باسمه تعالى
أدعى نرجس، وأنا في المبرة التربوية رقم (2) للبنان. لا أعرف أحداً من أقربائي في هذه الدنيا... لا أبي ولا أمي... كذلك أنا مصابة بمرض الفالج، والجميع يقولون:
إن أباك وأمك رمياك في الشارع عندما كنت صغيرة بسبب هذا المرض... ولكني لست معقدة من ذلك.
فبما أنك أنت إمامي، أنا سعيدة جداً... إنني أعتبرك أباً لي، وأنا أحبك كثيراً.. ولكني حينما أرى الناس يتوافدون عليك... يعصرني الألم حيث أني لا أتمكن من المجيء إليكم...
والآن أكتب إليك رسالتي... لتجيبني.... وتخبرني لماذا يسخرون مني؟
لماذا يقولون:
أن أحداً لا يعتبر أطفال المبرات التربوية أناساً محترمين؟
لقد قالت لي معلمتي.
إن الإمام لا يرضى أبداً بمثل هذا!!
أنا منتظرة لجوابكم
حفظكم الله
نرجس
كررت نرجس قراءة الرسالة مراتٍ عديدة، ثم أقفلت خزانتها حيث كانت تخبأ الرسالة فيها، وتوكأت على عصاها، وعرجت إلى الطاولة لتنقح ما كتبت.
لم يكن في الغرفة أحدٌ غيرها... وهي تريد إنجاز عملها قبل مجيء رفيقاتها.
سمعت وقع أقدام بعض الأطفال في البهو... تحرك القفل ثم انفتح الباب.. لقد كانت غرفتهم أيضاً.
خافت... لم تحب أن يعرفوا شيئاً عن رسالتها... فجمعت الأوراق بسرعة.
- لقد بحثنا كثيراً عنك... لماذا تجلسين وحيدة؟
- لا أدري... واحمرّ وجه نرجس.
- حسناً.. لقد عدتِ ثانيةً إلى الأوراق... أنت حتماً تكتبين رسالة.
- ما شأنكم أنتم في ذلك؟
- لعلك نسيت ما قالته المعلمة قاسمي؟!
وهنا علا صوت إحداهن وهي تصبح:
المديرة تريد من الجميع التجمع في الملعب... هناك أحد الأشخاص سيتحدث إليكم.
إلى أن جمعت نرجس أوراقها، كان البنات قد خرجن من الغرفة ووصلن إلى الملعب... لم تكن مستعجلة، فهي وإن وصلت متأخرة، فيسبب عرجها.
حين أوصلت نفسها وهي تعرج إلى الساحة، كان الرجل ذو النظارات يقول:
إن الرفاه والراحة من حقكم الثابت... لا تخجلوا مني... فإنني مع مسؤولي هذه المؤسسة نأخذ الإمكانات المادية اللازمة من الحكومة لنقوم بخدمتكم...!!
فإن كان لديكم أية مشكلة... أي نقص... أي إزعاج... بإمكانكم كتابة ذلك، ليصار إلى حل مطالبكم في أسرع وقت.
ثم تابع:
لا تقلقوا باستطاعتكم كتابة ما تشاؤون، حتى الأمور الخاصة!!
حدّقت نرجس بالمحفظة السوداء الكبيرة للجرل ذي النظارات.. في حين كان البنات يضحكن ويتدافعن... وما إن انتهى الرجل من كلامه حتى صرخن معلنات بأنهن لا يعانين من أية مشكلة..
وحدها نرجس وقفت مستندة إلى جانب الشجرة اليابسة القديمة تنظر إلى الرجل وحقيبته السوداء.
كان الرجل يتحدث مع المديرة... ثم أراد المغادرة... عندها اندفعت نرجس تضرب بعصاها الأرض حتى وصلت إلى الرجل بجهدٍ كبير...
صاحت سيدي...
ولعل الرجل لم يرَ نرجس عندما نظر خلفه فتابع طريقه ثانية...
فأعادت نرجس الكرة وصاحت:
سيّدي... سيدي... عفواً...
وقف الرجل... نظر إلى نرجس وقال: نعم...
- سيدي... لقد قلتم... إذا أردتكم شيئاً فأخبروني...؟
- ماذا...؟ آه حسناً... نعم تفضلي...
- سيدي... كنت أريد... كنت أريد أن أرسل رسالة... كان هناك رسالة... حقاً... سيدي... سيدي... نحن... يعني نحن منزعجون هنا لا يوجد لدينا ترفيه... نحن فقط نريد...
حدق الرجل في عيني نرجس ثم قال: ترفيه...؟
فخفضت نرجس برأسها...
فسأل: أيّ نوع من الترفيه...؟
أخذ العرق يتصبب من نرجس، وندمت على قولها ألف مرة... ثم أنقذها من هذا الموقف محمدي الذي أتى قائلاً:
سيد أميني...
المديرة تريد رؤيتكم، لو تعرَّجوا على مكتبها.
تنفست نرجس الصعداء، وابتعدت متجهة إلى دورة المياه... فغسلت وجهها وعادت إلى غرفتها وما إن ارتاحت قليلاً حتى سمعت محمدي يناديها؟
- أين أنت يا ابنتي؟ المديرة تناديك..
- السيدة معيني...؟
- أجل... أسرعي إلى مكتبها.. فهي بانتظارك.
دخلت نرجس إلى المكتب، حيث كانت المديرة منهمكة بأوراق وضعت أمامها على الطاولة.
- عذراً... قيل لي أنك تريدين رؤيتي... هل هناك شيء؟
- أجل... هناك شيء... أرى أن لديك مشكلة...!
- مش... مشكلة... أنا سيدتي...
- نعم... إذا كنت تعتقدين أنه لا يوجد لديك راحة وترفيه هنا، فبإمكانك المجيء إليّ وإخباري...
صمتت قليلاً ثم قالت - يمكنك الذهاب الآن...
ومن غير أن تنبس نرجس ببنت شفة قفلت راجعة إلى غرفتها...
التفَّ حولها البنات:
- نرجس... ماذا كانت تريد المديرة منك... لماذا...
لم تجب نرجس... قامت إلى خزانتها... أرادت جلب كتاب تقرأه... لكنها غيرت رأيها... وقع نظرها على رسالةٍ كتبتها حديثاً... أخذتها... نظرت إليها، لاكتها بيديها ثم رمتها من النافذة...
كانت السيدة رقية تتجه إلى استراحة البنات رقم 2 حيث كانت البنات مجتمعات حول بعضهن يتحدثن، فلما رأينها سكتن جميعاً...
التفتت السيدة رقية إلى نرجس قائلة:
- لك رسالة في مكتب المديرة... إذهبي وخذيها...
بهت البنات، ونظرن بتعجب إلى نرجس التي اندهشت بدورها أيضاً، ففي هذه المدرسة لا تصل لأحد رسائل... وإذا ما صادف الحظ إحداهن فقد تأتيها رسالة في السنة...
وقفت سعيدة وراء نرجس وصاحت بها:
- ماذا تنتظرين...؟
وقبل أن تجيبها... أعطتها العصا ورافقتها إلى مكتب المديرة...
وقفت نرجس منتظرة وهي تحدق بالمديرة التي تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً، وكان قلبها يخفق بسرعة، وقد احمرّ لونها، وهي تصيح في داخلها:
بربك أيتها المديرة أسرعي وتحدثي...
- نرجس لقد جاءتك رسالة... أتدرين ممن هي؟
- لا... أبداً سيدتي.
- كيف كتبت رسالة؟
- أنا!! أقسم بالله أني لم أكتب رسالة لأحد...
- لا تقلقي... ما أريده منك فقط... كيف كتبت رسالة لمكتب الإمام... تشوشت أفكار نرجس... لم تعد قادرة على فهم ما يجري...
رسالة...! مكتب الإمام...! آه... خطر ببالها تلك الرسالة التي كانت تريد إرسالها إلى مكتب الإمام... لكنها لاكتها بيدها ورمتها...!
- سيدتي أقسم بالله أنني أتكلم صدقاً... أنا لم أرسل رسالة لأحد... ولا أعرف ما هو الموضوع أصلاً...!
- لا تقلقي يا عزيزتي نرجس... إن هذا العمل جيد، وهو محل فخر للمدرسة أن تأتيها رسالة من الإمام... ولكني أريد فقط معرفة كيف جاءت الرسالة لك... لا بدّ أنك أرسلت رسالة للإمام... أليس كذلك؟
- أنا...!! لا سيدتي... لم أرسل أية رسالة... أقصد كنت أريد إرسال رسالة للإمام... حتى أنني سألت...
- أعلم أنك سألت السيدة قاسمي. ولكن كوني المسؤولة عن هذا المركز، يجب أن أعرف ما إذا أرسلت رسالة أم لا؟
- سيدتي: صدقي لقد كتبت رسالة لكني لم أرسلها...
- إذن ماذا فعلت؟
- لا شيء... سيدتي... لكنها بيدي ورميتها في ساحة الدار.
- في ساحة الدار؟!!
- نعم سيدتي... في الحقيقة لم أقصد...
- حسناً، انصرفي الآن... سأحتفظ بالرسالة عندي قليلاً حتى أتحقق من هذا الموضوع.
تحركت نرجس... لكن عيونها بقيت تحدق بالرسالة الموضوعة على الطاولة فهي تتوق لرؤية مضمونها بأسرع ما يمكن...
في نفس الوقت دخل محمدي إلى غرفة الإدارة:
- سيدتي لقد حكت لي السيدة رقية ما حدث... والله سيدتي إن عقلي لا يستوعب ذلك...
- ألم تر في هذه المدة بين أوراق المدرسة ورقة كتبت للإمام...
- رسالة... لا... كل الأوراق كانت مسودات ولا نفع لها... آه... نعم، قد تكون بين الأوراق المستعملة التي أجمعها وأبيعها لأحد الأشخاص... هذا طبعاً بعد إجازتك.
كان دكان ذلك الشخص عتيق ومظلم وله باب خشبي كبير قد تبعثرت الأوراق على مدخله، وفي داخله وصلت أكداس الورق إلى السقف لكثرتها، بحيث لا يمكنك مشاهدة صاحب الدكان.
نادى محمدي صاحب الدكان... فارتفع صوت العجوز كأنه آت من أعماق بئر: ها... نعم... لقد أتيت... أتيت... الآن... الآن.
نظر محمدي إلى المديرة وقال: أنه موجود... هذا هو بنفسه.
خرج العجوز: ها... أهلاً وسهلاً بالسيد محمدي... أنت هنا؟... لماذا لا نراك كثيراً.
- سلام عليكم... هل تعرف السيدة معيني؟ إنها مديرة المبرة...
- عفواً سيدتي... إني مشغول هنا جداً... أقصد أن الجميع مشغولون... ولكن الأمر مختلف... فقديماً قيل: إن من يكون سيىء الحظ تارة يكون بهذا الشكل وأخرى بشكل مختلف... يجب عليكم الانتباه إلى أولاد الناس في المدرسة... أنا أجمع هنا الأوراق المستعملة...
- سيدي في الواقع إن المديرة لا وقت لديها... وعلينا أن نعود بسرعة، نريد أن نسألك عن رسالة فقدت بين هذه الأوراق المستعملة.
- رسالة!! نعم... إني بالخدمة... هذه الورقة لا قيمة لها... ونحن مدينون للمدرسة كثيراً... ومحمدي يساعدنا كثيراً... هذا ابني سجَّاد... وهو مدير الابتدائية وكلّ من في الحي يعرفونه... هو شاب ممتاز... فعندما لا يكون لديه عمل... يأتي إلى مساعدتي... يكدس هذه الأوراق المبعثرة ويرتبها... وأحياناً يجلس هنا ليطالع الجرائد القديمة... وقبل سبعة أو ثمانية أيام... كان يرتب الأوراق المستعملة وفجأة وجد ورقة خاصة بمدرستكم لم أدر ماذا كانت، لكنه قال: لقد كتب الأطفال رسالة إلى الإمام... فأخذها ورتبها ثم وضعها في ظرف وأرسلها في البريد المجاور قلت له: ولدي... هذه ورقة غير مفيدة... أرسلْ إلى الإمام ورقة جيدة ومزينة على الأقل... فلم يصغِ إليّ إنه شاب كما تعلمين سيدتي.
فاندهشت المديرة وقالت:
- إذن ولدك هو الذي أرسل الرسالة...؟
- نعم سيدتي... لقد كنت أروم المجيء إلى محمدي لأخباره بذلك... أقصد أن ابني سجاد أوصاني بأن أفعل ذلك... ولكني عجوز... فقد نسيت.
لم تكن نرجس تريد الذهاب إلى مكتب المديرة... ولكن يجب عليها فعل ذلك. كانت المديرة واقفة قرب النافدة... فلما رأت نرجس قالت:
- ماذا كتبت في تلك الرسالة.
- أية رسالة سيدتي؟
- الرسالة التي كتبتها للإمام...
- لقد أخبرتك سيدتي أنني لم أرسل رسالة للإمام.
فكرت المديرة قليلاً ثم قالت:
- تعالي وخذي رسالتك.
أخذت نرجس الرسالة مباشرة... خرجت مسرعة من الإدارة... وقفت في منتصف البهو.. لتقرأ الرسالة.. لقد كانت مفتوحة... لم يهمها ذلك كثيراً، ما يهم هو أن تقرأ الرسالة بسرعة...
أخرجتها من الظرف وبدأت بالقراءة...
باسمه تعالى
ابنتي:
قرأت رسالتك... تعالي إلي متى تشائين.
وليكن رجاؤك - متعلقاً - باللطف الإلهي.
روح الله الموسوي الخميني.
اللطف الالهي
Jaf kash
2013-05-15 15:12:11
سيدي و أمامي روح الله أيها الخميني العظيم انت لطف اللهي من الله به على هذه الامة و لو عنايته بنا بك لما كنا شيء يذكر و لكنا عبيدا للصهيونية الخاشمة ، غرست فينا عزم الموالين و أشعلت انوار الايمان .. هنيئا لنا بك أيها العظيم ، قدس سرك و الصلاة و السلام على امام العصر و الزمان