلجأ دائماً إلى الضرب والصراخ مع طفلتها وتَلْف الأغراض الخاصة بالطفلة حيـن تغضــب منـها؛ فـينعـكس هذا الأسلوب على طفلتها بأسلوب مشابه، فتصرخ في وجه أمّها أو تعيد كلام أمّها نفسه، وفي بعض الأحيان ترى البكاء سبيلاً لتنفّس عن غضبها. كما تلاحظ الأمّ، مريم، أنّ الطفلة تصبح أقرب إلى العدائية تجاه الأعمّ الأغلب من الناس، باستثناء أولئك الذين يدافعون عنها في حالة تعرّضها للضرب وغيره.

* الأسباب مختلفة عند الكبار
تضيف الأخصّائية لينا أنّ من أسباب الغضب الشعور بالجوع وانخفاض مستوى السكّر في الدم، كذلك الحال مع التعب أو الإرهاق والنوم القليل. كما أنّ الإحباطات والإساءات التي يتعرّض لها الإنسان، وغيرها من المواقف، تدفع إلى ظهور انفعالاتٍ مختلفة تحت مسمّى الغضب.

يعتبر الشيخ صلاح أنّ الغضب يختلف من شخصٍ لآخر. فهناك أشخاصٌ يُستفزّون من أتفه الأمور، وعلى أبسط الأشياء ليصبح الغضب عادةً من طبعهم. وهنا يمكن أن تتمثّل الأسباب التي تؤدّي إلى حدوث الغضب والانفعال عند الإنسان بمجموعة من الصفات السيّئة التي يحملها "الغاضب"، كالزهو وعدم الإعجاب بأيّ شيء، والمزاح المفرط مع الآخرين، والاستهزاء بشخص ما والاستخفاف به، والغدر بالآخرين. وقد يؤدّي الحسد إلى تصرّف الشخص بشكلٍ غير مقبولٍ ولائقٍ وغيرها من التصرّفات التي يفرزها الغضب.

* الغاضبون أربعة
يرى فضيلة الشيخ أنّ تصرّفات الغاضبين تنعكس على شخصيّاتهم لتصنّفهم ضمن أربعة أقسام:
- الأوّل: سريع الغضب سريع الرضى. هؤلاء الأشخاص لا يعرفون كيفيّة التحكّم في أنفسهم، يغضبون بسرعة ويكون غضبهم غير مبررٍ. يعتبرون من أكثر الأشخاص إيذاءً للشخص المقابل، فهم لا يستطيعون التحكّم في حالتهم المزاجيّة.

- الثاني: بطيء الغضب بطيء الرضى. أصحاب هذا النمط لا يغضبون بسرعة، ولكن ما إن يغضبوا يصبح إرضاؤهم صعباً، ويعادون لفتراتٍ طويلةٍ، كما أنّهم لا يبادرون إلى الصلح. وإذا حدث الصلح، لا تعود علاقتهم مع الآخرين كسابق عهدها. هذه حال الفتاة جنان، والتي تخبرنا أنّها غضبت يوماً من صديقة عزيزة عليها فقاطعتها ما يقارب السبعة أشهر ولم تبادر إلى الصلح حتّى عادت هي وكلّمتها، وتضيف: إنّ علاقتهما اليوم فاترةٌ جدّاً على عكس علاقتهما السابقة.

- الثالث: بطيء الغضب سريع الرضى. وهذا، بحسب الشيخ صلاح، من أفضل أنواع الأشخاص الذين يغضبون. فهو يتميّز بالهدوء والرويّة والحلم، ويتعامل مع المشاكل بحكمةٍ وعقلانيةٍ. هذه الصفات لا تمنعه من الغضب في بعض الأحيان كغيره من البشر، إلّا أنّه يهدأ ويرضى بسرعةٍ كبيرةٍ ولا يحمل الحقد والكراهية لأيّ أحد.

- الرابع: سريع الغضب بطيء الرضى. يعتبر هذا الصنف من الأشخاص غير المحبّبين، لا يرضون بسهولةٍ إذا أراد الطرف المقابل الاعتذار، بل يتّخذون القرار من طرفهم دون الاهتمام بالغير.

* التأثير الاجتماعيّ على "الغضوب"
تختلف معايير الغضب بين الفئات العمريّة، فالأخصّائيّة لينا، تُرجع ذلك إلى أنّ الشباب أكثر انفعالاً من الكبار، كما أنّهم لا يملكون قدرة السيطرة على تصرّفاتهم. كما أنّ الإنسان "الغضوب" يتسبّب في ابتعاد محيطه عنه ليصل إلى درجة العزلة في بعض الأحيان؛ مضافاً إلى التسبّب في مشاكل ضمن العمل والأسرة. كما أنّ كثرة الغضب تسبّب إحساساً بالذنب، وهذا الإحساس قد يؤدّي إلى انخفاضٍ في مستويات تقدير الذات.

يتحدّث الشيخ صلاح عن التأثير نفسه أيضاً، وأنّ الغضب يتسبّب لصاحبه في كثير من المشاكل والإحراج وخسارة الأصدقاء مع الوقت. ويضيف: إنّ قلّة الصبر والمزاج السيّئ هما من أسباب الغضب.

* طرق علاج الغضب
كما للغضب أسبابٌ، فهناك بالتأكيد طرقٌ تساعد على تخفيفه، وتهدئة "الغضوب". تذكر الأخصائية لينا من هذه الطرق: تدريب النفس على الاسترخاء الذي يتمثل بعدة أنواعٍ تساعد على تهدئة الأعصاب. يضاف إلى ذلك ممارسة اليوغا، واتّباع بعض العلاجات النفسيّة المتخصّصة، مثل إعادة البناء الإدراكيّ، وهو تحديد ما يسبّب الغضب وتعديل الأفكار والمشاعر عندما يكون الشخص في مواقف تسبّب له الغضب. يضاف إلى ذلك اتّباع العلاج السلوكيّ المعرفيّ، الذي يفيد في مثل هذه الحالات، كذلك يجب التعرّف إلى سلوكيّات إدارة الضغط النفسيّ؛ لأنّ الغضب غالباً ما يرتبط بالضغط النفسيّ. ومن المفيد ممارسة الرياضة وتجديد النشاط البدنيّ للتخفيف من حدّة الانفعال.

* البحث عن الأسباب ومعالجتها
يذكر فضيلة الشيخ صلاح طرقاً عمليّة أخرى لمعالجة الغضب، منها: الاعتراف بالغضب، وبالتالي السيطرة عليه - إيجاد لغةٍ تعبيريّةٍ جيّدةٍ وإيجابيّةٍ عند الغضب بدلاً من استخدام كلام التوبيخ وغيره - تغيير البيئة المسبّبة للغضب، وإيجاد مكانٍ يشعرك بالراحة - التعرّف على الأسباب الحقيقية التي تدفعك إلى الغضب - الاستعاذة من الشيطان والاستغفار؛ إذ ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28) - أخذ نفسٍ عميقٍ؛ ممّا يزيد نسبة الأوكسجين في الدم ويساعد على تهدئة النفس. وأخيراً ينصح الشيخ بالوضوء، فهو كما يعبّر، له أثرٌ فعّال للتخلّص من الغضب، ذاكراً قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الغضب من الشيطان، وإنّ الشيطان خُلق من النار، وإنّما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضّأ"(1).

هنا، نصل إلى ختام كلامنا عن الغضب، ومسبّباته وطرق العلاج، آملين أن نساعد من تخفيف وتيرته لدى الأعم الأغلب من الناس.


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج70، ص272.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع