السيّد علي عبّاس الموسوي
السؤال مفتاح المعرفة في حياة الإنسان، وقد تتعدّد الدوافع لدى الأفراد، كما قد تتعدّد متعلّقات السؤال أو المسؤول عنه. ومشروعيّة السؤال لا تعني مشروعيّة كلّ دافع ولا مشروعيّة كلّ مسؤول عنه.
لقد حثَّت التعاليم الإسلاميّة الإنسان على طلب العلم والمعرفة. والسؤال وسيلةٌ موصلةٌ إلى ذلك. ولكنّ الإسلام وجَّه تلك الدوافع وحدَّد المساحات التي يمكن أن يدور حولها السؤال.
فمن ناحية الدوافع، لا بدّ أن تكون: طلباً للمعرفة والاطّلاع، أو تعليماً للغير وباباً لنشر الثقافة والوعي. فيما يحظر السؤال الذي يؤدّي إلى الانحراف عن الحقّ، أو يكون بدافع الوصول إلى الزعامة والرّفعة والعلوّ على سائر الناس.
كما إنّ بعض المساحات التي يقصر عقل الإنسان عن إدراكها، أو الإحاطة بها، لا يحقّ له السؤال عنها. وهذا السلب لا يرجع إلّا إلى قصور الإنسان، ورعايةِ حاله وشأنه.
وثمّة مجال ثالث حثّ الإسلام فيه على السؤال وهو السؤال حول التشريع السماويّ الإلهيّ، فالإسلام يشتمل على التشريعات العباديّة الفرديّة والعباديّة الاجتماعيّة وتلك المرتبطة بالمعاملات والتجارات وما حرّمه الله منها، والأحكام المرتبطة بتنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض. وهذا كلّه قد يقع في دائرة السؤال، فأيّ حدود للسؤال في هذا المجال؟ وما هو المجال الذي قد يناله العقل الإنسانيّ من المعرفة المرتبطة بهذه التشريعات؟
ينطلق بعضهم من السؤال بدافع التشكيك في الصدق والصحة، أو بدافع هدم القناعات القائمة. وهو بهذا يخالف توجيه السؤال في النظريّة الإسلاميّة لناحية الدافع، كما يقع بالمخالفة لناحية تجاوزه لدائرة الممكن له في المعرفة للدخول في ما لا يمكن.
لقد بنى الله عزَّ وجلَّ تشريعه على أساس الحكمة والمصلحة، وهذا يكفي لمن كان إيمانه راسخاً ويقينه ثابتاً ليطمئنّ في نفسه للتعبّد بما ورد عن ربّه. والابتداء بفهم الإجابة عن كلّ سؤال من هذا المنطلق تحديداً فيه راحة للإنسان على المستويَين النفسيّ والسلوكيّ. ولكنّ الذي يعيش التردّد والقلق ولا يملك إيماناً راسخاً سوف ينهدم منه السلوك السويّ ويتّخذ المواقف التي يكون مؤاخذاً على التسرّع فيها.
والله عزَّ وجلَّ قد كشف أيضاً لنا وجه الحكمة في بعض هذه المساحات، بما يسمح للإنسان أن يتأمّل فيها، فتساعده على القناعة والالتزام العمليّ.
إنّ التسليم المطلوب أمام التشريع الإلهيّ لا يسلب عقل الإنسان ولا يسلب حريته واختياره؛ بل يتماهى تماماً مع هذه الثلاثيّة؛ فعقل الإنسان الذي أوصله إلى الإيمان بخالقٍ لم يرَه، يصل به للإيمان بتشريعاته وأحكامه، وإن لم يُحِط بأسرارها. كما إنّ حرية اختيار الإنسان لا بدّ وأن تُفهم في حدود العبوديّة لهذا الخالق، لا الخروج عنها بحجج القصور في الفهم أو عدم الإحاطة ببعض الأسرار في الأشياء المحيطة به.
لقد أثنى الله على هؤلاء الذين أسلموا؛ لأنّهم عرفوا أنّ حقيقة الإسلام هي التسليم. قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء: 65).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.