تقع إسبانيا في جنوب غرب أوروبا، في شبه جزيرة "إيبيريا" وتفصلها عن فرنسا من جهة الشمال جبال "البرانس"ويحدها البرتغال من الغرب. تُطلّ على خليج "بسكاي" من الشمال الغربي، ويحيطها البحر المتوسط من الجنوب الشرقي... وفي جنوبها يقترب اليابس الأوروبي من اليابس الإفريقي، حيث يطلّ جبل طارق على مضيقه الذي هو همزة الوصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وقد اقترن هذا المضيق باسم طارق بن زياد منذ أواخر القرن الهجري الأول، وما زال حتّى الآن.
تبلغ مساحة إسبانيا نحو 504.872 كلم2. أمّا عدد سكانها فقد كان حسب إحصاء سنة 1981 من حوالي 37.800.000 نسمة، وليس فيها اليوم إلاّ 100 ألف مسلم.
* أسبانيا والفتح الإسلامي
وصل الإسلام إلى أسبانيا في وقت مبكّر، وذلك عندما فتح المسلمون شبه جزيرة إيبيريا – التي هي الآن مكوّنة من أسبانيا والبرتغال – سنة 93 للهجرة أي سنة 711 للميلاد. وانتشر المد الإسلامي في هذه المنطقة بسرعة مذهلة، فلم يمضِ ثلاثون عاماً على دخول الإسلام إلى تلك البقعة، حتّى كانت شبه جزيرة إيبيريا بكاملها في حوزة المسلمين.وتحوّل الفاتحون إلى مواطنين وأصحاب أرض، وتجاوز نفوذهم تلك المنطقة، ليصل إلى جنوبي فرنسا متجاوزاً جبال "البرانس" في الشمال. وامتدّ تأثير الفتح الإسلامي إلى الممالك الأوروبية فنتج عن ذلك نهضة أوروبية شملت مختلف الميادين.
لقد أسّس المسلمون الهيكل الحضاري الذي لا يزال يميّز إسبانيا إلى اليوم. ولا تزال خريطة إسبانيا المعاصرة، وثيقة حيّة لآثار المسلمين في الأندلس، فهي تحمل الكثير من الأسماء العربية، وما زال القاموس الإسباني يزخر بمفردات عربية وإسلامية تشكّل ثمن المفردات الإسبانية.
* هزيمة المسلمين في أسبانيا
بعد نحو عشر سنوات من وجود الإسلام في الأندلس، اتسعت رقعة البلاد الإسلامية، فشملت شبه جزيرة إيبيريا بكاملها. ثمّ تقهقر المسلمون بعد ذلك عن شمال الجزيرة، نتيجة مجاعة حدثت سنة 740م، كانت تلك فرصة استغلّها المسيحيون، فأنشأوا إمارة في شمال البلاد كانت الشرارة الأولى للتقهقر الإسلامي الفعلي في تلك المنطقة، حيث كانت هذه الإمارة تتسع كلّما ازداد ضعف الدولة الإسلامية، وتتقوقع كلما تماسكت. ونتيجة لذلك نشأت إمارات مسيحية كانت تتحيّن الفرص للانقضاض على المسلمين، فبعد أن كانت مساحة النفوذ الإسلامي تكاد تتجاوز جبال "البرانس" على الحدود الشمالية مع فرنسا، تحجّم هذا النفوذ ليصل إلى نحو 580.000 كلم2. ثمّ تمزقت وحدة المسلمين بفعل المؤامرات فضاع نصف الأندلس وأصبح انتشار الإسلام مقتصراً على 250.000 كلم2، وذلك في القرن الخامس الهجري. ثم ما لبثت أن تقلصت هذه المساحة في مقابل التوسع المسيحي لتصل إلى 30.000 كلم2 حتّى سقطت "غرناطة" سنة 1492م، أي بعد 805 سنوات من الحكم الإسلامي فيها.
* سياسة التعذيب والإرهاب في أسبانيا
قبل سقوط غرناطة وتحديداً عام 1480م، أنشأ الراهب الإسباني "توماس توركيمادا" "محاكم التفتيش" التي كانت مهمتها محاكمة المسلمين بشكل تعسّفي، وإصدار الأحكام عليهم بالإعدام حرقاً وهم أحياء، حيث كانت أسبانيا تدور حول تخويف المسلمين والمتهمين بانتمائهم إلى الإسلام، وتعذيبهم للحصول على الاعترافات المزيّفة، ومصادرة أملاكهم وإعدامهم فيما بعد حرقاً.
وقد كانت أساليب القمع المعتمدة فيما بعد لا تقلّ قسوة عن محاكم التفتيش هذه، فبعد وفاة الراهب مؤسّس هذه المحاكم ازداد خلفاؤه الذين كانوا مدفوعين بدعم من مسيحيي الشرق ازدادوا قسوة في ممارسة أساليب تلك المحاكم التي لم تتوقف، إلاّ في القرن التاسع عشر في عهد نابليون.
كذلك اعتُمِدت سياسة الطرد منذ بداية الأعمال الإرهابية الإسبانية، فكان المسلم يضطر إلى أحد أمرين: اعتناق المسيحية، أو الطرد إلى خارج البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أنّ أوّل ضربة حصلت للدولة الإسلامية الكبرى في تلك البلاد، كانت من خلال مؤامرات الدول الكبرى بالتعاون مع المسحيين المتواجدين في دولة الإسلام هناك. وكانت محاولات الإمارات المسيحية فيما بعد للانقضاض على المسلمين، لا تنجح إلاّ بمؤازرة دول الكفر لها.
وإزاء هذا الوضع كان الكثير من المسلمين يعمدون إلى الإعتناق الشكلي للمسيحية، مفضلين ذلك على الطرد.
ولذلك كان يُطلق على هؤلاء لقب "المدجنين" وأغلبهم من "قشتالة" و "الأندلس". غير أنّ النظام المسيحي الذي كان يشتدّ ويزداد قوّة مع مرور الزمن، بقي متخوفاً من المعتنقين الجدد للمسيحية، نظراً لمعرفته بتمسكهم القوي بدينهم الأصيل، ولذا كثيراً ما كان المسيحيون الأسبان يلجأون إلى اضطهاد المسلمين مادياً ومعنوياً، كمنع التخاطب باللغة العربية، ومنع ارتداء الزيّ الإسلامي وما إلى ذلك. وهكذا استمرّت أعمال الترهيب ضد المسلمين، أصحاب الحضارة هناك، واستمرّت عمليات القمع الوحشيّ ومحاولات الطرد والإبعاد التي كثيراً ما كانت تفشل.
لم يدم السكوت الإسلامي طويلاً أمام هذا الضغط، فقد تمرّد "الموريسك" – وهم فئة احتظوا بإسلامهم بشكل سري – بعد سقوط "غرناطة" بنحو 76 سنة وبالتحديد في عام 1568 م، حيث وصلت الأمور إلى حد، لم يعد معه المسلمون قادرين على الصبر على ما يتعرّضون له من طرد واعتقال وإرهاب ومحاولات تدجين وتنصير، فقامت ثورتهم الشهيرة بثورة "الموريسك". ولم يستطع الإسبان قمعها إلاّ بعد حرب طويلة أثبت المسلمون من خلالها ثباتهم على دينهم واستعدادهم للتضحية دفاعاً عنه.
وأخيراً، جمعت الدولة الإسبانية أعداداً هائلة من القوات البرية والبحرية واتخذت كلّ التدابير الاحتياطية اللازمة، لتنفيذ قرار الطرد الذي اتخذه الملك في 9/4/1604م أي بعد حوالي 36 سنة من الجهاد الإسلامي. وتمّت عملية الطرد من "فالنسيا" و "الأندلس" في إسبانيا، في ظروف مأساوية، حملت الكثير من معاني الحقد الصليبي ضدّ الإسلام والمسلمين. وأوضحت للعالم أجمع مدى الظلم الذي تعرّض له المسلمون هناك. فبعد أن كانوا أصحاب حضارة، لم تقم على قطرة دم واحدة، أصبحوا المطرودين المشرّدين والمقتولين.
* المسلمون في إسبانيا
يقدر عدد مسلمي إسبانيا اليوم بنحو 100.000 نسمة، وهم مؤلفون من أجانب وإسبان وعمّال مؤقتين وطلاّب. وجميع هؤلاء لا يتجاوزون نسبة 1% حسب إحصاء عام 1986م.
لا مدارس للمسلمين في إسبانيا ولا مساجد، فالتدريس الإسلامي ممنوع، والتعليم الديني في المدارس الحكومية مرفوض، بالرغم من وجود معهد للدراسات الإسلامية في مدينة مدريد، أسّس عام 1954 م وخصّص لدراسة الآثار الإسلامية. هذا إلى جانب الجميعة الإسلامية في إسبانيا، التي أسّسها الطلبة المسلمون، للعمل على تعليم المسلمين أمور دينهم، وتوزيع النشرات الدينية عليهم. وما زالت إلى الآن محاولات المسلمين لاسترجاع مسجد قرطبة، أحد أكبر مساجد العالم، تلقى الفشل أمام تعنّت مسيحيي إسبانيا المدعومين "فاتيكانياً" وظلمهم، وبسبب التعرّض لخطر القمع والقتل يكتفي المسلمون بالصلاة في بيوتهم أو في أماكن صغيرة استعملت كمساجد.
في الرابع والعشرين من تموز عام 1985 م، دخل حيز التنفيذ قانون إسباني باسم القانون حقوق الأجانب وحرياتهم. وملخص هذا القانون، كلّ ما لا يملك الإثباتات الكافية، التي تؤهله للبقاء في الأراضي الإسبانية، فإنّ عليه أن يغادر فوراً. وقد قدّرت السلطات أنّ في إسبانيا نحو 380.000 نسمة من الأجانب يقيمون بصورة غير مشروعة أكثرهم من شمال أفريقيا وجنوب أمريكا وشمال شرق آسيا. هذا القانون يؤثر بصورة شاملة على أهالي مدينتي "سبتة" و "مليلة" اللتين احتلهما الإسبان عام 1735 م بعد أن كانتا تابعتين للملكة المغربية، ولم تحصلا على امتيازات خاصة مما يجعل مصير أكثر من 40.000 مسلم تقريباً، في خطر محدق وعرضة للطرد والشريد. في مقابل ذلك عملت السلطات الإسبانية على تشجيع هجرة الأسبان إلى تينك المدينتين، حتّى وصل عدد المسلمين إلى 30.000 مسلم في مقابل أكثر من 50.000 إسباني في مدينة "مَلِيلَة" وحدها.
إنّ ثمانية قرون من الحضارة والعمران والحكم الإسلامي، قد خنقها الأسبان، ودمروها وقضوا على كلّ معالم تلك الحياة التي عاشها المسلمون هناك، وعلى مئات السنين من ذلك الازدهار الذي كلّل تلك البلاد طيلة 800 عام، ولكن، أندلس التاريخ، أندلس الإسلام، ما زالت حاضرة في أذهان المسلمين، كلّ المسلمين المخلصين وما زالت الذكرى تفيض بالحياة، وما زالت تستصرخ كلّ ضمائر المؤمنين، وتنادي كلّ مسلمي العالم، لتحكيَ لهم قصّة مأساة راح ضحيتها مئات الألوف من المسلمين، وعشرات السنين من الحضارة الإسلامية، وتستنهض كلّ المؤمنين في سبيل أيّ تحرك إيجابي في هذا المجال، فهل من مجيب؟
* المحدّث والنصراني
اجتمع محدّث ونصراني في سفينة، فصبّ النصراني من زقّ شراب كان معه وشرب، ثمّ ناولها المحدّث، فتناولها من غير فكر ومبالاة. فقال النصراني: إنّها خمر، فقال: من أين علمت ذلك، قال اشتراها غلامي من يهودي، فشربها المحدّث على عجل وقال للنصراني: ما رأيت أحمق منك، نحن أصحاب الحديث نتكلم في مثل سفيان ويزيد بن هارون أفنصدق نصرانياً عن غلامه عن يهوديّ، والله ما شربتها إلاّ لضعف السند.