مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

بنداء يا زهراء


تحقيق: نانسي عمر


حُدّدت ساعة الصفر، لَبس المجاهدون ثيابهم العسكريّة وجهّزوا أسلحتهم، قرؤوا بعض الآيات القرآنيّة والأدعية، وتحضّروا لبدء المواجهة.. وفي الساعة المحدّدة تجمّعوا في نقاطهم وهيّأوا أنفسهم وأرواحهم.. وضعوا عصبات صفراء على جباههم، وبنداء: "يا زهراء" انطلقت المعركة وبدأ النزال.

* هي السرّ المستودع
ما نماذج مجاهدينا وشهدائنا إلّا غيض من فيض الحبّ العميق للسيدة الزهراء عليها السلام الذي يتملّك كلَّ عاشق لأهل البيت عليهم السلام، وكلّ مدافع عن الأرض والمقدّسات، وهي التي بات نداؤها إعلانَ بدايةٍ لمعظم عمليّات المقاومة، ومنطلقاً للهجوم على أعداء الله وأعداء رسوله، والتوسّل بها صار معتمد المجاهدين في ساحات المعركة، فهي الأمّ العطوف التي لا تتخلّى عن أبنائها في أصعب اللحظات..

هي السرّ المستودَع، وصاحبة سرّ بينها وبين المجاهدين، فكيف لسيدة النساء أن تصبح رمزاً للتضحية والثورة في نزال لا يُعرف به إلّا الرجال؟! وما السرّ الذي رافق هؤلاء المجاهدين لتتّقد قلوبهم باسمها المبارَك؟

* تحت مظلّة فاطمة
أرسلَ الشهيد رضوان قاسم العطار(1) إلى زوجتِه ذاتَ مرة رسالةً قال فيها: "من تحتِ مظلّةِ فاطمة وعباءةِ عليّ ونظرِ الحبيبِ عجل الله تعالى فرجه الشريف أهدي سلامي إليكم..". وعندما عادَ أخبرَها أنّه كان قد أنهى العمليّة الجهادية للتّو، وكان أكثر ما أثّرَ فيه نداءٌ بصوتِ أحدِ الشّبابِ المجاهدين: يا فاطمةُ الزّهراء.. روى لها كم أحبّ ذلك النّداءَ ليشعر بحضورها بينهم تمسح على رؤوس المجاهدين، فتستشعر قلوبهم الهيبة وتنضح شجاعةً وبأساً غريباً على أثر ذلك الاسم المبارك. وكم ودّ "رضوان" لو أنّ ذلك الشّاب كان قريباً منه في تلك اللّحظةِ ليعانقه!

يقول عباس (مجاهد في المقاومة الإسلامية): "للزهراء عليها السلام حرارة في قلوب شيعتها، وخاصة المجاهدين.. وكيف لا أكون فداءً لها وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل كفّيها". ويضيف عباس: "إنّ نداء "يا زهراء" الذي نستعين به في معاركنا يشدّ عزيمتنا ويقوّي إرادتنا لخوض المعركة حتّى النصر أو الشهادة، وبه تنجلي قلوبنا؛ لأنّنا نشعر أنّنا بنداء "يا زهراء" ننادي المعصومين الأربعة عشر دفعة واحدة، ونستغيث بهم، كي يكونوا عوناً لنا وسنداً في مواجهة أعدائهم وأعداء الله والدين".

* اتّخذيها قدوة لك
عِشْق السيّدة الزهراء عليها السلام تخطّى حدود الوصف لدى المجاهدين، حتّى بات ذكرها يسبقُ ذكر الأهل والأحبّة في وصاياهم التي يكتبونها قبل شهادتهم. كثيرون هم الشهداء الذين أوصوا زوجاتهم وأمّهاتهم وبناتهم وأخواتهم بالاقتداء بها عليها السلام، بأخلاقها وصبرها وتضحيتها وحجابها وسِترها. إنّها النموذج الأسمى لكلّ نساء الأرض. فكما كانت الزهراء عليها السلام مُلهمة لهم في الدنيا، أرادوها رمزاً خالداً بعد شهادتهم.

كانت كلمات من ذَهَب للشهيد غسان حجازي(2) خطّها لابنته ثمرة فؤاده: "لقد أسميتكِ فاطمة تيمّناً بسيّدتنا ومولاتنا المظلومة فاطمة الزهراء عليها السلام، ولتعلُّقي الشديد بها، فكوني، يا حبيبتي، كما تريدكِ الزهراء عليها السلام.. واجعليها قدوة لكِ".

* هي شفيعتُكِ
يوصي الشهيد محمود رياض منذر(3) والدته بالصبر بعد استشهاده في وصيّته، قائلاً: "أمّاه، عندما يأتيكِ خبر استشهادي ارفعي يديكِ إلى السماء قائلة: "اللهمّ تقبّل منا هذا القربان". ثم ارفعي رأسك.. اشكري الله واذرفي دموع الفرح؛ لأنّ الله قد كرّمكِ بأنْ تكوني ممّن يواسون سيّدتي الزهراء عليها السلام بولدها الحسين عليه السلام".. ويتابع مخاطباً أخته: "أختي الحبيبة، حافظي على حجابك وصلاتك، واجعلي السيّدة الزهراء عليها السلام قدوتكِ في الحياة، واجعليها أمًّا لك وتعلّمي منها العِبر والأحكام".

أمّا الشهيد مرتضى علي يوسف(4)، فهو يبشّر والدته حين يوصيها: "والدتي الحنون، أرجو منك المسامحة عندما تسمعين بشهادتي، فأنا لا أقوى على حزنك، وافخري باستشهادي؛ لأنّك يوم القيامة عندما تقفين أمام سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام فإنّك ستنالين منها الشفاعة عند الله؛ لأنّك قدمتِ ولدك قرباناً لله عزّ وجلّ وعلى نهج ولدها الحسين عليه السلام". لقد باتت الزهراء عليها السلام ملهمة الأمّهات المضحّيات، فضلاً عن المجاهدين الشجعان.

* يأنسون بذكرها
تذكر سارة أخت الشهيد خضر عصام فنيش(5) (أبو زهراء) كيف أن الشهيد كان يرى أن السيدة الزهراء عليها السلام "مقدّمة للدين ومنطلَقٌ لثورة كربلاء وما حدث بعدها". وتضيف: "كان شديد التأثّر بالسيدة الزهراء عليها السلام وكانت عيناه تدمعان عند ذكرها، كما أنّه كان يستمع بتلهف للّطميات التي تتحدث عن مظلوميّتها عليها السلام ويتأثر بها كثيراً، وقد نظم العديد من الأشعار والخواطر في حب فاطمة عليها السلام والولاء لنهجها، وكان يحب العباءة؛ لأنها لباس السيّدة الزهراء عليها السلام". وتروي سارة كيف كان يوصيها وجميع الفتيات بالاقتداء بالسيدة الزهراء عليها السلام والسير على نهجها، وتكمل: عندما ذهب إلى العراق لزيارة الحسين عليه السلام اشترى كتاباً يحكي عن مظلومية الزهراء عليها السلام، وكان يأخذه معه أينما ذهب ويقرأ فيه دائماً. وبحسب ما علمت عائلة الشهيد، فقد أصر على تغيير اسمه الجهادي من "مرتضى" إلى "أبو زهراء". أمّا أروع ما نقل عنه قبيل استشهاده فكانت الرؤيا التي رآها ليلة شهادته المباركة، فقد رأى السيدة الزهراء عليها السلام واضعة يدها على كتفه طالبة منه المجيء معها، وعندما استيقظ أبلغ رفاقه بأنه لن يعود من المعركة، "فالزهراء قد طلبتني وأخذتني معها". وبالفعل كانت شهادته بعد ساعات قليلة من تلك الرؤيا. كذلك لم تخلُ وصية الشهيد خضر فنيش من ذكر السيدة الزهراء عليها السلام ودعوة الفتيات والنساء إلى الاقتداء بسترها وحجابها، وقد أوصى أيضاً في وصيّته بكتابة عبارة "عاشق لمولاتي فاطمة" على ضريحه المبارك.

* آخر ما تلفّظ به عند شهادته
يروي أصدقاء الشهيد الإيراني إبراهيم هادي عنه شدّة تعلّقه بالسيدة الزهراء عليها السلام، فقد كان يقول: "بعد التوكّل على الله، فإنّ التوسّل بالمعصومين وخاصة السيّدة الزهراء عليها السلام هو حلّال المشاكل". هذا الشهيد السعيد ذو المنزلة العالية كان يَحفظ الكثير من الأشعار والقصائد في مدح الزهراء عليها السلام، وكان يُتمتمها حتّى في لحظات جراحه والألم الذي كان يعانيه، فلعله كان يأنس بذكر الزهراء عليها السلام ويستشعر مواطن صبرها فيسكُن ألمه وتخفّ أوجاعه. وقد عُرف عنه أنّه كانت تدمع عيناه لمجرد ذكر اسمها ويبكي بكاءً شديداً في مجالس عزاء الزهراء عليها السلام. وعند إصابته بقي يُتمتم بذكرها حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وصعدت روحه إلى بارئها(6).

* مفقود الأثر
أمّا الشهيد محمّد علي أبو حمد(7)، فقد التحق بصفوف المقاومة شاباً، وشارك في العديد من العمليّات في حرب تموز ثمّ لبّى نداء العقيلة والإسلام، وكان يعرف رفاقه عنه أنّه لطالما تمنّى أن يبقى قبره مجهولاً إذا استشهد، ليكون له أسوة بسيّدته فاطمة الزهراء عليها السلام، وفعلاً بعد شهادته بقي جثمانه مفقود الأثر، يواسي بغربة ضريحه غربة ضريح مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام. إنّها فلسفة العشق الإلهي المطلق التي خصّ الله بها شهداءه، وكثيرين غيره من الشهداء الذين تمنّوا أن يحملوا لقب (مفقود الأثر)، مواساة للسيدة الزهراء عليها السلام.

هذه النماذج هي مثال مصغّر عن العلاقة القلبيّة بين المجاهدين وأمّهم الروحية التي يلجأون إلى حنانها في أوقات الضيق والوجع، ويتوسّلون بها لقضاء حوائجهم وإزالة الهمّ والغمّ عن قلوبهم، فيصبح ذكرها استغاثة تَجلي الهموم وترفع القلوب إلى أعلى المستويات الروحانيّة، ولطالما سيلهجون بنداء اسمها ويعصّبون رؤوسهم بـ: "يا زهراء".


1.الشهيد رضوان قاسم العطار (حيدر)، مواليد 02/01/1976م، تاريخ الاستشهاد: 19/05/2013م، دفاعاً عن المقدسات.
2.تاريخ الاستشهاد 26/2/2014م، دفاعاً عن المقدّسات.
3.تاريخ الاستشهاد 28/7/2014م، دفاعاً عن المقدّسات.
4.تاريخ الاستشهاد 2/5/2015م، دفاعاً عن المقدّسات.
5.تاريخ الاستشهاد 1/12/2015م، دفاعاً عن المقدّسات.
6.كتاب سلام على إبراهيم، إصدار: دار المعارف الثقافية الإسلامية، ص209-210.
7.الشهيد محمد علي أبو حمد (فداء أبو زينب)، تاريخ الولادة: 15/11/1986م، تاريخ الاستشهاد 11/04/2014م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع