صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مع الإمام الخامنئي: تكلّموا مع الله


"في سجون الطاغوت، كنّا عندما تضيق صدورنا، وعندما نخاف... نتكلّم مع اللّه، لكن مَن لا يملك الإيمان ماذا يفعل؟! فهو شقيٌّ وتعيس". يشكّل الدعاء أحد عناصر سلسلة العلل والعوامل المنظّمة للكون، فلا يتصوّر أحد أنّ الدعاء نقض لها، بل الدعاء في نفسه علّة، فمَن أوجد قانون الجاذبيّة الأرضيّة وقانون الذرّة، كذلك جعل قانون ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60).

* من أبعاد الدعاء
لا تعتبروا أنفسكم في غنىً عن الدعاء والإنابة إلى الله تعالى؛ ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ (الفرقان: 77). فالدعاء من أبواب نظر الله وعنايته بنا. والدعاء، الذي هو ارتباط الإنسان باللّه، هو بمعنى النداء؛ بأن ينادي الإنسان ربّه ويناجيه ويكلّمه. وعندما يدعو الإنسان ربّه قائلاً: "يا اللّه"، يعقبه: "لبّيك" من الباري سبحانه وتعالى. وله أبعاد:

- أوّلاً: الالتماس والطلب والرغبة
كأن نطلب من الله غفران الذنوب، وطول العمر، وطلب السلامة، وشفاء المريض، وسلامة المسافر، ورفع المشاكل، وطلب المال، وقضاء حوائج الدنيا...
وقد وعد الباري تعالى بالإجابة إنْ كان الدعاء حقيقيّاً نابعاً من القلب لا لقلقة لسان، ولا يتعارض مع مصلحة أخرى، كأن يكون في طلب شيء نفع لك وضرر على غيرك.

- ثانياً: بُعْد المعرفة
الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام هي بحر من المعارف الإسلاميّة، فلو جمعت كلّ الروايات حول المعارف فلن تكون بمقدار المعارف الواردة في الأدعية. فالمعارف الإسلاميّة في أدعية الصحيفة السجاديّة ودعاء أبي حمزة الثماليّ، والمناجاة الشعبانيّة، ودعاء كميل.. كثيرة جدّاً. كلّ دعاء هو كتاب للمعارف الإلهيّة في الموضوعات المختلفة.

- ثالثاً: العلاقة والارتباط باللّه
إنّ جميع الأشياء في الدنيا مرتبطة بالذات الربوبيّة المقدّسة، والإنسان كذلك، باعتباره أشرف المخلوقات، وجوده مرتبط بالذات الإلهيّة المقدّسة. وهذا الإحساس في الدعاء يعطي الإنسان حالة من المعنويّة والعروج والسلوك. وهذه أعظم فوائده، حيث يصبح الدعاء هنا هدفاً لا وسيلة. وهذا ما يستفاد ممّا روي عن حال الأئمة عليهم السلام عندما كانوا يناجون ربّهم وينسون أنفسهم. فروح الدعاء تكمن في الارتباط بالله ومعرفته، والاستفادة من المعنويّات، وتطهير الذات، وتصفية الذهن من الوساوس.

* من بركات الدعاء
1- الدعاء مخّ العبادة وروحها.
2- إنْ دعا الإنسانُ ربّه وشعر بالارتباط به، فلا يصاب بالضعف والانكسار، ولا بالطغيان والاستكبار، فببركة الدعاء يمكن بناء مجتمع مؤمن متكامل مرتبط باللّه.
3- الدعاء يعني الأمل، الأمل بالإجابة، وهو الذي يشغل القلوب وينوّرها. وببركة الدعاء المفعم بالأمل ينشط المجتمع.
4- إعمار حياة الشعوب، فلا بدّ لشعب يهدف إلى إنجاز عمل عظيم أن يفتح لنفسه باباً واسعاً للدعاء وطلب العون من اللّه، إلى جانب العمل الجادّ والسعي الحثيث. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومون عليهم السلام كانوا يمدّون يد التوسّل والدعاء ويلتجئون إلى اللّه (سبحانه وتعالى) في ساحات الخطر وعند اتّخاذ المواقف المهمّة.

* للدعاء أدبٌ روحيّ
1- الأمل بالإجابة: إنّ رابطة الدعاء هي رابطتكم القلبيّة مع الله، فإذا لم تمتلكوا الأمل، لن تطلبوا من الله شيئاً. إنّ الإنسان اليائس هو الذي لا يطلب شيئاً.
2- اطلبوا كثيراً: لا فرق عند اللّه بين القليل والكثير، فإن طلبتم مئة شيء، فاطلبوا الواحد بعد المئة وهكذا.
3- اطلبوا الأشياء الكبيرة: ورد في دعاء السحر "إِلهِي، طُمُوحُ الآمالِ قَدْ خابَتْ إِلّا لَدَيْكَ، وَمَعاكِفُ الهِمَمِ قَدْ تَعَطَّلَتْ إِلّا عَلَيْكَ". فلا تطلبوا ما هو قليل وسهل، بل اطلبوا ما هو الأكثر أهميةً لدنياكم وآخرتكم.
4- ادعوا بمقتضى الاستجابة: دعاؤكم أحد عناصر الاستجابة لا العلّة التامة للاستجابة، فمن الممكن أن توجد مصلحة معارضة فلا يستجاب دعاؤكم، فقد يكون ما لا يستجاب خيراً لنا ممّا يستجاب، فقد ورد في دعاء الافتتاح "ولَعَلَّ الَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعَاقِبَةِ الأُمُورِ". فالله تعالى يحقّق ما هو خير لنا، ولو كان عكس ما ندعو به.

* فلتكن هذه مطالبكم
1- غفران الذنوب: اطلبوا من الله تعالى أن يزيل الآثار المتبقّية في القلوب والنفوس؛ نتيجة ارتكاب المعاصي والذنوب، واسألوه تعالى أن يفتح أمامكم أبواب التوبة.
2- محبَّة الله: اطلبوا من الله تعالى أن يمنحكم مقام المحبَّة الإلهيّة.
3- صلاح أمور الأمَّة الإسلامية: اطلبوا من الله تعالى أن يُصلح أمور الشعوب الإسلاميّة وبلدانها كافّة، وأن يهدي جميع أفراد البشريّة إلى الصراط المستقيم.

ختاماً، أوصي الشــباب بأن لا يسمحوا للخوف من القوى الكبرى أن يتسلّل إلى قلوبهم، وأن لا ينبهروا بقدراتها. وهذا لا يتحقّق إلّا عن طريق الأنس باللّه والدعاء والتضرّع والتوسّل إليه تبارك وتعالى؛ فالانقطاع إليه يزيل الخوف ممّن سواه سبحانه وتعالى.
سلوا الله تعالى، ويمِّموا قلوبكم النقيّة نحوه وكلّموه. وليس من لغة خاصّة للحديث مع الله جلَّ وعلا، غير أنّ أئمّتنا المعصومين عليهم السلام الذين ارتقوا مراتب القرب إلى الله واحدة تلو الأخرى، قد كلّموا الله بألسنة متميّزة، وعلّمونا سبيل التكلّم معه سبحانه من خلال الأدعية المعروفة بمضامينها الراقية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع