الشيخ بسّام محمد حسين
تتّفق الأمم على اختلاف ثقافاتها ومنطلقاتها الفكرية والدينية على احترام ما تقدّسه
المجتمعات البشرية فيما بينها، بل وتعدّ التعرّض لها جريمة يعاقب عليها القانون،
كما تنصّ عليه المواثيق والأنظمة الدولية والمحلية.
فليس لأحد أن يتعدّى على مقدّسات الآخرين، سواء كان ذلك تعدياً بعمل خارجي كالتخريب
أو الهدم، أو بالقول واللسان كالإساءة أو التوهين.
وقد عانى الشيعة على مرّ التاريخ من الاعتداء على مقدّساتهم من قبل خصومهم وأعدائهم.
فهذا هارون الرشيد الحاكم العباسيّ يقوم بهدم قبر الحسين عليه السلام وحرثه، وبعده
المتوكّل العباسيّ يهدمه مجدّداً بعد أن جدّد الشيعة بناءه، وقد تمادى المتوكّل في
خبثه وعدائه، فأجرى الماء على قبر الإمام عليه السلام ليعفي أثره، فلم يزده الله
تعالى إلّا علوّاً ورفعة.
وظلّ الشيعة يحافظون على مقدّساتهم حتّى آل الأمر إلى الفرقة الوهابيّة التي ظهرت
في أرض الحجاز، فعمدت إلى هدم قباب وقبور الأئمّة من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم، والتي لا تزال شاهدة إلى اليوم على جريمتهم النكراء بحقّ الدين وتاريخ
المسلمين. ولولا وقوف المخلصين من أبناء المسلمين على تعدّد مذاهبهم لطالت أيديهم
الأثيمة قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
واستمرّ الظلاميّون من أبناء العصر على نهج أسلافهم الآثم؛ أعني الفئة المحسوبة على
الإسلام من أتباع النصرة وداعش، الذين اعتدوا على المقدّسات مجدداً فقاموا بتفجير
مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام في مدينة سامراء.
ولم يقتصر التعدّي من هذه الفئة المجرمة على مقدّسات الشيعة فحسب، بل طال جميع
المذاهب الإسلامية، بل والمسيحية وغيرها من أتباع الديانات الأخرى.
وأمام هذا العدوان التاريخي الطويل، لم يكن الشيعة يقومون بأيّ ردّ فعل مبالغ فيه،
سوى الدفاع عن تلك المقدّسات بما يملكون من الموقف أو الكلمة أو الإصرار على ممارسة
عباداتهم وشعائرهم الدينية، التي كانت تكلّفهم بذل أرواحهم في كثير من الأحيان.
وإذا كانوا في ذلك الوقت يكتفون بتلك المواقف دون المواجهة الميدانية، فإنّ ذلك لم
يكن خوفاً أو جبناً، كيف وقد بذل الكثير دماءهم وأرواحهم في سبيل المقدّسات، وإنّما
ذلك يعود فيما يعود إلى عدم تمكّنهم من الدفاع الميدانيّ، وأولويّة حفظ المذهب
والمجتمع الشيعي الذي كانت تسيل الدماء من أبنائه على أيدي الحكّام والسلاطين على
مرّ العصور، حتّى إنّه يمكن وصف من تبقّى منهم في كلّ زمان ببقيّة السيف!
واليوم، وبعد انتصار الجمهورية الإسلامية في إيران، بقيادة إمام الأمّة العظيم روح
الله الموسوي الخميني قدس سره، وخلفه الإمام السيّد علي الخامنئي دام ظله، شعر جميع
المستضعفين في العالم بأنّ لهم ظهراً قويّاً بإمكانهم الاستناد إليه، فخرجت حركات
المقاومة إلى الميدان للدفاع عن مقدّساتها أمام الهجمة الإرهابية المستجدّة.
وببركات دماء الجرحى والشهداء التي سالت على أرض الميدان فقد تحقّق النصر تلو النصر،
وحفظت المقدّسات والكرامات والأعراض والنفوس والأموال، وأخذت الأمّة زمام المبادرة
بعد طول عهدها بالشعور بالضعف والهزيمة؛ ما يحقّق أحد أهم الأهداف التي ننشدها في
مسيرة الإعداد والتمهيد لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.