تحقيق: نانسي عمر

لمن فاتته فرصة الالتحاق بمجاهدي الدفاع المقدّس في سوريا ولبنان، فلديه فرصة إلكترونيّة فريدة من نوعها. هي تجربة مميّزة لوحدة الإعلام الإلكترونيّ في حزب الله بالتعاون مع موقع العهد الإلكترونيّ، نفّذتها مجموعة صغيرة من الشبّان بقدرات ومهارات وروحانيّة عالية؛ لينتج عن مجهودهم الكبير خلال سنتين من العمل تقريباً، لعبة إلكترونيّة تضاهي بجودتها الألعاب الأجنبيّة المماثلة.

لعبة الدفاع المقدّس، تحت شعار حماية الوطن والمقدسات، لعبة "أكشن" تُتيح للّاعب فرصة خوض معارك مع المسلّحين الإرهابيّين الذين دخلوا إلى سوريا والحدود اللبنانيّة منذ أعوام قليلة، حيث تبدأ المعركة من محيط مقام السيّدة زينب عليها السلام، ثم تنتقل إلى منطقة الحجّيرة، فالقصير وصولاً إلى جرود رأس بعلبك حيث يتمّ إنهاء المهمّة بإزالة خطر "الدواعش" عن الحدود اللبنانيّة السوريّة.

* محاكاة تهدف إلى توثيق المرحلة
يقول حسن عـــــلّام (مصمّم اللّعبــة): "لعبة الدّفاع المُقدّس ليست مجرَّد لعبة، إنّما هي مُحاكاة تهدف إلى توثيق مرحلَة من مراحلِ الدّفاع المُقدَّس في وجه المَدّ التَّكفيريّ ومواجهة المَشروع الأميركيّ – الصهيونيّ، وتُؤرّخ للتضحيـــات الجِسام التي تُبذَل في هذا الطريق، وهي بمثابة تحيّة إلى أرواح الشُّهـــــداء وعوائلِهم وتضحياتِ الجَرحى".
ويضيف: "حاولنا اتّباع كلّ الخطوات التي تسهّل على اللّاعب إنجاز المهامّ المطلوبة. ففي مقدّمة اللّعبة وضعنا له أيقونة تعرّف على مضمون اللّعبة وكيفيّة اللّعب والأزرار التي يجب استخدامها. وقد شرحنا للّاعب كيفيّة خوض المراحل الثمانية والمهام الموكلة إليه في كلّ مرحلة، كذلك خصّصنا موقعاً إلكترونياً للتعرّف على اللّعبة والمشاركة في التعليقات والملاحظات حولها، وهذا الموقع هو www.holydefence.com، حيث يمكن لأيّ شخص التعرّف على اللّعبة وأهدافها ومراحلها وأماكن بيعها وسعرها أيضاً".

* رافِق أحمد في اللعبة
ولتقوم مجلّة "بقية الله" بتعريف قرّائها الأعزّاء على تفاصيل اللّعبة ومراحلها، كان الخيار أن تخوضها مع القارئ وتنقل له التجربة، دون الاعتماد على لاعبين آخرين. وبدأت الرحلة الجهادية وإليك التفاصيل:
1- شعارها الدفاع
أول ما يلفتك عند الدخول إلى اللعبة هو "الشعار" الذي اختاره القيّمون عليها، وهو قبّة مقام السيدة زينب عليها السلام في سوريا، معانقاً عبارة "الدفاع المقدس" الذي حملته المعركة الطويلة التي خاضها مجاهدو المقاومة الإسلامية، دفاعاً عن الأرض والمقدّسات في سوريا ولبنان من خطر تسلّل الإرهابيّين التكفيرييّن.
يرافق ظهور الشعار موسيقى هادئة، تتبعها موسيقى ثوريّة ترافق مشاهد من الإرهاب الذي مارسه التكفيريّون في المناطق التي دخلوها، وفي مقابلهم رجال المقاومة الأبطال يتصدّون بكلّ شجاعة؛ ليرتفع بعدها نداء: "لبيك يا زينب"؛ فتشعر بأنّك في قلب المعارك مع المجاهدين الأبطال.

2- أحمد في حرم السيدة زينب عليها السلام
في البداية، يظهر أحمد، وهو رجل مدنيّ، في طريقه إلى مقام السيّدة زينب عليها السلام للزيارة. يقف أمام الباب، يقرأ إذن الدخول، ثم يدخل ليجول في الحرم الشريف حيث صوّره القيّمون على اللّعبة بدقّة عالية تعكس تفاصيله بشكل لافت. وقد تمّت الاستعانة بمؤثّرات صوتيّة هي غايةٌ في الجمال، فأصوات العصافير تترافق مع صوت تلاوة القرآن الكريم، تشعر معها كأنّك داخل المقام في وقت باكر من الصباح الهادئ . وفي باحة المقام ترى، من بعيد، زائراً يقرأ زيارة السيدة زينب، ما إن تقترب منه حتّى تسمع صوته وهو يقرأ الزيارة المكتوبة المعلّقة على جدار المقام كما هي في الواقع، ليأخذك الصوت إلى جوّ روحيّ مميز، وتكسب أجر الزيارة عن بعد. وبعد أن تُنهي القراءة وتبتعد، يَخفُت الصوت تدريجياً حتّى يختفي. وهذا أحد الأمور التقنيّة اللّافتة والمميّزة في اللّعبة.
وبينما يجول أحمد في أروقة المقام الشريف تبدأ أصوات القصف من الخارج، كما حصل فعلاً في بداية الحرب في سوريا.

3- أحمد مدافعاً عن المقام
أمام هجوم المسلّحين الإرهابيّين، يجد أحمد نفسه بين رجال الله، فيطلب منهم الالتحاق بهم ومساندتهم في أداء الواجب الجهاديّ والدفاع عن حرم السيّدة زينب عليها السلام، وهكذا يرتدي أحمد البزّة العسكريّة ويحمل سلاحه وينضمّ إلى صفوف المدافعين عن الحرم.
تنتهي المعركة في منطقة جوار السيدة زينب عليها السلام وعلى مراحل محدّدة، بحيث يُسمح للّاعب بالإصابة عشر مرّات، بعدها يُعلن نبأ استشهاده بظهور المقولة الشهيرة لسيّد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) على الشاشة: "شهداؤنا عظماؤنا". ويمكن للّاعب أن يستعيد عافيته بنسبة 100 %، بعد الإصابة، كما يمكنه أن يحصل على ذخيرة جديدة من أرض المعركة.

4- إزالة الخطر في الحجّيرة
وبعد الانتهاء من تطهير منطقة السيّدة زينب عليها السلام، ينتقل اللّاعب إلى المرحلة التالية في منطقة الحجّيرة المعروفة في سوريا. المهمّة الرئيسة هي إزالة خطر مدافع الهاون عن المقام الشريف، حيث كان إرهابيّو الدواعش يقصفون مقام السيّدة زينب عليها السلام بواسطة مدافع الهاون انطلاقاً من البساتين القريبة من منطقة الحجّيرة. في هذه المدينة تجد آثار الحرب والقصف والدمار واضحة على الأبنية والمحلّات التجاريّة والطرقات وحتّى الأنفاق، التي صوّرت بدقّة متناهية وجودة فائقة.
وفي إطار استكمال العمليّة العسكريّة في منطقة الحجّيرة، يتابع اللاعب المعركة، حيث تكون المهمّة، تطهير مقرّ قيادة الدواعش وتحقيق السيطرة الكاملة على المنطقة، بهدف إبعاد المسلّحين الإرهابيّين عن المحيط الجغرافيّ لمنطقة المقام الشّريف..

5- معركة القصير التاريخيّة
ما إن يُنهي اللّاعب مهمّته في الحجّيرة حتّى ينتقل إلى المرحلة التالية التي تقع أحداثها في بلدة القصير الحدوديّة المعروفة، التي يشاهد اللّاعب معالمها المشهورة ومدارسها وأبنيتها وكنيستها، وكما هي في الحقيقة، قد ظهرت عليها آثار الدمار والخراب بعد دخول المسلّحين التكفيريّين إليها وتهجير سكّانها وتدمير معالمها.
إنّ مهمّة اللاعب هنا تحرير الرهائن المدنيّين المحتجزين لدى القوى التكفيريّة، حيث يجب الحفاظ على حياة المدنيّين قبل بدء الهجوم والسيطرة الكاملة على القصير. وانطلاقاً من ضرورة إبعاد الخطر الإرهابيّ الداعشيّ عن القُرى اللُّبنانيّة، لا بُدّ من متابعة الهجوم والسيطرة على كامل المدينة. وتجدر الإشارة إلى أنّ المهامّ الموكلة إلى اللّاعب في كلّ مرحلة يتعرّف عليها قبل الدخول إليها.

6- الدفاع عن الوطن: معركة بعلبك
في المرحلة التالية، توكل إلى اللّاعب مهمّة تنفيذ عمليّة أمنيّة، تهدف إلى القضاء على أحد أهمّ المنسّقين في "داعش"، عبد السلام الهنداوي الملقّب بـ"أبو عبدو"، وقد كان يعمل على نقل الإرهابيّين الانتحاريّين إلى المناطق اللبنانيّة. وبعد القضاء على الهنداوي في مقرّه، تبدأ المرحلة الأخيرة من اللّعب، وهي معركة صدّ هجوم القوى التكفيريّة على منطقة رأس بعلبَك اللبنانيّة، وهي معركة الدفاع عن الوطن، حيث يجد اللّاعب نفسه محاطاً بالعلم اللّبنانيّ وراية المقاومة عن يمينه، ومن خلفه قوّة الإسناد الصاروخيّ التابعة للمقاومة الإسلاميّة، لمساعدة اللّاعب على إنّهاء المرحلة والقضاء على الإرهابيّين.

* القيمة التربويّة: لا مشاهد دموية
من التقنيّات التي ميّزت تصميم "لعبة الدفاع المقدّس"، عدمُ وجود مشاهد قتل دمويّة أو تشويه للجثث، وهذا ما أكّده "حسن علّام" بقوله: "إنّ القيّمين على اللّعبة تجنّبوا هذه المشاهد لتبقى أهداف اللعبة روحيّة وعقائديّة؛ لأنّ الهدف منها على نقيض هدف ألعاب القتال الأجنبيّة تماماً. فهذه اللّعبة بمثابة أداة مواجهة للثقافة المُتوَحِّشة التي تَغزو أسواقنا عبر الألعاب المُجرَّدة من الحِسّ والانتماء. والعمليات العسكريّة والدفاعيّة إنّما تتمّ هنا بشكل "لائق"، يناسب القيم التربوية للإنسان المُدافع، وليس المتعطّش للعنف والقتل وإبادة الآخر، حتّى إنّ الجثّة تختفي بعد إصابة المعتدي ووقوعه على الأرض".

* حرب إلكترونيّة
ويؤكّد علّام أنّه قد تمّت الاستعانة بمجموعة من اللّاعبين وصل عددهم إلى خمسة وأربعين تقريباً، من الذكور والإناث، تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والخمسين تقريباً، و"هي الأعمار التي أُعدَّت لها هذه اللّعبة، وقد أجروا تجاربهم على اللّعبة وأبدوا تأثّراً وحماساً كبيرين خلال تجربتها". ويضيف: "تمّ أخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار، فقد ألغينا من اللعبة وأضفنا إليها ما وجدنا عليه شبه إجماع من عيّنات اللاعبين الذين جرّبوا اللعبة".
يذكر علّام أنّ أكثر من 150 وسيلة إعلاميّة محليّة وأجنبيّة تحدثّت عن اللّعبة، وأبدت اهتمامها في تغطيتها إعلاميّاً، بعضها انتقدها، وبعضها الآخر أشاد بأهميّتها باعتبارها تنشر ثقافة المقاومة والممانعة والحرب على الإرهاب. وهذا -بحسب علام- "دليل على قدرة الألعاب الإلكترونيّة على التأثير، وأهميّة دورها في الحرب الإلكترونيّة التي تعتبر جزءاً مهمّاً من الحرب الثقافيّة الغربيّة على مجتمعاتنا الإسلاميّة ومحور المقاومة تحديداً".

ختاماً، قد تشكّل هذه اللّعبة وسيلة نقل معرفة لجيل رقميٍّ آتٍ، لكنّها بلا ريب، إنجازٌ جديدٌ في تحويل الألعاب القتاليّة إلى قيمة تربويّة وعقائديّة وأخلاقيّة أيضاً، بحيث تضاف كإنجاز متواضع أمام إنجازات رجال الله في الميدان الحقيقيّ.
وتذكَّر، إنْ خضت اللّعبة لمحاكاة تجربتهم أن تقرأ الفاتحة وتهديها إلى أبطال المعركة الحقيقيّين، وإلى أرواح الشهداء.