مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فقه الولي: فقه المساجد


الشيخ محمد توفيق المقداد (*)


قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ... (التوبة:18) وقال أيضاً ﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين (الأعراف:29) وقال تعالى كذلك ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ(الأعراف:31).

تشير هذه الآيات الثلاث وما شابهها في القرآن الكريم إلى أهميَّة المسجد ودوره في عقيدتنا الإسلامية التي تعمل على بناء الشخصية الإسلامية المؤمنة والمتوازنة والقادرة على خوض غمار الحياة الدنيا من كلِّ نواحيها وجوانبها الدينية والدنيوية. فالمسجد هو المكان الذي يرتاده المسلمون المؤمنون بربِّهم ليتقرَّبوا إليه بأصناف الطاعة، وليطَّلعوا على المستجدات التي تحصل ليكونوا على تواصل مع كل الأحداث وليأخذوا منها الموقف الذي يتناسب مع الشرع الإسلامي الحنيف. وللمسجد قدسية خاصة وتعظيم خاص في شرعنا الإسلامي؛ لأنَّ المساجد هي بيوت الله في الأرض، ومن دخل إليها فهو زائر لله عزّ وجلّ، وعلى الزائر أن يحترم أصول الضيافة والزيارة، فلا يقوم بأي عمل يتنافى مع قداسة المكان ومكانته الروحية والمعنوية. من أجل ذلك فرض الله سبحانه وتعالى أحكاماً خاصة بالمسجد يجب على المسلم أن يراعيها ويحترمها ويلتزم بها، وهذه الأحكام تُسمَّى بـ"فقه المساجد". والمراد من "فقه المساجد" هو الحفاظ على قدسية وطهارة ونزاهة هذه الأمكنة، ولهذا يجب أن يكون المسجد في أبهى حلة وأجمل منظر للداخل إليه. ينقسم فقه المسجد إلى الأحكام الأربعة "الواجب والحرام والمستحب والمكروه".

الأحكام الواجبة هي:
-1 إزالة النجاسة عن المسجد، فلو فرضنا أن داخلاً إلى المسجد وجد فيه نجاسة فيجب عليه أن يعمل على إزالتها مقدِّماً ذلك على الصلاة مع سعة الوقت، وأما مع ضيق الوقت فيصلي ثم يزيل النجاسة أو يطلب من أحد غيره أن يعمل على إزالتها.

-2 يجب على الداخل إلى المسجد أن يكون متطهِّراً من الحدث الأكبر مثل الجنابة عند الرجل، أو الجنابة والحيض والنفاس عند المرأة؛ لأنَّ الحدث الأكبر هو نجاسة معنوية تمنع من دخول المسجد والقيام فيه بأي نشاط عبادي، والطهارة من الحدث الأكبر شرط في صحة الأعمال العبادية بنحو عام خصوصاً الدخول إلى المسجد والصلاة، وشرط كمال لأعمال عبادية أخرى كالدعاء وقراءة القرآن.

وأما الأحكام المحرمة فهي:
-1 تنجيس المسجد، سواء أرض المسجد أو سقفه أو سطحه وجدرانه أو الأدوات الموجودة فيه كالصوتيات والفرش.

-2 تزيين المساجد بالذهب إذا كان إسرافاً وزائداً عن مورد الضرورة؛ لأنَّ الذهب فيه دلالة على التفاخر والتكبر، والله يريد للمساجد أن تكون بسيطة في هندستها وبنائها لكي تتناسب مع أجواء العبادة والابتهال والدعاء وسائر الأعمال الدينية.

-3 الأعمال المنافية لحرمة المسجد مثل جعله مكاناً لممارسة الرياضة أو الغناء أو إقامة حفلات موسيقية ولو كانت محلَّلة، أو جعله مكاناً للبيع والتجارة وعقد الصفقات، لأن كل ذلك يتنافى مع وظيفة المسجد ويلغي الدور العبادي له.

-4 حرمة دخول الكفَّار إلى المساجد، حتى ولو كان ذلك من أجل التعرف إليه ومعاينة الآثار التاريخية أو المعمارية أو غير ذلك، ولا فرق في حرمة الدخول ما اعتبر هتكاً لحرمة المسجد وما لا يعتبر كذلك، فالدخول حرام مطلقاً؛ لأنَّ المسجد هو مكان الموحِّدين الحقيقيين، وهذا غير متحقِّق في غير المسلمين من عباد الله وخلقه.

-5 حرمة هدم المسجد أو تخريبه، ولو حصل ذلك، فيبقى عنوان المسجديّة قائماً ولا يجوز إقامة أي شيء آخر مكانه، بل يجب إعادة بناء المسجد فيما لو تمَّ هدمه كلياً، أو بناء الجزء الذي تمَّ هدمه. نعم يجوز هدم المسجد إذا كانت هناك مصلحة كبرى للمسلمين متوقِّفة على هدمه لأنه عائق في هذه الحالة، وهدمه لا يكون إلا بأمر الحاكم الشرعي المنوط به إعطاء الإذن.

-6 حرمة العمل خلاف عناوين الوقف مثل استعارة سجاد المسجد أو صوتياته أو شيء من كتب القرآن والأدعية وإخراجها من المسجد، فهذه الأعمال كلها غير جائزة إذا كانت تلك الأمور موقوفة لخصوص المسجد كما هو المتعارف غالباً في بلادنا الإسلامية.

وأما الأحكام المستحبة فهي:
-1 تنظيف المسجد كي يكون لائقاً وجميلاً لكي يأنس المؤمن بوجوده فيه ويرتاح بالنظر إليه.

-2 إعمار المساجد فهو أمر مستحب جداً، حتى ورد أنه من المستحب أن يجعل قسماً في بيته مكاناً خاصاً يجعله كمسجد له يصلي فيه.

-3 أن يكون أول الداخلين إليه وآخر الخارجين منه، ليكون ذلك دلالة على ارتباط المؤمن بربه من خلال مسارعته في الذهاب إلى المسجد على قاعدة ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ... (البقرة148).

-4 أن يكون عند دخوله إلى المسجد خاشعاً وخاضعاً وذليلاً ومنكسراً للدلالة على أنه قادم إلى المسجد ليكون بين يدي الله سبحانه وتعالى ليأخذ منه العون والمدد والقوة لمواجهة الحياة بكل ما فيها من مغريات ومفاتن وغير ذلك مما يُخرِج الإنسان عن الصراط المستقيم.

-5 أن يدخل بالرجل اليمنى ويخرج بالرجل اليسرى، وهذا ما ورد في الروايات والأحكام.

-6 ارتداء أجمل الثياب وأنظفها والاهتمام بالمظهر العام مضافاً إلى وضع الطيب والعطر. وهنا نستغرب تصرف بعض الناس الذين إذا أرادوا أن يزوروا شخصاً ذا مقام فإنهم يلبسون أفخر الثياب الموجودة عندهم، بينما يتهاونون في لباسهم عند الذهاب إلى المسجد، مع أن التزين بين يدي الله أهم وأعظم من التزين للناس مهما علت مقاماتهم.

-7 أن يصلي في المسجد مع الجماعة إذا كان له إمام راتب يصلي الصلوات الخمس لأن أجر الجماعة لا يحصيه إلا الله إذا بلغ عدد المصلين العشرة وما فوق، وقد ورد التأكيد الشديد على إقامة صلاة الجماعة وأن لا يصلي الإنسان منفرداً.

8- استحباب صلاة ركعتين فور دخوله إلى المسجد إن كان متوضئاً أو بعد الوضوء وذلك قبل الشروع بأي عمل آخر من صلاة أو دعاء، وهاتان الركعتان هما تحية للمسجد وإجلال له.

9- يستحب لجار المسجد أن يصلي في المسجد، وقد ورد التأكيد على ذلك كما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، إلا أن يكون له عذر أو به علة، فقيل: ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: من سمع النداء، أي الأذان"(1)، بالصوت العادي لا بالمكبرات.

أما الأحكام المكروهة فهي:
1- إدخال الصبيان غير المميزين والمجانين خصوصاً مع عدم التأكد من طهارتهم، وأما إذا كان مميزاً أو عالماً بأحكام الطهارة والصلاة فلا يُكرَه من أجل تعويده على التردد إلى المسجد.

2- أن تُجعل المساجد أماكن للتعريف عن الأشياء الضائعة وما شابه ذلك من الأمور، وكذلك جعل المسجد مكاناً لإلقاء قصائد الشعر خصوصاً ما يتعلق منها بالأمور الدنيوية لأن النبي صلى الله عليه وآله قد نهى عن ذلك.

3- كراهة الخروج من المسجد عند سماع الأذان وعدم الصلاة فيه، لأن المسجد هو أفضل مكان للصلاة، فعندما يخرج المؤمن منه عند الأذان فمعنى ذلك أنه غير مهتم بالصلاة في المسجد وهذا يتنافى مع أخلاقيات المسلم في التعامل مع هذا الرمز الإسلامي العظيم الشأن. وما ذكرناه من الواجب والحرام والمستحب والمكروه لا يشكل كل فقه المسجد، وإنما اكتفينا بذكر بعض منها للدلالة على أهمية المسجد في الإسلام وعلو منزلته ومكانته عند الله وعند المسلمين.


 (*) مدير مكتب الوكيل الشرعي العام للإمام الخامئني قدس سره في لبنان.
(1) مستدرك الوسائل، ج3، ص356، ح3767/1.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع