نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

وقعة الحرّة مأساة في حرم الرسول صلى الله عليه وآله

الشيخ تامر محمد حمزة



قدم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة مهاجراً في الثاني عشر من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس، ونزل بـ"قبا" وقال صلى الله عليه وآله: "اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة وأشدّ وبارك في ضياعها ومدها" (1). وروي عن علي عليه السلام في خطبة له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:"المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيه حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" (2). 

الحرّة: بفتح الحاء وتشديد الراء بمعنى الأرض ذات الحجارة السود النخرات كأنَّها أحرقت بالنار. والحرة من الأراضي الصلبة الغليظة التي ألبستها حجارة سود نخرة كأنها مطرت والجمع حرّات وحرار (3). وتسمية وقعة الحرة تعود إلى المجزرة التاريخية التي ارتكبها يزيد بن معاوية في تلك البقعة من المدينة المنورة , حيث إنّها تقع بظاهر المدينة، وقد جرت أحداث هذه الواقعة في ذي الحجة من سنة ثلاث وستين (4).

* أسباب حدوث المجزرة
يعود أسباب وقوع المجزرة إلى عوامل عدّة أبرزها:

أولاً: عندما ولّى يزيد عثمان بن أبي سفيان المدينة, فأتاه ابن مينا, عامل صوافي معاوية, فأعلمه أنَّه أراد حمل ما كان يحمله في كلِّ سنة من تلك الصوافي من الحنطة والتمر, وأنَّ أهل المدينة منعوه من ذلك, فأرسل عثمان إلى جماعة منهم, فكلَّمهم بكلام غليظ, فوثبوا به وبمن كان معه في المدينة من بني أمية وأخرجوهم من المدينة واتَّبعوهم يرجمونهم بالحجارة (5). واعتبر ذلك عصياناً وتمرداً من أهل المدينة على حكم يزيد ولا بدّ له من عقاب.

ثانياً:
انتشر في المدينة أن يزيد بن معاوية يشرب الخمر ويترك الصلاة وذلك بعد زيارة قام بها أشراف المدينة إلى دار الخلافة في الشام, وعاينوا عبث وفساد يزيد عن قرب. عندها اجتمعوا على خلعه, وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على الموت (6).

ثالثاً: إن ابن جرير الطبري في تاريخه لم يذكر أسباباً للواقعة واكتفى ببيان إخراج أهل المدينة لوالي يزيد عليها ثم ذكر ما هو قريب من كتاب تجارب الأمم. وقد نقل بالنص الرسالة من الحاضرين إلى يزيد حيث جاء فيها: أما بعد فقد حُصرنا في دار مروان بن الحكم ومَنَعَنا العذاب ورُمينا بالحبوب فيا غوثاه يا غوثاه. وقال حبيب بن كرة فأخذت الكتاب ومضيت به حتى قدمت على يزيد وهو جالس على كرسي واضع قدميه في ماء طست من وجع كان يجده فيهما ويقال كان به النقرس (7) فقرأه (8).

* أقول
ما ذكر ربما هو ذرائع لما أراد أن يقوم به يزيد من عمل ضد المدينة المنورة. وأما السبب الرئيس فإنّه أبعد من ذلك بكثير إذ إنّه لطالما لم يعتقد بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله كأبيه وجده. والذي يؤمن به أنه الملك الذي لعبت به بنو هاشم فلا قرآن ولا وحي نزل, مضافاً إلى أنه يريد أن يثأر لأشياخه الذين قتلهم النبي صلى الله عليه وآله في معركة بدر، وقد حان الوقت ليستفرغ سم حقده بعد القضاء على الحامي والوالي في كربلاء, وقد ظهر ذلك على فلتات لسانه ولسان أبيه حينما كانا يعبّران دوماً عن المدينة بالخبيثة والنتنة مقابل تسميتها من قبل الرسول صلى الله عليه وآله بالطيبة. (9) فالحرب ظاهراً ضد أهل المدينة وأما باطناً فكانت ضد النبي والنبوة.

* مسلم بن عقبة

جهَّز مسلم بن عقبة جيشاً كبيراً وإن اختلف في عدده, ففي تاريخ اليعقوبي كان قوامه خمسة آلاف رجل (10)، وفي تجارب الأمم قال: فانتدب له اثني عشر ألف رجل (11) ووافقه الطبري في تاريخه (12).  وإنّهم وإن اختلفوا في عدد الجيش وقوامه إلا أنهم قد اتفقت كلمتهم على أن قائد الجيش هو مسلم (مسرف) بن عقبة. ومسلم بن عقبة المرّي قد أطلق عليه لقب مسرف ومجرم بن عقبة نتيجة ما حصل في وقعة الحرة (13). وكان شيخاً كبيراً مريضاً. وقد تم انتدابه تنفيذاً لوصية معاوية لابنه يزيد حيث وصاه بقوله: "إذا أرابك من أهل المدينة ريب, فارمهم بمسلم بن عقبة" (14). وزاد ابن تيميّة قوله: "أو انتقض عليك منهم أحد, فعليك بأعور بني مسرّة, فاستشره", يعني مسلم بن عقبة. فلما كانت تلك الليلة قال يزيد: "أين مسلم بن عقبة ؟ فقام فقال: ها أنا ذا. قال: هيئ ثلاثين ألفاً من الخيل(15). وقد وصاه إذا ظفر بهم أن ينهب المدينة ثلاثة أيام. وقال له: إن حدث بك حدث فاستخلف على الجيش الحصين بن نمير السكوني"(16). وقبل خروجه إلى المدينة مرض مسلم فأدنف حتى دخل عليه يزيد يعوده. قال له:"قد كنت وجَّهتك لهذا البعث وكان معاوية أوصاني فيك وأراك مدنفاً ليس فيك سفر, فقال: يا أمير المؤمنين أنشدك الله أن لا تحرمني أجراً ساقه الله إليّ, إنَّما أنا امرؤ ليس بي بأس. قال: فلم يطق من الوجع أن يركب بعيراً ولا دابة, فوضع على سرير وحمله الرجال على أعناقهم وساروا به حتى حاجزة فنزلوا بها, فأرسل إلى أهل المدينة يوعظهم ويعدهم بإرجاع العطاءات التي أخذها عمرو بن سعيد منهم واشترى بها عبيداً لنفسه, فأجابوه: نخلع يزيد كما نخلع عمائمنا ونخلع نعالنا" (17).

* التخطيط للمجزرة

التقى مسلم بعبد الملك بن مروان واستخبر منه حال الناس وقال له: "كيف ترى؟ قال له عبد الملك: أرى أن تسير بمن معك, فتركب هذا الطريق إلى المدينة, حتى إذا انتهيت إلى أدنى نخل بها نزلت فاستظل الناس بظله, وأكلوا من صفوه, حتى إذا كان الليل, أذكيت الحرس الليل كله, حتى إذا أصبحت وصليت الصبح مضيت بهم, وتركت المدينة ذات اليسار ثم أدرت المدينة حتى تأتيهم من قبل الحرة مشرقاً, ثم تستقبل القوم, فإذا استقبلتهم أشرقت الشمس عليهم وطلعت من أكتاف أصحابك, فلا تؤذيهم وتقع في وجوههم فتؤذيهم ويرون ما دمتم مشرقين لم يتلاق بيضكم وحرابكم وألسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم, وسواعدكم ما لا ترونه أنتم لشيء من سلاحهم ما داموا مغّربين, ثم قاتلهم واستعن الله عليهم, فقال له مسلم: لله أبوك, أي امرئ ولد إذ ولدك؟ لقد رأى بك خلفا" (18). وقد عمل برأي عبد الملك. وعندما بلغ أهل المدينة مجيء مسلم بن عقبة وثبوا على دار مروان وحصروهم وقالوا والله لا نكشف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم أو تعطونا عهد الله وميثاقه لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة ولا تظاهروا علينا عدواً فنكف عنكم ونخرجكم عنا. فأعطوهم عهد الله وميثاقه على ذلكم, فأخرجوهم من المدينة بأثقالهم حتى لقوا مسلماً" (19).

* مسلم في الحرة
لما وصل جيش يزيد بقيادة مسلم بن عقبة إلى الحرة قال: "يا أهل المدينة إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل وإني أكره إراقة دمائكم وإني أؤجلكم ثلاثاً فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه وانصرفت عنكم. وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم. ولما مضت الثلاثة أيام قال: يا أهل المدينة قد مضت الأيام الثلاثة فما تصنعون أتسالمون أم تحاربون؟ فقالوا: بل نحارب؛ واتخذوا خندقاً في جانب المدينة ونزله جمع منهم عظيم وعلى رأسهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري. ثم دارت المعركة بين مسلم وأهل المدينة واقتتلوا أشد القتال ثم انهزم أهل المدينة وسيطر مسلم عليها".(20)

* حصيلة ما جرى
أوّلاً: القتل والسلب

أباح مسلم المدينة لجيشه ثلاثة أيام يقتلون الناس ويأخذون أموالهم (21). ونقل عن ابن قتيبة أنه بلغ عدد قتلى الحرة من المهاجرين والأنصار والوجهاء ألفاً وسبع مئة ومن سائر الناس عشرة آلاف سوى الصبيان والنساء (22)
.
ثانياً:استباحة النساء
نقل في الإمامة والسياسة عن معجم البلدان, أنه قد استبيحت الفروج وحملت منهم ثمان مئة حرة وولدن وكان يقال لأولئك الأولاد أولاد الحرة.(23) وبعد مضي الثلاث انتقل مسلم إلى قصر بني عامر بـ "دومة" فدعا أهل المدينة من بقي منهم للبيعة ولكن بأسلوب جديد وبدعة جديدة، أي البيعة على أنهم خول وأرقاء وعبيد ليزيد وإلا فليس أمامهم إلا القتل.

* موت مسلم
بعد أن فرغ هذا المجرم من استباحة المدينة وهتك حرمها، قرر التوجه إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير بعد أن استخلف على المدينة المجروحة روح بن زنباع. فلما كان في بعض الطريق هلك وكان ذلك آخر المحرم سنة أربعة وستين. وبناء على ما ذكر من أنه دخل المدينة في آخر ذي الحجة فيعني ذلك أنه بين ما اقترفت يداه وموته أقل من شهر. ولم تمضِ فترة قليلة حتى قتل يزيد في العام نفسه أيضاً. وهذا جزاء من يهتك حرم الله ورسوله. وذكر اليعقوبي أنه لما بلغ بثَنْيه (عقبة) "المشلَلْ" احتضر واستخلف على الجيش الحصين وقال حين الاحتضار: "اللهم إن عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل أهل الحرة فإني إذاً لشقي". ثم خرجت نفسه ودفن فيها, وجاءت أم ولد يزيد بن عبد الله بن زمعة فنبشته وصلبته على المشلل وجاء الناس فرجموه وبلغ ذلك الحصين بن نمير فرجع فدفنه وقتل جماعة من أهل ذلك الموضع وقيل لم يدع منهم أحداً (24).


(1) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 14، ص 348.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 96، ص 378.
(3) لسان العرب، ابن منظور ج 3، ص 116.
(4) لسان العرب، ص 117.
(5) تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، ج 2، ص 164.
(6) البداية والنهاية، ابن كثير، ج 8، ص 236.
(7) النقرس: وجع يحدث في مفاصل القدم وإبهامها.
(8) تاريخ الطبري، الطبري، ج 4، ص 370.
(9) تاريخ الطبري، ج4، ص 63.
(10) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 165.
(11) تجارب الأمم، ابن مسكويه، ج2، ص77.
(12) تاريخ الطبري، ج4، ص 371.
(13) تجارب الأمم، ج2، ص77.
(14) تاريخ الطبري، ج4، ص 372.
(15) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة، ج2، ص14.
(16) تجارب الأمم، ج 2، ص 77.
(17) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة، ج 2، ص 13.
(18) تجارب الأمم، ج 2، ص 77.
(19) الطبري، ج 4، ص 374.
(20) م. ن، ج 4، ص 377.
(21) الإمامة والسياسة، ج 1، ص 184.
(22) معجم البلدان، الحموي، ج 2، ص 249.
(23) الغارات، إبراهيم بن محمّد الثقفي ج 22، ص 15.
(24) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 180.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع