لستُ شيعيّاً وأحبُّ السيّد مرقد السيّد: ملاذُ القلوب في لبنان إحسان عطايا: السيّد في وجدان فلسطين سيّد شهداء الأمّة: طالبُ علم من النجف حتّى الشهادة الشيخ جابر: شهيدنا الأســمى كـان سيّد القوم وخادمهم السيّد الحيدريّ: ارتباطي بالسيّد نصر الله ولائيّ وفقهيّ مع الإمام الخامنئي | أوّل دروس النبيّ : بنــاء الأمّــة* نور روح الله | تمسّكـوا بالوحدة الإسلاميّة* أخلاقنا | سوء الظنّ باللّه جحود* فقه الولي | من أحكام مهنة الطبّ

مع إمام زماننا | هل يُمكن رؤية الإمام في غيبته؟*

السيّد عبّاس عليّ الموسويّ


إنّ غياب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الأنظار لا يعني أنّه بعيد عن الناس، وخصوصاً شيعته والمؤمنين به الذين ينتظرون خروجه ويتوقّعون ذلك في كلّ لحظة، بل هو يحوط شيعته برعايته وبركاته ويسدّد خطاهم وينقذهم في الأزمات المستحكمة التي يستعصي فيها الحلّ. نعم، الإشكال في رؤية الناس له، فهل رؤيتهم له واقعة أم لا؟

* من يلي أمره
ورد في التوقيع الصادر عنه إلى آخر سفرائه عليّ بن محمّد السمريّ، وقبل وفاة هذا السفير بستّة أيّام، يقول في هذا التوقيع: «فلا ظهور إلّا بعد إذن الله عزّ وجلّ(1)، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذّاب مفترٍ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم».

وهذا التوقيع أخرجه الشيخ الطوسيّ في كتاب الغيبة. وروى النعمانيّ عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «لا يطّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلّا المولى الذي يلي أمره»(2). وروى الكلينيّ في أصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه إلّا خاصّة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه في دينه»(3). والمقصود -بالمولى الذي يلى أمره- أو مواليه؛ الذين يتولّون خدمته وشؤونه، وقد وردت الرواية الصحيحة كما في الكافي للكلينيّ وكتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال: «لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بُدَّ له في غيبته من عزلة، وما بثلاثين من وحشة»(4). وقد ذكر صاحب البحار ما نصّه: «وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام في غيبته لا بدّ من أن يتبادلوا في كلّ قرن إذ لم يُقدَّر لهم من العمر ما قدّر لسيّدهم، ففي كلّ عصر يوجد ثلاثون مؤمناً وليّاً يتشرّفون بلقائه»(5). وهؤلاء الموالي هم الذين يقومون بخدمته ويتولّون شؤونه وينفّذون أوامره، ويمكن -كما استفاد بعضهم- أن يكونوا الأبدال الذين لا تخلو الأرض منهم، وإذا مات واحد، أبدل الله مكانه آخر. قد يقصد بهم أيضاً النجباء كما في الأحاديث(6).

* هل هو الإمام فعلاً؟
إنّ ما يصدر في عصر الغيبة من معاجز وكرامات وحلول لبعض القضايا المستعصية والمهمّة وقضاء حاجات المؤمنين الصعبة، وعلى يدَي من لا نعرفهم ولم نرَ أشخاصهم من قبل، يكشف أنّ بركات الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وعنايته هما وراء ذلك، ولكن هل كان ذلك بالمباشرة منه وحضوره أم بحضور مواليه؟ فهذا ما لا يمكن القطع به، وإن وصلت بركاته إلينا وخيراته للفقراء منّا، لأنّنا لا نعرف شخص الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من قبل، وإن عرفنا أوصافه التقريبيّة، ولأنّ من ذهب إلى رؤيته اشترط عدم معرفته أثناء مقابلته، وهذا المعنى الذي نذهب إليه يقبله العقل ويرضاه ونخرج به عن إشكالات كثيرة تعترض من يذهب إلى رؤيته مباشرة. وأيضاً، هذا المذهب ينسجم مع التوقيع المانع من رؤيته والمكذّب لمن ادّعى ذلك في الغيبة الكبرى، بحيث لا قطع على أنّه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ، بل أمر محتمل أن يكون غيره من أصحابه الأبدال أو النجباء. وبهذا، تحلّ دعاوى من ادّعى رؤيته، فلا يُكذَّب في ذلك بالمطلق ولا يُصدَّق بالمطلق، بل نقول له: طالما أنّك لم تعرف الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من قبل، ولم تعرفه ساعة مشاهدتك له لذهولك في ذلك الموقف، فكما يمكن أن يكون مَنْ رأيته هو الإمام، أمكن أيضاً أن يكون غيره من أعوانه ومواليه أو الأبدال الذين يقيمون معه.

* الإمام معنا
إذا كنّا لم نرَ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بشخصه أو نعرفه عن قرب معرفتنا لبعضنا، فليس معنى ذلك أنّه بعيد عنّا ومعزول عن مجتمعنا، وأنّه لم يرنا ولم يقف على مسيرتنا وسيرتنا. بل إنّه عجل الله تعالى فرجه الشريف يعيش بيننا ويتنقّل في بلادنا وهي محاطة ببركاته وعطفه وعنايته، يتفقّد شيعته ويقف على كلّ شؤون الأمّة وما تعانيه، ففي الحديث عن محمّد بن عثمان العمري قال: والله، إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر موسم الحجّ، يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه. ومن أروع ما قدّمه الإمام الصادق عليه السلام مثلاً لغيبة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وشبهاً له ما قال: «إنّ في صاحب هذا الأمر لَشَبَهاً من يوسف، فقلت -الراوي سدير الصيرفي-: فكأنّك تخبرنا بغيبة أو حيرة؟ فقال: ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك؟ إنّ إخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء أسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلّموه وخاطبوه وتاجروه وَرَاوَدُوه، وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتّى عرّفهم نفسه، وقال لهم: أنا يوسف، فعرفوه حينئذ. فما تنكر هذه الأمّة المتحيّرة أن يكون الله عزّ وجلّ يريد في وقت من الأوقات أن يستر حجّته عنهم؟ لقد كان يوسف النبيّ ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه بمكانه لقدر على ذلك... فما تنكر هذه الأمّة أن يكون الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف، أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم، ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولا يعرفونه، حتّى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف حين قال له إخوته: أإنّك لأنت يوسف، قال: أنا يوسف»(7).

* موسم الحجّ
الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف يحضر موسم الحجّ، ويحجّ مع الناس، ويشاهد الحشود في تلك المناسك، ويراقب بدقّة ما يجري وما يحدث ويحيط به علماً، ويتفقّد من يستحقّ أن ينظر إليه ويكون محلّ عنايته، فالخلق تحت نظره. وأمّا الخلق فلا يعرفونه وإن رأوه، وكذلك الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يمشي في أسواق المسلمين، ويتجوّل فيها، ويرى الصفقات الحلال والأخرى الحرام وكيف يتعامل المجتمع، ويقف على نقاط الضعف والقوّة، وتكون كلّ تجارب الحياة حاضرة عنده.

الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يدخل إلى منازلنا عندما نقيم مجالس العزاء لسيّد الشهداء عليه السلام، أو نعقد مؤتمراً نتدارس فيه شؤون الأمّة، فهو قد يحضر تلك المجالس ليسدّدها ويأخذ بأيدي أصحابها لما فيه خيرها، وقد ورد الحديث عن زرارة قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «يفتقد الناس إماماً يشهد المواسم، يراهم ولا يرونه»(8).

وعن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً: «إنّ للقائم غيبتين يرجع في إحداهما والأخرى لا يُدرى أين هو، يشهد المواسم، يرى الناس ولا يرونه»(9).

* غرضان أساسيّان
من خلال اتّصال الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بالناس بالصورة التي تقدّمت، فإنّه يحقّق غرضين مهمّين:

الأوّل: أنّه يبدّد غربته، وإن كان له من يستأنس به من الأبدال، ويؤنس وحشته بهذا الاختلاط بين الناس، وأيضاً يقضي حاجاته الشخصيّة التي لا تقضى إلّا على يديه.

الثاني: يطّلع على مشاكل المجتمع وما يعيشه الناس في حياتهم وما يقومون به، فيسدّد المستقيم ويصحّح السقيم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحلّ المشاكل المستعصية، خصوصاً تلك المفصليّة التي تهمّ الأمّة بوصفه المسؤول الأوّل عنها، وهو إمامها وإليه ترجع بأمورها كما هو اعتقادنا.


(*) مقتبس من كتاب: الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عدالة السماء، ص 352- 356.

(1) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 480.
(2) الغيبة، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 186.
(3) الغيبة، الشيخ النعماني، ج 1، ص 173.
(4) الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 340.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 53 ، ص 220.
(6) نعم، وردت الرواية أنّ الخضر عليه السلام يجتمع بالقائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ؛ ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول عن الخضر عليه السلام: «وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته» (كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص 391).
(7) الغيبة، الشيخ النعماني، مصدر سابق،
(8) ج 1، ص 165.
(9) المصدر نفسه، ص 180.
(10) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 52، ص 156.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع