مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حرب الدفاع عن المقدّسات: نتائج ونماذج


حوار مع فضيلة الشيخ نبيل قاووق


إنّها حرب الدفاع عن المقدّسات. حربٌ أرادها الإرهاب التكفيريّ أن تكون نهايةً لنهج المقاومة وتشويهاً للإسلام، فكان له رجال الله بالمرصاد؛ كاشفين الزيف عن وجه هذا العدوّ، ومظهرين سموّ أخلاق الإسلام ورفعته. عن هذه الحرب وأهدافها ونتائجها كان لمجلّة بقيّة الله هذا الحوار مع فضيلة الشيخ نبيل قاووق.

1- لماذا الدفاع عن المقدّسات؟

إنّ المقدّسـات جـزء من عقيدتنا وثقافتنا والدفاع عنها هو تجلّ لالتزامنا وارتباطنا وإخلاصنا وثباتنا على إيماننا.
والحقّ، أنّه في سوريا لم يستهدف الإرهاب التكفيريّ المقدّسات، كالمقامات والأضرحة والمساجد، فحسب، باعتبارها حلقةً من سلسلة الإسلام، وإنّما استهدف الإسلام كلّه عقيدةً وقيماً وإنساناً. لقد عمل هذا الإرهاب على مسخ صورة الإسلام؛ لتحويله من دين الرحمة إلى دين التوحّش.
ولذلك، عندما ندافع عن مقدّساتنا إنّما ندافع عن الإسلام عقيدةً وهويّةً وثقافةً، وعن الإنسان والمصير.

2- انتُقدت المقاومة في حربها الاستباقيّة. هل هذا النقد ما زال موجوداً؟ وبماذا تختلف هذه الحرب في منطلقاتها؟ وإلى أي مدى استفاد منها العدوّ الإسرائيليّ؟

نحن خُضنا في سوريا معركة دفاعيّة، والذين انتقدوا هذه المعركة منذ البداية هم جهة معروفة بخلفيّاتها وأهدافها ورهاناتها، وكانوا جزءاً من المشروع التكفيريّ الذي واجهناه، قدّموا له الدعم طويلاً، وراهنوا عليه وناصَروه، وعملوا بشكل واضح على حمايته على حساب لبنان واستقراره وتعايشه.
لقد سقط مشروع النقد بسقوط المشروع التكفيريّ نفسه؛ لأنّه هُزم، ولم يَعد يُعوّل عليه في تغيير المعادلات، فصار الرهان عليه رهاناً على سراب، وبالتالي اضطرّوا أمام هذا الواقع إلى الانكفاء.
أمّا على مستوى المنطلقات، فإنّ هذه المواجهة حملت في منطلقاتها كلّ الخلفيّات المقدّسة والواجبة والمشروعة: الدفاع عن العقيدة والوجود والإنسان والوطن والكرامة، ومواجهة الطغيان والظلم ومحاولات الهيمنة على المنطقة وإسقاط هويّتها.
لقد كانت الأهداف السياسيّة للعدوَّين الإسرائيليّ والتكفيريّ متطابقة؛ وهي القضاء على المقاومة. لكن الأساليب اختلفت، وكذلك المرتكزات العقائديّة، ولكن، وبشكل واضح، تمكّن العدوّ الإسرائيليّ من توظيف عقيدة التكفيريّين المنحرفة لمصلحة مشروعه ووجّهها في اتّجاه ما يحقّق أهدافه.

3- ادّعت أدوات هذه الحرب المشبوهة، كداعش والنصرة وغيرهما، الإسلام. إلى أيّ حدّ شوّهت هذه الأدوات صورة الحركات الإسلاميّة الثوريّة الأصيلة؟ وكيف استطاع حزب الله تقديم النموذج الأصيل في تلك المعركة؟

لا شكّ في أنّ التنظيمات الإرهابيّة بممارساتها الوحشية وإرهابها المدوّي، وبما ارتكبته من فظائع قلّ نظيرها، قدّمت إلى العالم صورة سوداء ممقوتة عن الإسلام كرسالة ودين، ولولا دخول حزب الله والحركات الإسلاميّة الأصيلة في مواجهة هؤلاء الإرهابيين لرسَخت صورة واحدة في ذهن العالم عن الإسلام، هي صورة هذا التوحّش والتخلّف والإجرام.
إنّ دخول حزب الله في المواجهة مع داعش والنصرة وغيرهما وضع حدّاً فاصلاً في الفهم والرؤية لدى الآخرين.
لقد قدّم حزب الله، بقرار المواجهة، النموذج الذي يحمل رؤية الإسلام المحمّدي الأصيل، وقال -بمقاومته للتكفيريّين الإرهابيّين- للعالم: إنّ هؤلاء لا يمثّلون الإسلام، ولا يحملون حقيقته.
لقد كسر حزب الله مشهد التفرّد الذي احتلّه الإرهاب باسم الإسلام زوراً وخداعاً.

4- برأيكم، ما هي دوافع الشباب العربيّ والإسلاميّ وغيرهم للانضمام إلى هذه الحركات المشبوهة على ما هي عليه من العنف والإرهاب والعدوانيّة؟

إنّ فكر هذه التنظيمات الإرهابيّة ليس جديداً، وإنّما هو نتاج إرث تاريخيّ مشوّه عن الإسلام حضر في العديد من مراحل التاريخ، كما أنّ هذه التنظيمات ليست تنظمات يتيمة، وإنّما هي محلّ رعاية واهتمام أنظمة معروفة في المنطقة العربيّة تحمل الفكر نفسه، الذي له مشايخه الذين عملوا على تشريع الإرهاب والعدوانيّة تحت غطاء الـ"الجهاد".
ومن المسلّم أيضاً لدى الكثير من الباحثين أنّ قضيّة الإرهاب ظاهرة معقّدة ومفتوحة، وهي لا ترتبط حصراً بالإرث الدينيّ المشوّه، بل أيضاً بقضايا مجتمعيّة قد توفّر مساحة خصبة للانخراط في الإرهاب.
وعليه، يمكن تلخيص الدوافع بأنّها ذات طابع سياسيّ ودينيّ ونفسيّ واجتماعيّ وثقافيّ، وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أنّه إذا أردنا أن نتحدّث بواقعيّة عن مستوى تجاوب الشعوب العربيّة والإسلاميّة مع ظاهرة الإرهاب وحجم الانخراط فيها نجد أنّ النسبة قليلة جدّاً بلحاظ عدد السكان؛ ما يكشف عن أنّ الإرهابيّين أقليّة مهمّشة ومنبوذة.

5- ماذا لو انتصر المشروع الإرهابيّ فكريّاً ودينيّاً؟ وما هو واقع صانعي هذه الحركات المشبوهة؟

في الحقيقة، لا تتوفّر في عالمنا العربيّ والإسلاميّ أرضيّة يمكن أن تمنح المشروع الإرهابيّ انتصاراً طويلاً؛ لتناقُض هذا الفكر مع البعد الإنسانيّ والقِيَميّ لدى شعوبنا. ولو افترضنا جدلاً تحقّق انتصار هذا الفكر، فإنّ منطقتنا، بل والعالم كلّه، سيكونان أمام محنة سوداء أقلّ ما يمكن أن تؤدّي إليه هو تهديد وتشويه رسالة الإسلام، وتهديد الإنسانيّة بوباء التكفير والقتل والسبي.
وأعتقِد أنّ صانعي هذا المشروع وداعميه ورعاته يلفظون اليوم آخر أنفاس الاستفادة والاستثمار من هذا المشروع. فقد أكّدت الوقائع أنّ هذا المشروع تمكّن من تمزيق الأمّة وإضعافها إلى حدٍّ ما، لكنّه عجز عن تحقيق الانتصار والأهداف المرجوّة التي كانت تقتضي سقوط المنطقة برمّتها في قبضته.

6- ما هي النتائج التي حقّقها حزب الله من خلال هذه التجربة والنصر؟

لقد كان لحزب الله دور أساس واستراتيجيّ في إسقاط أخطر مشروع عالميّ كان يستهدف الأمّة من داخلها. كما أكّد الانتصار على المشروع التكفيريّ أنّه ليس مشروع شعوبنا، وليس محلّ تبنٍّ منها، وإنّما هو مشروع دخيل ومصطنع وموظّف ولا حياة له ولا بقاء. لقد أسقط حزب الله هذا المشروع، وقضى على مخاطره الكبرى، وأنقذ المنطقة كلّها من السقوط تحت سطوته؛ بدءاً من لبنان وصولاً إلى آخر بقاع منطقتنا.
لقد أثبت حزب الله للعالم -وهو الحزب المتّهم بالإرهاب- حقيقةً أنّه رأس حربة في مواجهة هذا الإرهاب، ووضع أعداءه في موقع حرج ومربك، حيث ضرب الكثير من الذرائع التي كانت تُستخدم لاستهدافه، فضلاً عن أنّه أعطى صورةً متقدّمةً من القدرة والحكمة والسيطرة، وقف أعداؤه مذهولين حيالها، وأكّد أنّه قوّة لا يمكن تجاوزها، وتراهن عليها شعوبنا عند الشدائد.

7- قدّم حزب الله تضحيات جمّة من الشهداء والجرحى والمجاهدين، كيف تقيّمون حالة عوائلهم في هذه الحرب؟

لا حروب بلا تضحيات. وحزب الله منذ النشأة هو حزب الشهداء، والقادة الشهداء، والاستشهاديّين. وبلحاظ حجم المواجهة وضراوتها واتّساعها، فإنّنا نعتبر أنّ ما قدّمناه هو أقلّ ما يمكن من تضحيات.
أمّا في ما يتعلّق بعوائل شهدائنا وجرحانا ومجاهدينا فيمكن أن نقول -بكل ثقة- إنّ هذه الشرائح المضحّية قدّمت بإبائها أروع صور الملاحم والمفاخر والسموّ، وعكست إيمانها العظيم بمعركتها وقدسيّة مسارها. والحق يُقال إنّنا جميعاً كنّا نخجل من مستوى الشموخ والفخر الذي تحلّت به هذه العوائل الكريمة.
لقد حوّلت عوائل شهدائنا مآتم الأبناء أعراساً، ولبست أمهاتنا الأبيض في مواكب التشييع، ووزعن الحلوى افتخاراً وتبركاً، واستقبلت أمّهات جرحانا أبناءهنّ بالحمد والشكر، وتوسّلت أمهات المجاهدين قيادة حزب الله بقبول أبنائهنّ في قوافل المجاهدين.. إنّ الحديث عن عظمة عوائلنا يطول، وهو -بحقّ- حديثٌ ينضح بكلّ عزّة وسؤدد.

8- هل ترون أنّ هناك مخاطر مع البيئة الثقافية ليستغلّها العدو بعد هزيمته ميدانيّاً وعسكريّاً في سوريا؟

إنّ هزيمة العدوّ في سوريا ميدانيّاً مع كلّ ما يملكه هذا العدوّ من قدرات ودعم عالمي سيدفعه إلى تعزيز المواجهة مع المقاومة بأساليب مختلفة متاحة، وسيعمل بالتأكيد على استهداف بنية المقاومة الفكريّة والثقافيّة التي كانت عاملاً فاعلاً في هزيمته. وقد بدأ فعلاً سادة هذا المشروع وفي مقدّمتهم الإدارة الأميركيّة والعدوّ الإسرائيلي وأدواتهما بتفعيل الحرب الناعمة على بيئتنا وشعبنا، مستغلّين وسائل التواصل الاجتماعيّ والأقلام المأجورة في كلّ موقع لبثّ مبرمج لعمليّات الدسّ وإثارة الضوضاء داخل هذه البيئة؛ عبر استهداف شخصيّات قياديّة والعمل على تشويه صورتها، أو عبر إثارة نعرات مناطقيّة، أو استغلال الواقع الاجتماعيّ والمعيشيّ والاقتصاديّ الصعب. وكلّ ذلك بهدف النيل من تماسك ومنعة هذه البيئة وتوهينها. وما دام العدوّ مهزوماً في الميدان فستستمرّ هذه الحرب مفتوحةً على مصراعيها، وهو ما يستلزم تعزيز منطق الوعي لمنع عمليّة الانجراف والانخداع، بحيث لا نسمح للعدوّ أن يحقّق عبر الكلمة ما عجز عنه بالبندقيّة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع