مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشكاة الوحي: الخواطر النفسانية والوساوس الشيطانية






إعلم أن الخاطر ما يعرض في القلب من الأفكار فإن كان مذموماً داعياً إلى الشر سمي (وسوسة)، وإن كان محموداً داعياً إلى الخير سمي (إلهاماً).
وتوضيح ذلك: إن مثل القلب بالنسبة إلى ما يرد عليه من الخواطر مثل هدف تتوارد عليه السهام من الجوانب، أو حوض تنصب إليه مياه مختلفة من الجداول، أو قبة ذات أبواب يدخل منها أشخاص مختلفون، أو مرآة منصوبة تجتاز إليها صور متباينة. فكما أن هذه الأمور لا تنفك عن تلك السوانح، فكذا القلب لا ينفك عن واردات الخواطر. فلا تزال هذه اللطيفة الإلهية مضماراً لتطاردها ومعركة لجولانها وتزاحمها، إلى أن يقطع ربطها عن البدن ولذّاته، ويتخلص عن لدغ عقارب الطبع وحيّاته.

ثم لما كان الخاطر أمراً حادثاً فلا بد له من سبب، فإن كان سببه شيطاناً فهو الوسوسة، وإن كان ملكاً فهو الإلهام. وما يستعد به القلب لقبول الوسوسة يسمى إغواءً وخذلاناً، وما يتهيأ به لقبول الإلهام يسمى لطفاً وتوفيقاً. وإلى ذلك أشار سيد الرسل ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بقوله: "في القلب لمتان، لمة من الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنهمن الله سبحانه وليحمد الله، ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير، فمن وجد ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم تلا قوله تعالى:﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ..

بعد أن عرفت أخي القارئ أن الوسواس أثر الشيطان الخنّاس، والإلهام عمل الملائكة الكرام. ولا ريب في أن كل نفس في بدو فطرتها قابلة لأثر كل منهما على التساوي، وإنما يترجح أحدهما بمتابعة الهوى وملازمة الورع والتقوى، فإذا مالت النفس إلى مقتضى شهوة أو غضب وجد الشيطان مجالاً فيدخل بالوسوسة، وإذا انصرفت إلى ذكر الله ضاق مجاله وارتحل فيدخل الملك بالإلهام. فلا يزال التطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة النفس لهيولانية وجودها وقابليتها للأمرين بتوسط قوتيها العقلية والوهمية، إلى أن يغلب أحد الجندين ويستوطن فيها، وحينئذٍ يكون اجتياز الثاني على سبيل الاختلاس، وحصول الغلبة إنما هو بغلبة الهوى أو التقوى فإن غلب عليها الهوى وخاضت فيه صارت مرعى الشيطان ومرتعه وكانت من حزبه، وإن غلب عليها الورع والتقوى صارت مستقر الملك ومهبطه ودخلت في جنده، قال رسول الله (ص): "خلق الله الإنس ثلاثة أصناف، صنف كالبهائم قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين، وصنف كالملائكة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله".
 

فالخلاص إذاً من أيدي الشياطين يحتاج إلى مجاهدة عظيمة ورياضة شاقة لا يتمكن منها سوى المؤمنين حقاً الذين هدى الله قلوبهم ووهبهم الإرادة والعزيمة على فعل الخير وترك الشر، فمن لم يقم في مقام مجاهدة النفس بكسر هذه الوساوس الشيطانية كانت نفسه هدفاً لسهام إبليس وإغواءاته أعاذنا الله تعالى منها.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع