"أحمد عارف الزين (1884م-1960م) رائد إصلاحيّ من جبل عامل". هو كتاب لا يروي
السيرة الذاتية لهذا العالم الجليل، بقدر ما يحكي سيرة النهضة الثقافيّة في جبل
عامل، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. في هذه المرحلة، بدأت بواكير
اليقظة الحديثة في جبل عامل؛ كونها جزءاً لا يتجزّأ من يقظة المنطقة العربيّة، التي
بدأ فيها التجديد على مستويات عدّة، خصوصاً مستوى الثقافة الدينيّة التراثيّة.
تجلّى ذلك في كَثرة المدارس الدينيّة التي نشأت في غضون القرن التاسع عشر في جبل
عامل. أمّا المؤسّسات العلميّة والثقافيّة والإعلاميّة العصريّة المستمدّة من تجربة
الاحتكاك بالثقافة الغربيّة، فقد تأخّر ظهورها في جبل عامل حتّى أوائل القرن
العشرين.
•فصول الكتاب
الكاتبة رغدة نحّاس الزين، وهي حفيدة الشيخ الزين، قسّمت كتابها الذي طبعته (دار
المشرق)، والذي نالت عليه شهادة الماجستير، إلى أربعة فصول؛ إضافة إلى التمهيد
والمقدّمة. الفصل الأول؛ تحدّثت فيه عن "حياة الشيخ أحمد عارف الزين وآثاره"،
"مجلّة العرفان" كانت محطّة الفصل الثاني؛ "فكر الشيخ أحمد عارف الزين التربويّ
والاجتماعيّ والثقافيّ" هو موضوع الفصل الثالث، أمّا الفصل الرابع والأخير فكان
بعنوان "فكر الزين الدينيّ والاقتصاديّ والسياسيّ".
•جهاده السياسيّ
بدأ الزين حياته الصحفيّة مبكراً في العام 1904م، وكان من مؤيّدي "المؤتمر العربيّ"
الذي عُقد في باريس، عام 1913م، لنُصرة العرب في سعيهم إلى الإصلاح واللامركزية في
البلاد العثمانيّة. ولكنّه كان أكثر نشاطاً مع مجيء الاحتلال الفرنسيّ، فقد اعتُقل
لأوّل مرّة في العام 1925م، بسبب مناصرته الثورة السوريّة الكبرى، واعتقل ثانيةً
عندما شارك في مؤتمر الوحدة السوريّة، وطالب بوضع دستور للوطن وبإعادة ما سُلخ منه
من الأقضية التي ضُمّت إلى دولة لبنان الكبير.
•مؤسّس "مجلة العرفان"
تنوّعت آثار الشيخ الزين إلى جانب نتاجه الصحفيّ، بين كتب ألّفها، وكتب حقّقها،
وأخرى أسهم في نشرها. هذا، إلى جانب تأسيسه لمجلّة العرفان، وهي الأكثر أهميّة في
حياته، في العام 1905م. وكان لافتاً اهتمام الشيخ بالقصّة القصيرة، إذ استحدث في
مجلّته باباً بعنوان "رواية الشهر". كما إنّ الشيخ قد اهتمّ بالشعر ونظم قصائد عدّة
خلال المواجهات مع الأتراك والاحتلال الفرنسيّ.
أسهم الشيخ أحمد عارف الزين في مواجهة المجتمع الإسلاميّ لمسألة المدنيّة الغربيّة.
وكان لديه أفكار بارزة؛ فلقد تنبّه إلى درجتَي الانحطاط والجهل اللتين خيّمتا على
المجتمع في جبل عامل، ولَمَسَ الفساد السياسيّ والإداريّ، والجمود الدينيّ،
والعادات، والتقاليد البالية والخرافات؛ ما جعله مهتماً بإعطاء الأولويّة في خطواته
الإصلاحيّة لنشر العلم وتحرير العقل؛ إذ يقول: "أعرف أنّ الداء الدويّ المستحكم في
جبل عامل هو الجهل، لذلك ليس له دواء ناجع سوى تعميم العلم ونشره". كما إنّه دعا
إلى التربيّة الدينيّة. وفي نظره "الدين أفضل رابطة تربط المرء في رباط متين يُدنيه
من التخلّق بالأخلاق المستحسنة، ويبعده عن العادات المستهجنة؛ ولا يمكن أن يحلّ محل
الرباط الدينيّ شيء آخر".
•مقام المرأة رفيع في الإسلام
لم ينسَ الشيخ الزين أهميّة التعليم للمرأة، وممّا يقوله في هذا الصدد بعد شرح طويل
عن ركائز فكره التربويّ: "... فعبثاً نحاول إصلاح التربية ما لم تكن مبنيّة على ذلك
الأساس المتين والركن الركين. فإلى تعليم المرأة وإلى إعداد الأمّ لتلك التربية
العالية". وهو انتبه إلى عدم المغالاة في تحرير المرأة، وعاب على الذين يتّهمون
الإسلام بأنّه غمط حقوق المرأة؛ فيقول: "... وقد خوّلت الشريعة الإسلاميّة حقوقاً
لا يحلم بها المتمدّنون الذين يريدون فكّ قيودها، لكنّ أهل الدين الإسلاميّ أعرضوا
عنه، وجهلوا أو تجاهلوا أحكامه، فلم يعد للمرأة ذاك المقام الرفيع الذي تبوّأته في
صدر الإسلام".
•مواجهته التعليم السياسيّ الموجّه
اهتمّ الشيخ الزين بقضيّة الحجاب والسفور التي عكست مجلة "العرفان" مناقشات حولها،
وأثارت ضجّة في أوائل القرن العشرين، وذلك عندما كانت دعوة "قاسم أمين" إلى تحرير
المرأة قد خضّت المجتمع المصريّ حين طالب بخلع المرأة الحجاب.
ومن جهة أخرى، رفض الشيخ الزين تدخّل الجمعيّات السياسيّة في توجيه التعليم: "ومن
المهمّ في الوقت الحاضر الحصول على التعليم الصحيح بإزالة الغلطات من التربية.
وأهمّ تلك الغلطات هي سعي الجمعيات السياسيّة لنشر عقيدتها بواسطة المدارس، محاولة
تلقين المعلّم ما يعلّمه في المدرسة حتّى ولو كانت الحكومة هي المسبّبة لذلك، وهذا
أكبر غلط".
وامتاز الفكر الدينيّ عند الشيخ الزين بالنهج التوفيقيّ، فكان لافتاً في عصره دعوته
إلى التآخي بين المسلمين (الوحدة الإسلاميّة). فدعا إلى إضافة المذهب الجعفريّ إلى
المذاهب الأربعة عن طريق "عقد مؤتمر عامّ يضمّ كبار علماء المسلمين من جميع الفرق
(... ...)، فإذا تسنّى لهم هذا الاتّحاد المتين يتسنّى لهم توحيد كلمة الأمّة
العربيّة جمعاء". مع التحفّظ على نوع الاتّحاد الذي طرحته الكاتبة في قراءتها لفكر
الشيخ الزين.
•رائد الدعوات الإصلاحية
وكان منهج الشيخ الزين السياسيّ قويّاً وجريئاً في طرح آرائه ومواقفه علناً وعلى
صفحات مجلّته. فهو عاصر ثلاث حقب تاريخيّة؛ ما قبل سقوط الإمبراطوريّة العثمانية؛
وما بعدها مع القوميين العرب؛ ومن ثمّ في أثناء الاحتلال الفرنسيّ. وتأتي خصوصيّة
الشيخ أنّه كان الرائد في إطلاق تلك الدعوات الإصلاحيّة في بيئات ريفية منعزلة
تقليدية، وبصورة خاصة في جبل عامل، مع أنّ مجلّة "العرفان" عرفت انتشاراً واسعاً
بلغ مناطق نائية في إفريقيا وآسيا وأقاصي الريفَين السوريّ (جبال العلويين)
والعراقيّ.
وكان من الجميل أن تختم الكاتبة بحثها الأكاديميّ بطرح سؤال جوهريّ: "لعلّ
السؤال الذي يطرح، ونحن في أوائل القرن الواحد والعشرين: ما هو أثر هذا التيار
الإصلاحيّ العام الذي انتمى إليه الزين؟ وهل تخطّت الحركة الإصلاحيّة والتحديثيّة
العربيّة الإطار الذي رسمه الإصلاحيون أوائل القرن العشرين، من ناحية الإشكالات
التي طرحوها والحلول التي قدّموها؟!".