مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الآداب المعنوية للصلاة: نبذة من آداب الوضوء الباطنية والقلبية




فمن ذلك ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام: "إنما أمر بالوضوء ليكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبار وعند مناجاته إياه مطيعاً له فيما أمر نقياً من الأرجاس والنجاسة مع مافيهمن ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار".
يذكر الإمام الخميني قدس سره في الآداب المعنوية للصلاة وفي بحثه حول مقدمات الصلاة ومنها الوضوء جملة من الآداب الباطنية والقلبية التي استفادها من حديث الإمام الرضا عليه السلام، وفيه تنبيه لأهل المعرفة وأصحاب السلوك فيقول أن القذارات الصورية (الظاهرية التي تتعلق بصورة الإنسان وظاهره) وكسالة العين الظاهرة (النعاس) تمنع صاحبها من الحضور في محضر الله تعالى.
ويستفاد من هذه الإشارة أنه إذا كانت القذارات الظاهرية مانعة من هذا الحضور فكيف بقذارات القلب والباطن.. فمما لا شك فيه أنها ستمنع صاحبها من هذا الحضور. وخصوصاً أن القذارات المعنوية هي أصل القذارات.

ويضاف إلى هذه الإشارة تأكيد من الرواية الشريفة: "إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم بل ينظر إلى قلوبكم". فالحري بالإنسان إذا عرف أن القذارة الظاهرية مانعة من الحضور أن يلتفت إلى أصل الحضور وهو القلب وأن يطهره من القذارات المتعلقة به.
ومن هذا الحديث يعلم أن هناك رابطة ما بين الظاهر والباطن والشهادة والغيب. فالوضوء الظاهري يسري إلى الباطن - ومع التوجه إلى كونه عبادة وإطاعة للرب - يكون سبباً في طهارة الباطن أيضاً. وكما أن الوضوء بالماء الظاهري يزيل النعاس ويجعل الجسم ملتفتاً إلى ظاهر الصلاة فإن باطن الوضوء يزيل الغفلة ويجعل القلب ملتفتاً إلى باطن الصلاة ويجعله مستعداً للحضور في محضر الكبرياء.
يقول الإمام:
"وبالجملة، لا بد للسالك إلى الله أن يتوجه وقت الوضوء إلى أنه يريد التوجه إلى المحضر المقدّس لحضرة الكبرياء". (الآداب المعنوية ص 164).
إن الإمام سلام الله عليه يؤكد في العديد من المواضع هذه المسألة التي قد لا يلتفت إليها بسهولة. ولكنها أصل وعمدة في سريان العبادات الظاهرية والأعمال الصورية إلى الباطن والقلب، هذه المسألة هي التوجه.

والمقصود من التوجه إعمال المعرفة ومزجها في العمل بطلب الحضور. فها هنا عدة نقاط:
الأولى:
إن الأعمال الظاهرية والعبادات الجوارحية هي الطريق الوحيد لتطهير الباطن.
الثانية: أنه لا بد من سريان حقيقة العبادة الظاهرية إلى الباطن وإلا لم يحصل المطلوب وبقيت العبادة قشراً بلا لب.
الثالثة: إن هذا السريان متوقف على التوجه أثناء العبادة الظاهرة إلى المعبود.

ويستفاد من النقطة الثالثة أن العبادة تقوم على أساس المعرفة كما أشير إليها في عشرات النصوص الشريفة. وهو أصل كلي أساسي نلحظه في منهج الإمام الخميني في العرفان العملي. أن معرفة الله جوهر كل عبادة وروح كل نهج وبمقدار ما يكون للسالك من هذه المعرفة يحصل التوجه وتسري العبادة إلى الباطن فيتنور القلب ويصبح أكثر استعداداً للمعرفة فتزداد معرفته نتيجة هذا الصفاء وهذه النورانية فيقوى توجهه ويزداد تأثير العبادة في قلبه حتى يصل إلى اليقين:  ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين.
وفي الحديث الشريف المروي عن الإمام الرضا عليه السلام يبين لنا الإمام أن التوجه أثناء الوضوء ينبغي أن يكون إلى حضرة الكبرياء. وقد ورد في الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي من نازعني ردائي فقد بارزني". ذلك لأنه لا كبرياء في الوجود إلا لله سبحانه، ولا يشاركه فيه أحد من المخلوقين فهو رداء الألوهية. ومعنى الحديث أن التوجه في الوضوء ينبغي أن يكون إلى الذات التي لا يمكن لأحد من العالمين الإحاطة به أو إدراكها. فالمتوضئ هو الذي ينفي عن المعبود أي اشتراك بينه وبين مخلوقاته، وهو المتوجه إلى حقيقة: (ليس كمثله شيء).

وعندما يحصل له مثل هذا التأمل يلتفت إلى نفسه ليرى هل يليق بمثل هذا المحضر. يقول الإمام قدس سره: "ومع هذه الحالات القلبية التي له يعلم أنه لا يليق للمحضر بل أنه يُطرد من جناب العز الربوبي، فيشمر ذيله لسريان الطهارة الظاهرية إلى الباطن، ويجعل قلبه مورداً لنظر الحق، بل منزلاً لحضرة القدس ويطهره من غير الحق ويخرج من رأسه التفرعن وحب النفس الذي هو أصل أصول القذارات كي يليق للمقام المقدس" (الآداب).
فقد أشار إمامنا العظيم إلى ما ينازع التوجه إلى حضرة الكبرياء والعزة وهو حب النفس والتفرعن الذي هو ادعاء الألوهية كما قال تعالى:﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. وبالتالي فإن من غايات الوضوء في الباطن القضاء على هذا الصنم الخطير الذي هو أصل كل القذارات المعنوية.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع