اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

الشهادة في سينما الدفاع المقدس

وئام أحمد(*)

يعتبر مفهوم الشهادة من المفردات الأساسية في السينما الإيرانية، ذلك لأنها من المعاني التي ساهمت في إغناء هذه السينما، خاصةً مع نهاية الحرب الإيرانية العراقية المفروضة، والتي استمرت ثماني سنوات، وكان من أهم نتائجها أنها خلقت ما عرف بسينما الدفاع المقدّس.

*البداية: أفلام الجبهة
ولأن هذه الحرب المفروضة قد خيّم عليها عنوان الدفاع عن "الثورة الإسلامية الإيرانية"، التي أسسها الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني قدس سره، فإنّ كل من كان يذهب إلى الجبهة، رجلاً كان أم فتىً، كان يضع نصب عينيه هدفاً واحداً وهو إما النصر وإما الشهادة. من هنا، فإن درب الشهادة - القيمة الخالدة التي جسّدت على مر السنوات والأيام أهم الدروس العاشورائية - هو الدرب الأوحد والأسرع للوصول إلى المعشوق. فكانت الشهادة هي العنوان الأبرز في السينما الإيرانية، والتي عنينا بها سينما الدفاع المقدّس.

انطلاقة هذا المفهوم كانت مع ما أُنتج مباشرةً بعد انتهاء الحرب من أفلام جسدت واقع الجبهة. ويعتبر الشهيد السعيد "مرتضى آويني" (سيد شهداء أهل القلم كما سماه السيد القائد الخامنائي ) من أوائل الذين قاربوا هذا المفهوم من خلال سلسلة الأفلام الوثائقية الحقيقية التي صنعها خلال فترة حياته، ذلك لأنه من أوائل الذين حملوا الكاميرا ونزلوا إلى الجبهة لتسجيل لحظات القتال المفروض ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُم (البقرة: 216) مع ما تضمنته تلك اللحظات من حالة العشق المحمّدي الأصيل، والعروج بفيض من عبير الولاية إلى جنان الخلد، ولأن أغلب تلك اللحظات المسجلة كانت من صلب الحقيقة والواقع.

*للشهادة قصص
أسست هذه الأفلام الوثائقية لجيلٍ جديد من المخرجين المخضرمين الذين تعاقبوا على إنتاج أفلام الجبهة، ونذكر المخرج "إبراهيم حاتمي كيا" الذي يعتبر من أوائل الذين خاضوا هذا الميدان من خلال أفلام كثيرة كان أبرزها: فيلم "الراصد". ويروي الفيلم سيرة مجاهد شاب يتنقل بين محطات الجهاد ساعياً وراء أداء تكليفه كراصد يعطي إحداثيات للمدفعية من أجل ضرب أهداف العدو، متمنياً الشهادة في كل خطوة يخطوها حتى ينالها في النهاية وقد خضبت دماؤه أرض الميدان فأزهرت نصراً كبيراً. وتوجد أفلام أخرى للمخرج مثل: "المهاجر"، "من الكرخة حتى الراين"، "برج مينو"، "الروبان الأحمر"، "الموج الميت"، "باسم الأب" وأخيراً "رائحة قميص يوسف".

وهنا، نرى أن مفهوم الشهادة قد تجسّد في أشكال وأوجه عدّة، كلِّها كانت تدلّ على حالة واحدة وهي: الوصول للمعشوق الأوحد. ففي "من الكرخة حتى الراين" كانت الشهادة للجريح الكيميائي هي باب الخلاص من العذابات، المتمثلة بآثار السلاح الكيميائي الخطيرة على حياته وبدنه. أما في "برج مينو" فقد كانت الشهادة أمنية يطلبها مجاهد تشارَكَها مع زميل له، وفي "باسم الأب" تمثّلت الشهادة في طلب مجاهد لها قديم في وقت يطلب النجاة لابنته الوحيدة من انفجار لغم كان قد زرعه في تلّةٍ إبّان الجبهة وأصابها بعد مرور سنين عديدة.

*الشهادة وأفلام جديدة
إنّ الحديث عن الشهادة هو أروع ما سعت لتقدّمه السينما الإيرانية في مسيرتها. ولئن كان الحديث عن سينما الدفاع المقدس الذي قارب هذا المفهوم بشكل واضح وبيّن، حديثاً طويلاً، فإننا سنسعى لسرد بعضه في مقالات أخرى؛ لأن هذا النوع من السينما قد حوى أنواعاً أخرى من الجهاد كلها كانت تفضي إلى الشهادة مثل مفهوم الأسر، الكوميديا، جرحى الحرب..

1 - فيلم "المنبوذون"

وهنا، لا بد من الإشارة إلى نوعية جديدة من الأفلام التي قاربت هذه المفاهيم بجرأة، وتركت أثراً كبيراً في نفوس كل من شاهدها. ولو أخذنا نموذجاً واحداً منها وهو فيلم "المنبوذون" (إخراجى ها) بأجزائه الثلاثة لوجدنا أن الشهادة ليست حكراً على أحد، أو خاصة بنوعية معينة من الناس، بل التوجه الخالص النابع من عمق الالتزام بأداء التكليف في الدفاع عن المظلومين والثورة في وجه الظالمين. وهنا تكون النتيجة واضحة، وهي هديّة الباري "الشهادة" فما علينا إلا تهيئة الأسباب، والنتيجة تكون بتوفيق من الباري، لأنّ المظهر هنا غير مهم، الشكل غير مهم، المهم هو الإيمان الداخلي الصادق، وهذا ما يراه الباري فقط وهو المهمّ والأساس.

2 - "لعلي أعمل صالحاً"

هو أحد فيلمين عرضا في مجتمعنا اللبناني وتركا أثراً كبيراً، فضلاً عن أن هذا النوع من الأفلام كان مرغوباً ومطلوباً، حيث ارتبط ببدايات تأسيس المقاومة الإسلامية في لبنان، بالإضافة إلى الحالة المعنوية الكبيرة التي تركها دخول الحرس الثوري الإيراني وانتصار الثورة الإسلامية ما جعل أفلاماً كـ"المعبر"، "عروج في الليل"، و"زورق باتجاه الشاطئ".. من الأفلام التي تساعد على التعبئة المعنوية الجهادية، وتقارب مفهوم القتال في الجبهة بشكل كبير، بغضّ النظر عن الطريقة التي تُقدّم بها.

من الأفلام التي عرضتها الجمعية اللبنانية للفنون رسالات في مجتمعنا فيلم "لعلّي أعمل صالحاً" (ديموكراسي تو روز روشن- للمخرج علي عطشاني). يتميز هذا الفيلم بمقاربته لمفهوم الشهادة بشكل كبير، ذلك لأنه يظهر لنا نماذج كثيرة من الأشخاص الذين يتمنون الحصول على الشهادة ويفوزون بها، ونماذج الذين يسعون لأداء التكليف بغض النّظر عن النتيجة التي يصلون إليها أكانت الشهادة أم لا. بالإضافة إلى نموذج القائد الذي يؤدي التكليف ولكنه عندما يصل للنتيجة السعيدة التي يطلبها أي "سائر على هذا الدرب" وهي الشهادة يجد نفسه غير جاهز لهذا الأمر، فيحاول تغيير الواقع بإصلاح أخطاء الماضي مهما كانت بسيطة.

3 -"وداعاً يا صديقي"

أما الأفلام الأخرى التي تركت بصمة واضحة في مجتمعنا المقاوم فهي سلسلة الأفلام القصيرة، وهي أربعة أفلام قصيرة تحت عنوان "وداعاً يا صديقي" (خدا حافظ رفيق) للمخرج بهزاد بهزاد بور والذي نستطيع القول إنه لم يشاهد أحد مجموع الأفلام إلّا وتأثّر بها حتى أن الكثيرين قد شاهدوها مرات عديدة.

إذا أردنا أن نختصر هذه الأفلام القصيرة الأربعة نقول إنها حاكت واقع الشهيد، الشهادة والمشاعر الإنسانية الخالصة، وعبّرت عن مفهوم الشهادة كما يتمنّاها كل عاشق ومحب ويحصل عليها، فمن الجريح الذي كان يعيش مع مشاعر الشهادة في الحياة الزائلة، إلى المخرج الذي كان يعمل على نقل كل تلك الذكريات الإنسانية الخالدة، إلى الطفلة التي خلقت حالة معنوية لا مثيل لها بين المجاهدين السائرين في درب الجهاد، وختامها كان مع ذلك الشاب الذي شاهد القصص الثلاث وختمها بالنهاية التي يتمناها كل عاشق للقاء معشوقه، بالشهادة الخالصة المعطرة بأريج السمو بالنفس إلى حالات الوجد والعرفان.

*وردة عبيرها رباني
يبقى أن نقول: إن الشهادة هي تلك الوردة الجورية التي بمجرد أن نقاربها في فكرنا نتمنى النظر إليها، وعندما نراها نتمنى تنشق عبيرها، وعندما نتنشق ذلك العبير الرباني، نحلق على صفحات الروح إلى عالم الخلود الأبدي، وهناك تكون البداية..

كثيرون مَن تعلمنا منهم معنى الشهادة..
كثيرون من حاولوا أن يجسدوا لنا الشهادة الحقّة..
كثيرون من نالوا الشهادة....
ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً...
إلى كل الشهداء، العابرين في درب التكليف...ألف سلام وتحية...


(*) مدير قسم الدراما في جمعية رسالات للفنون اللبنانية.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

🌹

A.h

2014-05-14 17:14:42

لطالما كُنت ابحث عن مرجع اعرف منه اسماء افلام تحكي قصص الشهادة والشهداء ، وكأني وجدت روحي الآن .. شكرا جزيلا .. ولكن اين اجد هذه الأفلام ؟ هل هي موجوده على شبكة الأنترنت ؟ بحثت عن بعضها فلم اجدها🌹