نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

خصائص الإمام الخميني ومقوِّمات الاستمرار

آية اللَّه جوادي آملي‏


الحديث عن الشخصيات التي بلغت مدارج رفيعة من الكمال الإنساني شاق للغاية، ولكن الاشعاع الإنساني لمثل هذه الشخصيات يتسع لمديات بعيدة يمكن للخطباء والأدباء الجولان في رحابها الرحب. وبالرغم من أن تمجيد شخصية الإمام رضي اللَّه عنه واجب على كل السالكين في دروب الكمال، إلاّ أن الأهم من ذلك بكثير في الحاضر والمستقبل هو بيان واجبات الأمة الإسلامية وتحديد الأصول والمحاور في خط الإمام الراحل وشرح خصائص ومقومات من يريد الاستمرار في نهجه وخطه. ومن هنا يتوجب التفكيك (وكما سيأتي تفصيله لاحقاً) بين "البقاء على تقليده" وبين "إدامة نهجه".

إن اصطلاح "خط الإمام"، أو "إدامة نهج الإمام" أو "الاستمرار في طريقه" وإلى آخره من المصطلحات الجذابة تستدعي التحليل العميق وعندها سوف تظهر كثير من الحقائق الكبرى في هذا الطريق، بحيث يتضاءل عدد من يسمح لنفسه الادعاء أنه على خط الإمام. كان للإمام الراحل مسؤولية هي المرجعية (مقام الإفتاء) حيث سطرت عصارة فتاواه في رسائل عملية بالفارسية والعربية، وتشتمل على كلّيات المسائل التي تطرّق إليها الفقهاء. الفاصلة بين الإمام وبين الفقهاء الآخرين ليست كبيرة، كما أن درك المعاني الكلية ليس شاقاً ولذا فإن البقاء على تقليده بعد رحيله رضي اللَّه عنه لن يكون صعباً. وأصولاً فإن البقاء على تقليد المرجع المتوفى أمر سهل ذلك أن مرجع التقليد كان قد بين كلّيات الفتاوى، وهذه الفتاوى حيّة ومستمرة أما إدامة خط الإمام الراحل هو إدامة لطريق "القائد" و"الولي". فالولي والقائد يتعامل مع القرار يومياً.. إنه يتخذ قراراته يومياً فمرّة يرتشف رحيق النصر ومرّة يتجرّع سمّ الموافقة على قبول "قرار"(1).

والآن لننظر من يستطيع القول: "أنا على خط الإمام"؟ وما هو معنى اتّباع خطه؟ "التابع للإمام" هو من تكون له رؤية كرؤية الإمام رضي اللَّه عنه، بحيث يدرك اليوم الذي يتوجب عليه أن يتجرّع السم بالرغم من كل مرارته ولا يتردد في ذلك لحظة واحدة. ولو أدرك أنّ الوقت حان لارتشاف رحيق النصر فإنه يفعل ذلك شاكراً لنعمة اللَّه متواضعاً له. لا تباهياً بذلك النصر مهما جلّ شأنه. "البقاء على الولاء" معناه الاحتفاظ بعلاقة روحية مع الولي. ومسألة إدراك الإنسان للوقت المناسب للصراخ أو التزام الصمت وارتشاف الرحيق وتجرّع السم أمر ليس ميسوراً. وما نراه اليوم من اختلاف في السبل، فإن سرّه يكمن في تشخيص الواجب في الخطوط الجزئية، ومن هنا ينجم الاختلاف بين السالكين في دروب الإمامة لأن تشخيص الواجب ليس ميسوراً.

وما نراه في بعض الأحيان من اختلاف في الذوق، ذلك لأن تجرّع السم أمر صعب. من الممكن أن يكون ارتشاف الرحيق عذباً أما تجرّع مرارة السم فأمر صعب جداً. فناهيك عن الاختلاف في التشخيص، فإن مسألة القبول بعد التشخيص فيها اختلاف أيضاً. وهنا يتضح أن البقاء على تقليد ميت مثل الإمام الراحل أمر ميسور، ولكن البقاء على "ولاية ولاء" الإمام أمر شاق. لأنه أمر جزئي تفصيلي وليس أمراً كلّياً وأمر يومي وليس أمراً سنوياً. واستحقاقات ذلك تتطلب تجرّع المرارة، وارتشاف الشهد، وقبول قرار مؤلم وسماع خبر مزلزل كفتح "خرمشهر". ومن هنا ينبغي ألاّ يسمح أحد لنفسه بالادعاء بأنه سائر على خط الإمام، إلاّ إذا شعر بأن ولاء ذلك الراحل يملك عليه وجوده. وهذا لا يكون إلاّ إذا روّض نفسه على تجرّع المرارات وتحمل المعاناة... حتى إذا قيل له: هذا أوان اجتراع السم القاتل هذا زمان قبول القرار (598) فإنه لا يتردد في ذلك لحظة واحدة وإنما يقدم محتسباً صابراً. وحتى لو زفّت إليه بشرى كبرى في دويّ فتح خرمشهر، فإنه يتلقى ذلك الخبر العظيم الذي يهزّ النفوس طرباً بالشكر للَّه سبحانه.. في مثل هذه الظروف يمكن للإنسان أن يدّعي متابعة خط الإمام. وعلى هذا فإن إمكانية تحقق ذلك ضئيلة للغاية.

والآن لننظر من يكون الإمام الراحل ومن هو؟
ربما تصنع المصادفات تاريخاً مثل انفجار بركاني يصب حممه على مناطق خضراء فيحيلها إلى أكوام من رماد، وتستحيل أكواخ القرى إلى خواء. وربما تهاجم سيول مدمّرة مناطق زراعية واسعة لتحيلها إلى وادٍ غير ذي زرع.. هذا تاريخ تصادفي. إذا أراد الإنسان أن يغير التاريخ. فيجب أن تتجلى في أعماقه رؤية إلهية بحيث يكون تشخيص أيٍّ منها "أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف"(2). وقد جاء في الأثر أن الصراط المستقيم أدق من الشعر وأحدّ من السيف وإذا أراد الإنسان أن يصنع التاريخ، فعليه أن يدرك أن "الزمان" في يد "المتزمّن"، يعني أن الإنسان هو الذي يغير الزمان والعصر. وهذا هو الأصل الذي يشير إليه الإمام علي عليه السلام في قوله: "لا ضمان على الزمان" فلا تلومنّ الزمان أبداً فالزمان لا يضمن سعادة أو شقاء الأمم والشعوب وليس هو المسؤول عما يلحق بنا من أضرار وخسائر. ثم يضيف الإمام علي عليه السلام قائلاً: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"(3). فمن يدرك عصره وزمانه ومن يتفهّم ما يجري حوله من أحداث، فإنه لن يواجه مشكلة في اتخاذ الموقف المناسب، ولن تعتريه الحيرة أبداً لأنه من يعرف سنن التاريخ يكون مؤهلاً لصناعة التاريخ. ويقول الإمام علي عليه السلام في رسالته إلى نجله الحسن سبط النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: "قطيعة الجاهل تعدل صِلة العاقل... إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان".

الابتعاد عن الجهلة من الناس تعدل في الأجر الاتصال بالحكماء من الناس، وإذا ما أردت أن تفهم عصرك فافهم أولاً سياسة الحكم القائم، لأنه إذا تغير نظام الحكم تغيّر الزمان والعصر وهذه هي المبادئ‏ الأولى في صناعة التاريخ.
إنه (الإمام الراحل) لم يدرك سياسة إيران بل الشرق الأدنى والأقصى والغرب وما وراء البحار والأرض كلها. لقد أدرك أن باستطاعة الإنسان تغيير التاريخ والزمان. والإمام الراحل استند في قابلياته في سبر عصره إلى قدرة اللَّه لأن "الثقة باللَّه ثمن لكل غالٍ وسلّم إلى كل عال"(4). وعندها يمكنه الثورة بمفرده، كان يعيش حالة الموحّد في الخوف والرجاء وكان لديه رؤية الموحد في ميثاقه مع اللَّه في استمداد النصر.. وأخيراً في الاعتماد والتوكل عليه سبحانه، لأنه عندما كان وحيداً كان يهتف: "اللَّه" وعندما أصبح في قلب الملايين كان يهتف أيضاً "اللَّه" ويوم كان ولا ناصر له كان يقول "اللَّه" ويوم هبّت الأمة بأسرها لنصرته لم يقل شيئاً سوى: اللَّه... ومن كان هذا ديدنه لا بد وأن ينصره اللَّه ومن كان مع اللَّه كان اللَّه معه:

لم يقل مجازاً يا ربّ‏ قالها في الحقيقة والقلب‏ فيما مضى قذفوا كتبه ومؤلفاته في الشارع ومزّقوا كتاباته وهي حاصل عمره، ثم ظهرت بعد سنوات طويلة في أيدي باعة الكتب في قارعة الطريق. في تلك الأيام لم يهب لنصرته أحد.
ويوم كان إصدار البيانات يعود على المرء بالشعبية كانت البيانات كثيرة والتوقيعات كثيرة. ولكن يوم كان توقيع البيان الجهادي يعني الموت ويعني الإبعاد يوم ينحسر إلا المخلص ويتراجع غير المخلص... لأن الإمام علي عليه السلام يقول: "لو ارتفع الهوى لأنف غير المخلص من عمله"(5). يوم يعود الجهاد على المرء بهتك الحرمات لا اكتساب الشهرة والمجد، ويوم يكون الجهاد بعيداً عن الهوى مقروناً بالأخطار. عندها ينزوي الجميع إلاّ المخلصين.. وفي مثل هذه الظروف ظهر الإمام الراحل رضي اللَّه عنه، فهاجم النظام الغاشم ولم يكن حاله يومذاك جبلاً بل شجرة خضراء في وادٍ غير ذي زرع.. ولذا ينسحب عليه ثناء الإمام علي عليه السلام في مالك الأشتر رضي اللَّه عنه: "لو كان حجراً لكان صلداً"(6) فطوبى له وحسن مآب.

فإذا أراد أحد أن يسلك درب الإمام ويتابع خط الإمام فعليه أن يدرك زمانه وعصره.. عليه أن يتصفح جيداً كتاب السياسة المحلّية والدولية صفحة صفحة، وألاّ يصطحب في رحلته هذه الهوى. ولو اعتنق أحد الإسلام الأصيل واندك فيه اندكاكاً لتجرّع كأس السمّ في سبيل نصرته... ولقبض على الجمر من أجل مصلحة الإسلام، لأنه لن يرى شيئاً غير الإسلام ولتساوى لديه النصر والهزيمة، ولا تأخذه في اللَّه لومة لائم وعندما نبلغ هذا المستوى... عندما نكون مستعدّين لتجرّع كؤوس السم عندها يمكننا أن نكون من "السائرين على خط الإمام". يجب أن تتألق روح الإمام العظيمة في نفوسنا حتى يمكننا أن نخطو في ذات الطريق الذي سلكه وعبّده لمن يتابعه.

والسؤال هنا كيف تأتّى للإمام الراحل أن يطوي هذا الطريق؟
لقد كان طريق الإمام مليئاً بالأخطار منقوعاً بالدماء القانية.. إنّ طريقه هو الطريق الدامي المرير.. الطريق الذي يتطلّب الإخلاص الكامل في كل خطوة من خطاه. طريق الإمام هو الطريق الذي عجز عن سلوكه مئات الفقهاء في مستوى صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري والبروجردي، ولكن يجب التأكيد على إمكانية طيّ هذا الطريق بالرغم من مشاقّه. يقول أمير البيان العربي: "وأعظم ما افترض اللَّه سبحانه وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على واليها"(7). وبعد أن بيّن الإمام عليه السلام الحقوق المتقابلة يقول: "فريضة فرضها اللَّه سبحانه وتعالى لكلّ على كلّ"(8) وعندما تتحقق هذه الحالة في إرساء معادلة الحق والواجب تكون النتيجة: "فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئِست مطامع الأعداء"(9). فصناعة التاريخ.. إنتاج التاريخ يتوقف على إدراك وتفهم الواجبات المتقابلة بين الإمام والأمة. فالمسؤول الأعلى في المجتمع عليه واجبات تجاه الأمة وله أيضاً عليها حقوق وعندما تستقر معادلة الحق والواجب عندها يُطمَأَن على استمرار النظام وبقاء الدولة ويومها ييأس الطامعون.ولذا تقع عليكم مهمة صناعة التاريخ وتكونون حينئذ من السائرين على خط الإمام وهذه مسؤولية ليست يسيرة.

والقيام بهذه المسؤولية والنهوض بهذه المهمّة، لا يتم بالدراسة والبحث بل إن أغلبه يتحقق ب"الالهام" الإلهي.. وعندما نستنطق هذه الآية الكريمة من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا (10) تجدها تهتف بهذه الحقيقة.. أن تتقي اللَّه يعني إضاءة مصباح ينير لك الطريق.. الطريق الذي يوضح الحق من الباطل.. وتمييز الحق عن الباطل ليس أمراً سهلاً. وعندما نشخص الحق من الباطل، يمكننا اتخاذ الموقف الصائب وسوف لن يكون هناك مجال للهوى أن يملي علينا رغبته وإرادته وميوله. فالقلب الذي يملأه الهوى لا مكان فيه لتقوى اللَّه، سوف يعيش حالة مدمّرة من الحرمان وانعدام الإرادة الحرّة المستقلّة. وعندما نعيد ترتيب معادلة الآية الكريمة الآنفة الذكر تصبح: "إن لم تتقوا اللَّه لا يجعل لكم فرقاناً" وهو يعادل مضمون قول الإمام علي عليه السلام: "من لم يهذب نفسه لم ينتفع بالعقل" فالدراسة وحدها والثقافة بمفردها لن تجدي شيئاً ما لم يصاحبها ترويض للنفس وتهذيب لها. وخط الإمام ليس علماً يدرس بقدر ما هو ميراث يرثه الذين ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ(11) وهم الذين طلقوا الدنيا طلاقاً علوياً.. الزهاد الذين انزووا بعيداً ويتصوّرون أنهم طلقوا الدنيا، هؤلاء طلقتهم الدنيا..

هذا "طلاق خلعي" أو "طلاق مباراة" طلاق ليس فيه من الرجولة شي‏ء.. الطلاق الذي فيه شهامة هذا الطلاق العلوي، حيث ترتمي الدنيا أمام قدميه تتوسل إليه تغريه بكل كنوز الشرق الأوسط فيقول لها: "طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي بعدك"(12). كثيرون ابتعدوا عن الدنيا ولكنهم لم ينتهجوا نهج علي لأنهم "من ترك الدنيا للدنيا"(13) لأنّ "أفضل الزهد إخفاء الزهد"(14). وهذا هو جوهر القضية. ومن هنا يتضح المعيار في متابعة خط الإمام. والموضوع الهام الذي يتوجب طرقه هو أن الإنسان يمكنه بلوغ مرتبة يكون مختلفاً للملائكة. والمؤمن الحق هو من يتربّى في مدرسة الأنبياء عليهم السلام والأولياء ليكون منزله في حياته ومرقده بعد وفاته مختلفاً للملائكة. ونحن إذا تأملنا في الروايات والأحاديث سوف يتضح ما إذا كان مرقد الإمام الطاهر مهبطاً للملائكة أم لا؟

الإمام علي عليه السلام يعرّف أهل البيت قائلاً: "نحن شجرة النبوّة ومهبط الرسالة ومختلف الملائكة"(15) هنا نزلت الرسالة وهنا تهبط الملائكة.. فالعترة الطاهرة من آل النبي هم أغصان شجرة النبوّة ثم يقول الإمام علي عليه السلام: "لا يقاس بهم أحد من الناس"(16) ويقول: "نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد"(17) ويقول أيضاً: "لا يقاس بآل محمد من هذه الأمّة أحد"(18). والاختلاف يعني هبوط وصعود الملائكة حتى لا يخلو المكان بقول القرآن الكريم: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا(19). ولذا فإن المراقد الطاهرة لأئمة الهدى هي كالحرمين الشريفين محلّ لتردد الملائكة واختلافهم هبوطاً وعروجاً. والآن لنرَ هل يمكن لتلامذة أولئك الطاهرين أن يكونوا محلاً لاختلاف الملائكة؟ لقد خاطب الإمام علي عليه السلام جنوده في صفين قائلاً: "إني متكلّم بِعدَةِ اللَّه وحجّته"(20) يعني أنه يتحدث بالقرآن.. كلامه مستمد من القرآن ودليله دليل القرآن وحجته. إنه ينطلق من هذه الآية الكريمة من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (21). ولذا قال لجنوده: "وقد قلتم ربّنا اللَّه فاستقيموا على كتابه ومنهاج أمره"(22). وهذه الكلمات المضيئة تخاطب تلامذة علي عليه السلام تقول لهم إن الملائكة لا تهبط على المعصومين فقط إنها تنزل على المؤمنين المتقين الذين يسيرون على منهاج ربّهم. والنقطة المهمة في هذا الخطاب أنه لم يكن في المسجد أمام جموع المصلّين في حال صلاة أو صيام وإن كان مقاماً مناسباً بل كان ذلك في ميدان الصراع المسلّح وفي سوح الحرب والقتال. فالإنسان الذي يعلن إيمانه باللَّه ثم لا يهاب الشرق ولا الغرب وهو ينتهج طريقاً لا يميناً ولا شمالاً سوى طريق اللَّه المستقيم ومنهاج الرب العظيم فهذا إنسان تتنزّل عليه الملائكة وتبشره ورفاقه وإخوته: ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (23).

ولقد قال الإمام الراحل: ربي اللَّه، ثم استقام ويحق لنا أن نخاطبه اليوم ونحييّه قائلين:
السلام عليك أيها العبد الصالح.. السلام عليك يا مختلف الملائكة. إن هؤلاء الذين يحجّون إلى مرقده مشياً على الأقدام ويقطعون المسافات الشاسعة إنما يفعلون ذلك لأنه قال ربي اللَّه ثم استقام على منهج اللَّه.. فمن أجل هذا تزوره الملايين من المؤمنين وتتنزّل عليه الملائكة فطوبى له وحسن مآب. الملائكة الذين هم مظاهر اللَّه سبحانه قولهم فعلهم: "إنما قوله فعله"(24) إنهم يتحفون المؤمن بالنشاط وهذا في ذاته تبريك.. إنهم يحملون إليه الروح والريحان وهو في ذاته تهنئة. والسرّ في قوله تعالى في سورة الرعد: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(25) هو أن ذكر اللَّه في ذاته فعله لأن فعل اللَّه "أنزل السكينة" وعندما يكون نصيب القلب السكينة يكون محصّناً ضد كل عوامل النفوذ المخرّبة.
ولهذا ينعم قلب المؤمن باللَّه بالسكينة والطمأنينة والسلام. ومن أجل هذا كان جنود الإسلام في الصدر الأول يلوذون بالنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: "كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول اللَّه"، "كنا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم" لأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في مأمن إلهي:﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ (26). وفي مثل هذه الحالة يعيش الإنسان في مأمن من خطر الرعب.. يثور بكل طمأنينة ويقضي على النظام الشاهنشاهي المشؤوم، ويعيش عشرة أعوام قائداً عامّاً للدولة تغمره السكينة. ثم يرحل إلى الملكوت الأعلى بضمير مشرق وقلب يغمره الأمل ويودّع أخواته وأخوته في الإنسانية إلى ديار الحبيب(27).


(1) إشارة إلى خطاب الإمام الراحل عشية الموافقة على قبول قرار وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية (598).
(2) بحار الأنوار: 8 65 الرواية 2.
(3) أصول الكافي باب العقل والجهل: 1 26 الرواية 29.
(4) بحار الأنوار: 75 364 الرواية 5 وهذا الحديث من كلمات الإمام الجواد تاسع أئمة أهل البيت عليهم السلام.
(5) غرر الحكم ودرر الكلم 2 603 ح‏9.
(6) البقرة، الآية: 106.
(7) نهج البلاغة: الخطبة 207.
(8) المصدر السابق.
(9) المصدر نفسه.
(10)الأنفال، الآية: 29.
(11) "لا يخاف في اللَّه لومة لائم" المصدر السابق: 32 427 الرواية 389.
(12) بحار الأنوار: 40 328 الرواية 10.
(13) بحار الأنوار: 2 84 الرواية 10.
(14) المصدر السابق: 67 316 الرواية 23.
(15) المصدر السابق: 40 87 الرواية 114.
(16) المصدر نفسه: 24 274 الرواية 59.
(17) المصدر نفسه: 22 406 الرواية 406.
(18) المصدر نفسه: 23 117 الرواية 32.
(19) الفرقان، الآية: 62.
(20) بحار الأنوار: 71 190 الرواية 56.
(21) فصلت، الآية: 30.
(22) بحار الأنوار: 71 190.
(23) فصلت، الآية: 30.
(24) بحار الأنوار: 1 122 الرواية 11.
(25) الرعد، الآية: 28.
(26) التوبة، الآية: 40.
(27) "بقلب مفعم بالسلام وبروح مبتهجة وضمير يرجو فضل اللَّه استأذن أخواتي وإخوتي وأرحل إلى عالم الأبدية" من وصية الإمام الراحل (المترجم).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع