مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية: الطفل الثرثار


داليا فنيش(*)


تفاجأت والدة حسن أنّ طفلها يثرثر كثيراً داخل الصفّ مع زملائه. فالأم لاحظت هذه المشكلة منذ شهر، لكن لم تتوقّع أن يصل الأمر إلى هذا الحدّ. هل يسعى طفلها للفت الانتباه من خلال ثرثرته أم إنّها وسيلة يعتمدها لطرد مخاوفه؟

تغمر الوالدين فرحة كبيرة عندما يبدأ طفلهما بالكلام. ففي المرحلة العمريّة الممتدّة من 3 إلى 9 سنوات تكون كثرة الكلام أمراً طبيعيّاً؛ لأنّه يعيش مرحلة اكتشاف ما حوله، ولكن حين تكون كلماته متلاحقة وسريعة وبصوت عال ورغبة في الحديث لساعات طويلة، يصبح الأمر بحاجة إلى المتابعة.

* هل الثرثرة أمر طبيعي أم مرض؟
من الغريب أن نخشى على أبنائنا من "كثرة الكلام"، فالحديث عند الطفل أمر طبيعيّ، ولحروفه الأولى فرحة خاصّة عند الأهل، حيث يبدأون بمناغاته وتبيسط الحروف لكي يستطيع النطق بها. وعندما يبلغ 3 سنوات تصبح عنده طلاقة في الكلام.

والطلاقة اللغوية عند الطفل هي علامة من علامات ذكائه اللغويّ حتّى بلوغه الخامسة. لكن بعد هذه المرحلة العمريّة إذا تطوّرت بشكل مفرط، وأصبح دائم الكلام والتلفّظ بأيّ شيء باستمرار، يمكن أن تكون حينئذٍ حالة مرضية، ولها أسبابها المتعدّدة.

* سمات مشتركة بين الأطفال
غالباً، نلاحظ سماتٍ مشتركةً لدى الأطفال الذين يستمرّون في الكلام إلى حدّ الإفراط، حيث نلاحظ على الطفل أنّه حيويّ ونشيط، يبحث عن مكانته، لا يتحمّل دقيقة صمت ولا يدرك معنى وضع حدود لسلوكه من تلقاء نفسه، وهذا يصيب الأهل بالضجر الشديد، ما يضطرّهم إلى الصراخ والغضب حتّى يصمت.

ونتيجة تعرّض الطفل لإحباطات كثيرة من قبل الأهل من خلال إسكاته عند التكلّم أمام الآخرين أو تعرّضه للعنف، قد يجدون أنفسهم أمام مشاكل أخرى وتداعيات سلبيّة على شخصيّة الطفل، حيث يصبح ضعيف الشخصيّة، كثير الحركة، مشتّت الذهن، وبعض الأطفال يصابون بلعثمة في الكلام، فيعبّرون بحركات وإشارات غير مفهومة.

* عادة مكتسبة أم غريزة؟
الكلام وسيلة تواصل، وليس صفة أو سمة شخصيّة. ويصعب للإنسان التواصل مع الآخر دونه. في هذه الحالة تكون غريزة بمعنى أنّها جزء من تكوين الإنسان، ولكن تعليم الطفل متى يتكلّم ويصمت ويعبّر ويستمع للآخرين هي أمور مكتسبة. لذلك عندما يلجأ الطفل إلى الثرثرة لجذب انتباه الآخرين، أو إذا اقترنت ثرثرته بالمدح والتشجيع فعندها ستتحوّل إلى عادة تختلف درجاتها باختلاف المؤثّرات تجاهها (مثل ردود فعل الأهل والناس...).

* ثرثرة الأطفال: مشكلة أم عادة سيئة؟
يجب التمييز بين درجات حالة "الطفل الثرثار"، وإذا كانت تستدعي علاجاً أم توجيهاً تربويّاً بسيطاً.
عزيزي الأب وعزيزتي الأم، جميع الأطفال يثرثرون، ويجب أن نسمح لهم بذلك لكي تتمرّن مخارج نطقهم على الأصوات الصحيحة للحروف واللفظ السليم والواضح. والطفل يحبّ أن يسمع صوته وهو يردّد كلام أهله ليشعر أنّه يشبههم وأنّه ينتمي إليهم. وتقليد كلامك وجملك ما هي إلّا لعبة اكتشاف لديه. فإذا رافقت كثرة كلامه رغبته في إزعاج من حوله مع تمييزه ذلك، فتلك ليست مشكلة حقيقية ولا مرضاً، بل يكفي احتضان صغيرك بضع دقائق؛ لأنه كان يحاول لفت نظرك والاستحواذ على اهتمامك، لكن تكمن المشكلة في درجتين لهذه "الثرثرة":

1- الثرثرة بنقل كلّ ما يراه إلى الآخرين:
وهنا نتحدّث عن طفل بعد العام الخامس، يقوم بنقل أسرار المنزل، خصوصيّات أسرته، يرصد المشاكل والإشارات حول حديث غير مسموح له باستماعه، التلفّظ بالكلمات النابية الممنوعة دائماً.
وهنا نكون أمام مشكلة تربويّة، تحتاج إلى توجيهٍ وعناية تربويّة، بإعادة تنظيم المسموح والممنوع، وتكوين مفهوم المنزل وأنّ الآخرين والأصدقاء لا يشاركوننا في كلّ شيء، ونحن أيضاً كذلك. ويجب توجيهه لكي لا يتطوّر معه هذا السلوك ليتحوّل في المدرسة إلى "الطفل الواشي" الذي يقدّم معلوماته عن الآخرين مقابل اهتمام أو حظوة ما.

2- الاستمرار في الكلام ساعات طويلة بتشتّت:
هنا تصبح الحالة مرضيّة، تستدعي معالجة عندما يبدأ في الكلام ولا ينتهي وتُلاحظ عليه حالات الشرود والسرعة في قول أيّ شيء دون تركيز.. ويحتاج الأمر إلى مراجعة مختصّ تربويّ.

* أسباب الثرثرة
أسباب نشوء الثرثرة لدى الطفل كثيرة، إنْ كانت مجرّد عادة أو مشكلة أو حالة مرضيّة، لكنها تبدأ بجذور بسيطة، ما لم تكن لديه مشكلة عضويّة أو عقليّة (التوحّد):
1- الرغبة في جذب الانتباه.
2- الحاجة إلى الشعور بالأمان.
3- خلل في التربية لدى الأسرة.
4- الملل والضجر.
5- كثرة مشاهدة التلفاز.
6- غَيرة من الآخرين.
7- وسيلة للعب وتسلية نفسه.
8- وسيلة لتعلّم وإتقان معلومات جديدة.
9- قدرته العالية على التواصل.
10- حبّ الاستطلاع واستكشاف العالم من حوله.
11- الصدمة النفسيّة في الحالات المرضيّة، منها: موت أحد الوالدين، هلع من حادثة ما... وقد يكون عارض هذه الأسباب الصمت المطبق أيضاً.

* كيف ننأى بالطفل عن الثرثرة؟
الأطفال يحبّون الأسئلة ويستمرّون في التحدّث عمّا يحيط بهم، أو تكرار الأغنيات والقصص، حتّى إنّهم يتكلمون مع أنفسهم أحياناً.

يجب أن لا نقسو عليهم، بل علينا مساعدتهم لتخطّي مشكلتهم باتّباع الخطوات التالية:
1- طلب المساعدة من معلّمة الصفّ لمعرفة الوقت الذي تزيد فيه ثرثرة طفلها، (في أوّل الأسبوع المدرسيّ أم في نهايته؟) فمعرفة التفاصيل تساعد الأم في الوصول إلى الحل المناسب.

2- الاتّفاق مع المعلّمة على الوسائل والخطوات العلاجيّة نفسها المتّبعة في المنزل.

3- مراقبة علاقته بإخوته في المنزل، وهل يستمعون إليه.

4- تخصيص وقت للاستماع إلى الكلّ في المنزل، وتحديد مدة الكلام لكلّ شخص.

5- مساعدة الطفل في تنظيم أفكاره وتعزيز قدراته على التعبير بشكل دقيق.

6- تعليم الطفل احترام الآخرين في الاستماع إليهم.

7- أن تقوم الأم مثلاً بلعب لعبة الثرثرة معه باستعمال ساعة التوقيت لمساعدته في تحديد مدّة كلامه، والرابح يكون الذي لم يتخطّ الوقت المحدّد له.

8- تشجيع الطفل على تكوين صداقات متعدّدة؛ من شأنه تخفيف السلوكيّات غير المرغوب فيها.

9- تعليم أطفالنا أنّ هناك أوقاتاً لا يمكننا فيها أن نستمع إليه بسبب التعب والإرهاق وعليه احترام ذلك.

10- إيجاد أنشطة تعبّر عن نفسه مثل الرسم والتلوين وقراءة القصص أو المشاركة في نشاط مسرحيّ.

11- احترام الوالدين رغبة طفلهما في المعرفة، وإجابته عن الأسئلة لتهدئة الغموض لديه.

12- عدم ترك الطفل أمام التلفاز ساعاتٍ طويلة.

ختاماً، من المهمّ أن لا ينسى الأهل أنّ الطفل هو كالورقة البيضاء، سريع الاكتساب من والديه بالدرجة الأولى، لذا، عليهما مداراته، والرفق في توجيهه بعد معرفة الحلول والوسائل التي عليهما اعتمادها للوصول به إلى سلوك سويّ يرضوْنه له ويجعله محبوباً في عائلته الصغيرة وفي المجتمع.


(*) مختصة تربوية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع