عزيزي كاتب المقال في العدد الحادي عشر تحت عنوان "السفر والهجرة لتحسين المعاش" قرأت مقالك كلمة كلمة وشعرت بمدى تقصيري وأنا أعيش في بلدان الغربة بعيداً عن إخواني المجاهدين الذين يتحملون لوحدهم مسؤولية المواجهة الكبيرة والمخططات الخبيثة التي يحيكها الاستكبار ضد المسلمين، ولكنني من جانب آخر أحمل شهادة جامعية في التقنية العالية وأنني مضطر للعمل هنا لأنني إذا رجعت بلدي (وأشير هنا إلى أنني من لبنان) فإن ما تعبت من أجل الوصول إليه في سنوات سوف لن أستخدمه في أي شيء، وهكذا أضيع جهودي في أمور لا طائل منها.
اخترنا هذه الرسالة من بين العديد من الرسائل التي وصلتنا كتعليق أو اعتراض أو استفسار عن المقالة التي وردت في العدد السابق، ويذكر أصحابها- مع اتفاقهم على أهمية الجهاد في سبيل الله والمواجهة في لبنان- أن مجيئهم إلى لبنان سوف يعرضهم مشاكل مختلفة كالضائقة المعيشية أو عدم توفير فرص العمل المناسبة أو ضياع الاختصاص والمهنة.
وربما تعود هذه المناقشة إلى عدم وضوح الأفكار التي طرحت في البحث السابق أو عدم توضيحها بالشكل المطلوب. ولكن نعود ونقول بأن الإيمان بالغاية الحقيقة التي خلقنا لأجلها ومعرفة حقيقة الدنيا والآخرة وأن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر وفيها تظهر أعمال كل إنسان، فإذا كانت طاعة فهي الجنة والنعيم وإذا كانت حراماً أو اشتغالاً بالأهواء النفسية فهي الجحيم والخسران المبين.
الذي يؤمن بهذه المبادىء سوف يوجه حياته نحو الطاعة لله وأداء التكاليف الإلهية ويمسك نفسه على الالتزام التام بالأوامر الشرعية ويرتقي فوق طلب الجنة أو الخوف من النار إلى طلب رضا المحبوب ولقاء الرب المتعال. وهكذا يبدأ هذا الإنسان بتنظيم حركته في الحياة على أساس ما يريده الله منه حتى ولو خالف مصلحته الدنيوية ومنافعه الذاتية لأنه يعلم أن السعادة الحقيقة تكمن في ظل السير وفوق المنهج الإلهي، وفي بحثنا الماضي اعتبرنا أن هذه المسائل من الأمور المسلمة ولا ينبغي النقاش فيها لأن هذا يعد معصية واضحة واعتراضاً على الله تعالى، وإنما النقاش يدور حول تحديد الموقع الحقيقي للسفر والهجرة على ضوء التكليف. وبتعبير آخر هل أن السفر يعد مخالفاً للتكليف؟
وما ذكر أيضاً أن السفر بحد ذاته إذا كان لطلب المعاش أو تحصيل العلم لا يكون محرماً إلا إذا خالف التكليف أو منع من أدائه. ويكفي النظر الآن إلى حقيقة الأوضاع السياسية التي يعيشها لبنان لكي يدرك الإنسان أنه مسؤول عن هذه المواجهة المستمرة والحرب البغيضة التي تشنها أمريكا وإسرائيل على الشعب المسلم في هذا البلد.
ولا يعني هذا أن جميع المسافرين في بلدان العالم هم عصاة خارجون عن التكليف، لأن هناك عناوين ثانوية تجيز للبعض مثل هذا السفر لطلب العلم أو القيام ببعض المهمات أو تبليغ الإسلام. ولكن!!
* من أين يؤخذ العنوان الثانوي؟
إننا نؤمن أيضاً بأن القيام بالأعمال المباحة أو الصالحة لا يدل على صحتها، فإن على المكلف أن يحصّل براءة الذمة في أعماله وواجباته. ويشمل هذا الأمر كل مجالات الحياة وشؤونها. والمسائل السياسية تقع على رأس الواجبات لما ينجم عنها من مصالح أو مفاسد عظيمة تفوق كل شيء. وهكذا فإن الولي الفقيه الجامع للشرائط والمتصدي للشؤون السياسية هو الذي يحكم بالعناوين الثانوية بل إن عدم الرجوع إليه بعد معصية وخروجاً عن التكليف.
فالتكليف الواقعي اليوم هو وجوب التصدي ومجاهدة الأعداء بكل الأشكال، وربما يصدر الفقيه حكماً ثانوياً في بعض الموارد تجيز للفرد إن يعمل خارج التكليف المذكور في بعض المجالات. وهكذا فإن براءة الذمة في وجودنا خارج دائرة الصراع يتطلب منا أخذ الإجازة من الولي الفقيه المتصدي لشؤون المسلمين.
وقد يتقدم بعض ذوي الاختصاصات العالية والمشاريع الكبرى باستفسار حول ما ستؤول إليه إمكاناتهم الجيدة عندما يحضرون إلى لبنان، ألا يعتبر هذا تضييقاً لها وتراجعاً إلى الوراء. وهنا نقول: صحيح أن الولي الفقيه هو الذي يحدد الحكم ويوجه الأمة إلى المعركة الحقيقية ولكن الأمة تتحمل مسؤولية واضحة في الإعلان عن استعدادها للقيام بالمشاريع المتقدمة. وهذا ما يجعل الفقيه أمام مسؤولية أخرى وهي توظيف هذه الطاقات التي برزت من بين أفراد المسلمين وتوجيهها في المسار الصحيح. فالأمة يقع على عاتقها الإبلاغ في النصيحة فإن الله تعالى إذا نظر إلى مسلم وهو يجهد نفسه في النصيحة للأمير العادل جعله في أعلى عليين. ويقع على عاتق الولي الفقيه مسؤولية التخطيط لاستثمار تلك الطاقات بل إبراز الكامن منها وتفعيلها في الواجب الملقى على جميع المسلمين بمن فيهم هو.
* وخلاصة الإجابة:
1- السفر مثل بقية شؤون الحياة ينبغي أن يرجع إلى التكليف.
2- هل أن السفر يناقض التكليف الأولى (وهو الجهاد)؟
3- الأمة يجب عليها أن تتقدم بالنصيحة (المشروع) والإمام العادل يوجه الطاقات ضمن دائرة التكليف.