نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

رائد الحياة الطيّبة

غلام عليّ حدّاد عادل


حين يردُ اسم آية الله الخامنئي فإنّ أوّل ما يرتسمُ في الأذهان من معالم شخصيّته، صورتُه السياسيّة "قائداً للثورة الإسلاميّة". إنّ ظهور مثل هذه الصورة وهذا التصوّر وإن كان أمراً طبيعيّاً، لكنه لا يختزل معالم شخصيّته بأكملها وكما هي في حقيقة الأمر.

*شخصيّة ثقافيّة بالدرجة الأولى
إنّ آية الله الخامنئي بنظر أهل الفكر والثقافة شخصيّة ثقافيّة أكثر من كونه شخصيّة سياسيّة. وما جعله في الدرجة الأولى شخصيّةً ثقافيّةً:

1-إدراكه العميق للرؤية الإسلاميّة.

2- أُنسه الدائم بالمعارف القرآنيّة.

3- معرفته الفقهيّة إلى جانب القواعد والأركان العقليّة والفلسفيّة للفكر الإسلاميّ وللقيم الدينيّة والتي هي ركنٌ أصليٌّ في شخصيّته.

4- بُعدُ نظرهِ الفكريّ وتطلّعه إلى الآفاق البعيدة، التاريخيّة والجغرافيّة.

5- اطّلاعه على أوضاع العالم المعاصر وأحواله ومقتضياته.

6- ومن ميزاته الأخرى الاهتمام بعلم التاريخ، وعشق اللغة والأدبيْن العربيّ والفارسيّ على حدّ سواء.

7- شغفهُ الدائم بالمطالعة وقراءة الكتب، فضلاً عن بروز قدراتهِ وموهبته في حقلَي الخطابة والكتابة.

*على خطى الإمام قدس سره ونهجه
لقد أُنشئت بأمر من آية الله الخامنئي دام ظله وبإشرافه -طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، ولا سيّما في مرحلة تولّيه مهمّة القيادة- عشرات المؤسّسات العلميّة والثقافيّة في مختلف الفروع المتعلّقة بالعلوم الدينيّة والعلوم الإنسانيّة والتي لا تزال حتّى الآن تعمل بجدّ واجتهاد في ظلّ رعايته.

سنحاول في هذه العجالة توضيح بعض تجلّيات شخصيّة الإمام الثقافيّة والعلميّة في قيادة الجمهوريّة الإسلاميّة والأمّة الإسلاميّة.

أولاً: كيف تعاطى الإمام الخامنئي مع الشأن الثقافيّ؟
يرى آية الله الخامنئي أنّ الهدف الأصليّ من الصراع والنضال اللذين خاضَتهما الثورة الإسلاميّة بقيادة آية الله الخميني قدس سره هو الوصول إلى الحياة الإسلاميّة الطيّبة، ويقول بهذا الصدد: "لقد انصبّت جهود القادة من البشر وروّاد الإنسانيّة الكبار والأنبياء العظام والأولياء والمجاهدين في سبيل الله طيلة التاريخ على تأمين الحياة الطيّبة للبشر"(1).

أ- ثورة لتغيير القيم
وقال دام ظله: "لم تقم الثورة ليذهب أشخاصٌ ويأتي آخرون وإنّما قامت لتغيّر القيم ولتكون قيمةُ الإنسان في عبوديّةِ الله، أن يكون الإنسان عبداً لله، يعمل لله، ويخاف الله، ولا يخاف أحداً سواه، ولا يرجو غير الله ويتعب ويشقى في طريق الله ويتدبّر في آيات الله، ليصلح العالم ويتأهّب لإصلاح المفاسد العالميّة والبشريّة فيبدأ بنفسه، ولْيبدأ كُلُّ واحدٍ منّا بنفسه"(2).

ب- أهميّة الهويّة الثقافيّة

يعطي الإمام القائد أهميّةً بالغةً للهويّة الثقافيّة وللحصول على الاستقلال الثقافيّ ويعتقد أنّ القوّة الحقيقيّة تكمن في الثقافة(3). ولهذا السبب، ومنذ السنوات الأولى لتولّيه القيادة حذَّر من الهجوم الثقافيّ الغربي ودعا إلى التنبّه لمواجهة الطرق المختلفة لهذا الاجتياح الثقافيّ وأساليبه. ويصف الاجتياح بقوله: "الغارة الثقافيّة الليليّة"، و"الناتو الثقافيّ".

ج- حفظ الهويّة الثقافيّة

يرى آية الله الخامنئي ضرورة التخطيط أو "الهندسة الثقافيّة" لحفظ الهويّة الثقافيّة، والوصول إلى القوة الثقافيّة، ويَعدُّ ذلك من الواجبات المهمّة للمجلس الأعلى للثورة الثقافيّة. فَبِنَظره الإسلام هو العنصر الأساس المكوِّن للهوية الثقافيّة للأمّة الإيرانيّة، واللغة الفارسيّة ركنٌ آخرُ من أركانِ هذه الهويّة، التي يجب المحافظةُ عليها وتنقيتُها من شوائب الألفاظ الغربيّة التي يتضاعف هجومها يوماً بعد يوم؛ ويرى من المهمّ الاهتمام بالثقافة العامّة التي تمثّل الجانب القيميّ والاعتقادي في سلوك عامّة أبناء الشعب وأقوالهم على مستوى المجتمع بأكمله، ويَحسبُ رَصدَ الثقافة العامّة أمراً ضروريّاً، ويطلب إلى الأجهزة والمؤسّسات الإعلاميّة والوعظيّة والإرشاديّة كالإذاعة والتلفاز، أن تعرف حسنات المجتمع وعيوبه للسّعي بمختلف الطرق لإصلاح الثقافة العامّة والارتقاء بها.

ثانياً: التعليم والتربية

يرى آية الله الخامئني أنّ "التعليم والتربية" هما الوسيلة الأهمّ في متناول الدول والشعوب لإصلاح الثقافة والارتقاء بها ممّا هي عليه إلى الوضع المنشود. إنّ التغيّر في الثقافة لن يحصل من دون التغيّر الجذريّ في التعليم والتربية. لذا، يرى سماحته وجوب بذل الجهد لإيجاد تطوّرٍ عميق وجذريّ لتخليص البلاد من طرق التعليم والتربية التقليديّة والتخلّي عن الأساليب القديمة البالية ورميها بعيداً. وفي هذا السبيل:

1- أولى إعداد المعلمين الأكفّاء وتأليف الكتب الدراسيّة المناسبة اهتماماً بالغاً.

2- ركّز الإمام دام ظله باستمرار على أهميّة "التزكية والتربية" وأولويّتهما إلى جانب التعليم.

3- عَدَّ التربية الأخلاقيّة والتربية القرآنيّة من أول واجبات المعلمين والمسؤولين عن أمور التعليم والتربية.

إنّ آية الله الخامنئي في لقاءاته المستمرّة بالمعلّمين يطلب إليهم أن يكونوا جديرين بحَمل الأمانة وإيصالها إلى أبناء هذا الشعب، وأن يصنعوا من كلّ واحدٍ من تلاميذهم إنساناً تقيّاً صالحاً... معتمداً على نفسه، غير فاقدٍ للأمل ومجتهداً ومحبّاً للعمل...

ويعتقد سماحته أنْ لا إمكانيّة للتغلّب على التخلّف الشديد والمزالق التاريخيّة الفادحة التي حُمّلتها الأمّة لسنوات عديدة قبل الثورة، إلّا من خلال الشروع بإصلاح التربية والتعليم.

ثالثاً: الجامعة

كان لآية الله الخامنئي، وقبل انتصار الثورة الإسلاميّة لسنوات عديدة، علاقةٌ وثيقةٌ بالجامعيين. وكثيرون من الذين كانوا قبل الثورة يتأثّرون بخطبه الدينيّة ويقرأون ما يكتبه كانوا من الجامعيين. كما كان قبل تولّي مسؤوليّة رئاسة الجمهوريّة ومسؤوليّة القيادة، يشاركُ بشكل منتظم ودائم في اللقاءات الجامعيّة.

وكما كان الإمام الخميني يرى سعادة البلاد تكمن في الوحدة بين الحوزة والجامعة (المصالحة بين العلم والدين)، كذلك يولي آية الله الخامنئي اهتماماً خاصاً بالأوضاع الدينيّة والمعنويّة والأخلاقيّة والتقدّم العلميّ كذلك في الجامعات. لقد أكّد مرّات عديدة على وجوب أسلمة الجامعات، وأنشأ مؤسسة تتولّى مسؤوليّة اختيار علماء الدين المناسبين للتواجد في الجامعات، ومساعدة المديرين والمسؤولين فيها وكذلك الأساتذة والطلاب. فضلاً عن ذلك أكّد سماحته، لا سيّما في السنوات الأخيرة، على ضرورة "تطوير العلوم الإنسانيّة" وعدم الاكتفاء بترجمة كُتب الغربيين وتدريسها في الجامعات، لأننا إذا استمررنا على هذا الوضع كما يقول: "لن نتمكّن على الإطلاق من أن نُنشئ بلداً إسلاميّاً".

رابعاً: الإنتاج العلميّ
يرى آية الله الخامنئي أنّ التخلّف العلميّ للبلدان الإسلاميّة هو من عوامل سيطرة أعداء الإسلام على المجتمعات الإسلاميّة. إنّه يعتقد أنّ السلطة والثروة والإمكانات التي تحظى بها الدول المتسلّطة إنّما هي نتيجة لتقدّمها العلميّ، والبلاد المتخلّفةُ علميّاً بحاجةٍ إلى الآخرين في حقل الصناعة والتبعيّة للأجانب اقتصاديّاً. وهذه كلّها أسباب قصورها عن نيل استقلالها الثقافيّ والسياسي.

إنّه يرى أنّ مواجهة سيطرة الأجانب غير ممكنةٍ من دون العلم، لذلك دعا في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة، ولا سيّما في العقدين الماضيين، مرات ومرات المسؤولين الإيرانيين والقيّمين على أمور الجامعات والأساتذة والطلّاب إلى تأسيس "النهضة العلميّة" و"الثورة المعلوماتيّة" ليزدهر من خلالها الإنتاج العلميّ في البلاد.

يعتقد آية الله الخامنئي أنّ الطلاب الشباب، ولا سيّما ذوو المواهب والنخب؛ هم رأس المال الأساس للثروة الإنسانيّة، ويجب العمل على توظيف هذه المواهب لمصلحة التقدّم العلميّ في الجامعات والمؤسسات البحثيّة؛ وهو يشجّع الطلّاب على امتلاك الشجاعة العلميّة وكسر حواجز العلم وتطوير المعرفة.

إنّ اهتمامه هذا وملاحقتَه ومتابعتَه جَعلت الجمهورية الإسلاميّة تُحسب في السنوات العشرين الأخيرة من الدول المتقدّمة في فروع مثل: "الفيزياء الذريّة" و"الهندسة الوراثيّة" كما وصلت إلى مرحلةٍ متقدّمة جدّاً من التطوّر في علم الطب وإنتاج أنواع العقاقير القيّمة والجديدة. كما إنّ التطوّر الذي حقّقته إيران في علوم الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعيّة والصناعات العسكريّة الدفاعيّة أمرٌ لافت للنظر.

خامساً: الحوزات العلميّة
إنّ آية الله الخامنئي في الواقع ينظر إلى الجامعة بعين وإلى الحوزة بالعين الأخرى ويتابعُ تطوّرهما، وما يطرأ عليهما من تغيير.
إنّه يوصي الطلّاب وعلماء الدين الشباب دائماً أن يهتمّوا بالجوانب المعنويّة والأخلاقيّة ومراعاة التقوى والبُعد من التلوّث بآفة طلب الدنيا. ويعدّ هذا الجانب في تعاليم الحوزة وتقاليدها كالروح في جسد الحوزة.
كما كان للسيّد القائد الخامنئي دور بارز ومنهج ناجح في تكامل الحوزات العلميّة مع الجامعات وفي جعْلها غير معزولة عن القضايا السياسيّة والاجتماعيّة، كما أولى الإمام القائد اهتماماً خاصّاً بتعليم النساء وتربيتهنّ.

إنّه يأملُ أن تتجدّد شخصيّة المرأة المسلمة، وفقاً للمبادئ والقيم الإسلاميّة وأن تتغيّر صورة المرأة المسلمة المختلطة بالجهل والخرافة والنظرة السطحيّة وعدم المسؤوليّة ويحلّ محلّها العلم والعقلانيّة والعفّة..

إنّ ما قلناه إنّما هو تقديرٌ مختصرٌ ومكثّفٌ من بعض أفكار وآراء آية الله الخامنئي، ولا يمكنها -بالتأكيد- أن تقدّم تعريفاً كاملاً ودقيقاً لشخصيّته العلميّة والثقافيّة. وصحيحٌ ما قيل إنّ: "ما لا يُدرك كلّه لا يترك جُلّه".


1- معارف الثورة، منشورات الثورة الإسلاميّة، ص110.
2- (م.ن)، ص303.
3- (م.ن)، ص134.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع